#الثائر
- كتب د. ناصر زيدان في المدن:
يرتبط البلدان الكبيران روسيا وايران بعلاقات تجارية مقبولة، وتصل التبادلات المباشرة بينهما الى 5 مليارات دولار، وقد تعاونا سياسياً وأمنياً في ملفات دولية ساخنة، خصوصاً في سوريا، وعلى درجة أقل في أوكرانيا، بينما لا يوجد معلومات كافية لتوضيح كامل صورة الرؤية الروسية الخاصة في ملف ايران النووي، برغم أن موسكو كانت شريكة في اتفاقية 5 + 1 التي تمَّ توقيعها في العام 2015. لكن مركز الصدارة في هذه الاتفاقية احتلتها الولايات المتحدة الأميركية، والمعلومات المتداولة في حينها تُشير الى أن إدارة الرئيس باراك أوباما قدَّمت تنازلات لطهران مقابل موافقتها على المعاهدة، وهي عبارة عن "قبة باط" مكَّنت ايران من الإنفلاش في بلاد المشرق العربي، وفي اليمن من دون معارضة مُهمة، برغم أن الرئيس دونالد ترامب عاد وانسحب من هذا الاتفاق في العام 2018.
لكن هذا التعاون الروسي – الإيراني لا يكفي لحرف أنظار موسكو عن مُغريات أخرى أكثر فائدة لها، لا سيما في العلاقة مع تركيا، حيث تجاوز التبادل التجاري معها 55 مليار دولار، ويطمح البلدان لإيصاله إلى 100 مليار، ويبدو أن أخصام ايران على استعداد للتعويض لروسيا أي خسائر قد تحصل إذا ما تراجع تعاونها مع طهران.
تراكضت ايران ثمَّ روسيا الى الساحة السورية في العام 2014، عندما شعرا لأن حليفهما بشار الأسد يواجه خطراً مؤكداً قد يُطيح بنظامه. فلإيران مصالح "ميثولوجية" واقتصادية وأمنية يحميها الأسد في سوريا، ولروسيا مصالح جيوسياسية تتمثل في وجود قواعد عسكرية استراتيجية على الساحل السوري، ولسوريا أهواء روسية قديمة، وجيشها مُجهَّز بالأسلحة الروسية، ولموسكو استثمارات كبيرة في البلاد.
بدأت مصاعب المساكنة السياسية بين البلدين الصديقين تظهر على الساحة السورية منذ أكثر من عام، فقد فتح حلفاء ايران جبهة عسكرية واسعة مع إسرائيل في غزة وفي لبنان، ويبدو أن هذه الحرب لم تكُن مُنسقة مع موسكو، ولا مع البيئة العربية والإسلامية المُحيطة، وبالغت طهران في استثمار الساحة السورية الاستراتيجية في المعركة، برغم الضغوطات التي مارستها موسكو على النظام السوري ليتجنَّب مخاطر الحرب. ومن ميدانيات العمل العسكري؛ تبين أن الشكوك بدأت تتسلَّل الى بنات أفكار الجهتين، وتبادل الاتهامات بين مقربين من الحليفين خرجت الى العلن في أكثر من مرَّة إبان العمليات العدوانية التي قامت بها إسرائيل ضد أهداف إيرانية، واتهم مسؤولون في الحرس الثوري بعض الضباط والأفراد المحسوبين على روسيا بتسريب معلومات أمنية عن المجموعات الموالية لإيران لجهات على صلة بإسرائيل، كما أن روسيا لم تقُم بأي جهد لردع الطائرات الإسرائيلية التي كانت تقصف مواقع في سوريا، ومنها مواقع قريبة من قواعدها العسكرية (كما في عملية الإنزال الاسرائيلية على مصانع الصواريخ في مصياف). وروسيا أخذت موقفاً محايداً نسبياً في الحرب، ويبدو أنها أعطت ضمانات لإسرائيل بعدم مشاركة النظام السوري فيها، وأبعدته نسبياً عن منظومة "وحدة الساحات" الممانعة التي تقودها طهران.
تؤكد المعلومات المتوافرة من أكثر من جهة؛ أن موسكو طلبت من الأسد مباشرة حواراً جدياً مع المعارضة لإجراء بعض التعديلات على الدستور، احتراماً للقرار الدولي 2254، ووفقاً لمقررات منصة أستانة التي رعتها روسيا وتركيا وايران، كما أنها طلبت من الأسد الاجتماع مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، لأن ذلك يُنتج بعض التوازن ويساعد النظام على وقف تراجعه المُتسارع، لكن الأسد لم ينفذ أي من الوعود في هذا الاتجاه، أو أنه لم يكُن قادراً على تحقيق هذه الرؤى. وقد أدرك الروس أن بشار الأسد غير قادر على الإيفاء بأي من وعوده، او أنه أصبح أسيراً للمقربين من ايران، ولبعض الذين ينسِّقون مع الحرس الثوري داخل الجيش، لا سيما الفرقة الرابعة بقيادة شقيقه ماهر الأسد.
وقد أُضيفت هذه المعطيات الى الإختناق الروسي من ممارسات غير مقبولة، يقوم بها الأسد والمقربين منه في صناعة المخدرات والتجارة بها، وفي تنفيذ إعدامات لمعارضين من دون أي مُحاكمة، كما في القيام بعمليات تعذيب رهيبة للسجناء، وكل ذلك يُسيء لسمعة روسيا، كونها ترعى النظام وتحميه. والمفاوضات التي أجراها ضباط روس في مدينة السويداء الجنوبية خلال السنة الماضية، للتخفيف من حدة انتفاضتهم ضد الأسد، أكدت لهم أن رجال الدين في المحافظة؛ لا يمكنهم السكوت عن ترويج النظام للمخدرات بين أبنائهم، وذات الوضعية حصلت في محافظة درعا التي حيّدها الروس من مواجهة النظام بمصالحات لم يحافظ عليها مناصرو الأسد، وأجهضوها.
واضح أن نجاح الثورة السورية في 8 كانون الأول/ديسمبر، لم يكُن ليحصل بهذه السهولة، فيما لو كان موقف روسيا معارضاً بشدة للتغيير، وعلى أقل تقدير كان بإمكان القوات الروسية أن تحمي قوات النظام وتدفعها لقتال المعارضة في مناطق الساحل القريبة من قواعدها. لكن يبدو من المؤكد أن روسيا فضَّلت مجاملة المعارضة وداعميها - خصوصاً تركيا - وتوليف رسالة تحضيرية للرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب، وإرضاء الرأي العام الروسي "في القوقاز تحديداً" وعلى الساحة العربية، وهي منحازة لأن تكون سوريا ليبرالية، وأن لا تتحوّل بالكامل الى ساحة صافية لمحور الممانعة وبقيادة إيرانية، كما أنها لا تريد لنفسها الاشتباك مع طهران لمنع نجاح هذه الخطة، وهي تصرّ على عدم القطيعة معها. بينما المعلومات تؤكد أن روسيا تلقت ضمانات حول بقاء قواعدها العسكرية. أما قادة المعارضة فقد التقطوا هذه الإشارات وشرعوا لتحقيق النصر المُبين.