#الثائر
كتب د. ناصر زيدان في المدن:
لا يمكن تبرير العدوان الوحشي الذي قامت به إسرائيل ضد المُنشآت السورية بعد نجاح الثورة في اسقاط حكم بشار الأسد، لاسيما استهدافها للبنى التحتية العلمية والعسكرية، ذلك أن القادة الجُدُد في دمشق لم يتحدثوا بكلمة واحدة عن موقفهم المستقبلي من إسرائيل، ولم يحصل أي استفزاز لقوات الاحتلال المنتشرة في هضبة الجولان وفي مرتفعات جبل الشيخ، برغم أنها أراضٍ سورية، وتخضع لأحكام معاهدة فضّ الاشتباك التي رعتها الأمم المتحدة وتمَّ التوقيع عليها في العام 1974. والمسؤولون في غرفة العمليات العسكرية لقوات المعارضة السورية – بما فيهم أحمد الشرع قائد هيئة تحرير الشام – أكدوا التزامهم بكل المعاهدات والاتفاقيات الخارجية المشروعة التي تمَّ التوقيع عليها أصولاً من قبل السلطات السابقة.
وإضافةً للغارات المُدمرة التي شنتها ضد المواقع الحيوية السورية؛ تحاول إسرائيل التشويش على حِراك قيادات المعارضة في سياق جهدهم لإعادة بناء الوحدة السورية المتصدِّعة، وهي ترسل إشارات خبيثة عن صلات مزعومة لها مع بعض المكونات السورية – لاسيما مع الأكراد ومع الموحدين الدروز - لذرّ الرماد بالعيون، ولتشجيع بعض المتضررين من الثورة لإحداث قلاقل داخلية تمنع استقرار الوضع في سوريا، وتنذر بقيام حراك انفصالي لهذه المكونات عن السلطات المركزية. بينما الموحدون الدروز كانوا أكثر المعارضين لنظام الأسد، ولم يغادروا ساحة الاعتراض عليه منذ ما يقارب السنتين، وهم يتمسكون بوحدة سوريا وعروبتها حتى الثمالة. أما الأكراد؛ فقد بادروا الى اتخاذ خطوات إيجابية متقدمة اتجاه قادة المعارضة، كان آخرها رفعهم لأعلام الثورة السورية على مقرات الإدارة الذاتية في المناطق التي يسيطرون عليها شمال وشرق البلاد.
في حسابات بعض القوى الدولية، كما في بعض التحليلات التي تُعبر عن رغبة أصحابها؛ كلامٌ كثير عن خطط لتقسيم سوريا، او لإحداث نزاعات مسلحة بين القوى المنتصرة، لكن الوقائع تُشير الى تمسُّك الغالبية المُطلقة من الفصائل والمكونات السورية، بالتضامن وبالتعاون من أجل إدارة المرحلة الانتقالية على أفضل ما يمكن، برغم التشوُّهات الكبيرة التي أحدثها النظام السابق في متن المؤسسات الحكومية الجامعة، لا سيما منها الجيش العربي السوري والقوى الأمنية، وهي كانت أقرب الى كونها مؤسسات تخدم العائلة وتخضع لأهواء خارجية، أكثر مما كانت تخدم الشعب. ولا يوجد بيئة شعبية حاضنة لمشاريع انفصالية في كل المحافظات السورية، بما في ذلك في مناطق الساحل، حيث تضخ الماكينات المعادية للثورة كم هائل من "الخبريات والدسائس" غالبيتها غير صحيحة، وهدفها إثارة النعرات المذهبية، وتعميم الأجواء السلبية، بما في ذلك – ربما - دفع مجموعات غير منضبطة للقيام باستفزازات ليست محمودة على كل حال، مهما كانت مبرراتها، وقادة المعارضة أعلنوا جهاراً أنهم لن يسمحوا بأي أعمال ثأر مهما كان نوعها، بينما الذين ارتكبوا الجرائم والموبقات بحق الشعب السوري سيقدمون للمحاكمة وفقاً للقانون.
واضح أن تغييرات هائلة حصلت في المنطقة من جراء سقوط النظام في سوريا، وقد تحمُل الأيام القادمة معالم رسم خرائط سياسية جديدة، تُحدِّد موازين القوى الإقليمية بدقة، ذلك أن الساحة السورية هامة بطبيعتها من جهة، ومن جهة ثانية فإن النظام السابق وظَّفها لمصلحة قوى إقليمية ودولية تكفلت بمساعدته عندما تعرَّض لسقوط مؤكد في العام 2014. وتأكد بعد انهيار المنظومة الأسدية وجود توافقات سرية نسجها النظام، ومنها تفاهم غير مُعلن مع إسرائيل، يقضي بتجاهل احتلالها للجولان وعدم القيام بأي أعمال حربية ضدها، مقابل مساعدتها له في توفير الغطاء الأميركي والدولي لإرتكاباته، ومنها على سبيل المثال إبعاد مسؤوليته عن اغتيال الرئيس رفيق الحريري عام 2005. وقد تحدث المسؤولون الإسرائيليون بالعلن عن هذه التوافقات، عندما أشاروا الى خوفهم من غياب " العقيدة الأسدية" بمناسبة عدوانهم على المواقع العسكرية وعلى الأراضي المجاورة للجولان المحتل.
وبالفعل؛ فقد أحدثت سوريا بنظامها السابق تأثيراً واضحاً على خارطة نفوذ القوى الدولية المؤثرة في المنطقة، لا سيما لناحية مساعدة طهران على الإنفلاش الواسع في "بلاد الشام" برمتها، وهو ما أدى الى تقويض دول مثل العراق ولبنان، إضافة الى سوريا ذاتها، وتحويلها الى ساحات فوضى، وأماكن مستباحة للمتفلتين من القانون وللهاربين من الحساب. ودور النظام ساعد في إستقدام القواعد العسكرية الأجنبية، في مناطق استراتيجية، بحجة محاربة داعش، بينما أكدت الوثائق المُسرَّبة من مقرات تابعة للنظام، بأن داعش كان صنيعة قوى نافذة في المنطقة، ومنهم النظام السوري، بهدف تشويه سمعة المعارضين السوريين، وإنتاج حجج مُقنعة لكسب مودة قوى دولية كي لا تُساعد المعارضة على التغلُّب على النظام.
قادة الثورة السورية يؤكدون أنهم سيعملون على تأسيس دولة مدنية تحفظ حقوق كل السوريين بالمشاركة السياسية وبالحياة الكريمة، وحتى الآن لم يتسنَّى لغالبيتهم حلق ذقونهم بسبب ضيق الوقت، او بسبب كثرة الانشغالات (كما يقول أحدهم) وقد بدأت ورشة صناعة دستور جديد يتماشى مع هذه الرؤية.
اما المُتضررون من نجاح الثورة - في الداخل وفي الخارج - فسيجهدون لتشويه سمعتها، ولن يتوانوا عن القيام بأي عمل يمكن أن يساعد على تقويض أهدافها.