#الثائر
الخبير في الشؤون العسكرية والقانون العام اكرم كمال سريوي -
تُصرُّ بعض الكتل النيابية، على أن انتخاب قائد الجيش يحتاج إلى تعديل المادة 49 من الدستور اللبناني، والتي تمنع انتخاب موظفي الفئة الأولى، وهي تنص في فقرتها الأخيرة على:
كما أنه لا يجوز انتخاب القضاة وموظفي الفئة الأولى, وما يعادلها في جميع الإدارات العامة والمؤسسات العامة وسائر الأشخاص المعنويين في القانون العام مدة قيامهم بوظيفتهم، وخلال السنتين اللتين تليان تاريخ استقالتهم، وانقطاعهم فعلياً عن وظيفتهم، أو تاريخ إحالتهم على التقاعد.
وتنص المادة 74 على: إذا خلت سدة الرئاسة بسبب وفاة الرئيس أو استقالته أو سبب آخر، فلأجل انتخاب الخلف، يجتمع المجلس فوراً بحكم القانون
لم يعالج الدستور مسألة امتداد الفراغ الرئاسي لمدة طويلة، ولذا تحدث بعض رجال القانون، بأن امتداد الفراغ الرئاسي لأكثر من سنتين، يُسقط الشرط الذي نصت عليه المادة 49 بمنع انتخاب موظفي الفئة الأولى.
لم يوضح أصحاب هذا الرأي السند القانوني الصريح والصحيح، والمواد التي يستندون إليها، وفي الحقيقة لا يوجد سند قانوني لهذا الرأي، في الدستور.
بغض النظر عن شخص قائد الجيش الحالي العماد جوزيف عون، وأهمية وجوده في سدة الرئاسة في هذه المرحلة الصعبة من تاريخ لبنان، لكن يجب أن لا يتحول الدستور إلى وجهة نظر، خاصة لدى رجال القانون، ويجب ألّا تصدر عنهم فتاوى، تتبع الأهواء والرغبات، لأن أي مس بالدستور، يفتح الباب واسعاً أمام الاجتهاد، وانتهاك القانون والدستور.
ليس عبثاً حدد الدستور بعض الشروط الواجب توافرها في المرشح لرئاسة الجمهورية، ومنع انتخاب بعض الأشخاص، فهذا المنع ينطلق من مبدأ عدم استغلال الوظيفة العامة لغايات انتخابية، وهذا السبب لا يسقط بمجرد امتداد الفراغ الرئاسي لأكثر من سنتين.
لا شك أن انتخاب قائد الجيش، أو غيره من القضاة وموظفي الفئة الأولى، يحتاج إلى تعديل المادة 49 من الدستور.
ويمكن أن يحدث تعديل الدستور بطريقتين:
الطريقة العلنية والدستورية، وتكون وفقاً لما نصت علية المواد 76 و77 و 78 و 79 ، والتي تشترط أن يأتي الاقتراح من الحكومة، التي عليها أن تقره بأغلبية ثلثي أعضائها، أو أن يأتي الاقتراح من عشرة نواب، ويقره المجلس بثلثي الأعضاء الذين يتألف منهم قانوناً، ويحال الاقتراح عندها إلى الحكومة، لتضع مشروع التعديل، وترسله إلى المجلس، ليصوت عليه.
ولا يمكن للمجلس تعديل الدستور، إذا لم يكن في عقد عادي، مع الإشارة إلى أن العقد العادي الثاني لهذا العام، ينتهي بنهاية السنة، والعقد العادي الأول للعام القادم، يبدأ نهار الثلاثاء الذي يلي 15 آذار المقبل.
لقد اعطى الدستور أيضاً الحق لرئيس الجمهورية، باقتراح تعديل الدستور، وكذلك الحق برد قانون التعديل إلى المجلس، وهذا يطرح سؤلاً بمدى جواز تعديل الدستور في غياب رئيس للجمهورية، الذي هو بإلاضافة إلى موقعه الدستوري، يمثّل مشاركة طائفية، والدور المسيحي الأبرز في الحكم.
الطريقة الثانية للتعديل هي التعديل الضمني، بمعنى أن يُنتخب قائد الجيش بأغلبية ثلثي الأعضاء الذين يتألف منهم المجلس قانوناً (86 صوتاً في المجلس الحالي).
وهذا هو النصاب المطلوب لتعديل الدستور، ومن ناحية ثانية تتعطل إمكانية الطعن بانتخابات الرئيس، حيث نصت المادة 41 من القانون رقم 243 (النظام الداخلي للمجلس الدستوري) على أن طلب الطعن بانتخابات رئيس الجمهورية، يجب أن يقدم من ثلث الأعضاء الذين يتالف منهم المجلس قانوناً على الأقل.
استناداً إلى ما ورد أعلاه فإن انتخاب قائد الجيش ممكن، إذا حاز على 86 صوتاً، في أي دورة انتخاب، أكان الأولى أو الثانية أو ما يليها، وفي هذه الحالة يكون قد حصل ما يشبه تعديل ضمني للدستور، لأن الفوز بأقل من ذلك، سيفتح الباب أمام الطعن بصحة انتخاب الرئيس أمام المجلس الدستوري، إذا ما طلب ثلث أعضاء المجلس النيابي ذلك.
اما الطريقة الأولى، أي التعديل الصريح للمادة 49، بحيث يصبح بالامكان انتخاب قائد الجيش، فهي الأسلم، لكن هذا الأمر بات صعباً اليوم، لأن العقد العادي للمجلس سينتهي بعد رأس السنة، ولن يتمكن المجلس من تعديل الدستور، قبل النصف الثاني من شهر آذار المقبل.
لقد سبق أن انتخب لبنان عدة رؤساء للجمهورية، خلافاً لنص المادة 49 من الدستور، وذلك حصل في انتخاب كل من؛ قائد الجيش فؤاد شهاب، وحاكم المصرف المركزي الياس سركيس، و قائد الجيش العماد ميشال سليمان، لكن هذا لا يجعل من مخالفة الدستور قاعدة صحيحة، فبالرغم من هذه السوابق، يبقى احترام الدستور واجباً أساسياً، خاصة لأعضاء السلطة التشريعية، ويعطي صورة عن مدى الالتزام بتطبيق الدستور والقانون، لكل من يتحمل مسؤولية عامة.
وإذا كنا لا نستغرب الفتاوى السياسية بتفسير الدستور، بطرق تلبي مصالحهم ورغباتهم السياسية، خاصة من قبل غير المتخصصين بالقانون العام (ضمناً القانون الدستوري)، نأمل أن لا ينزلق بعض رجال القانون، لتقديم تفسيرات وفتاوى سياسية مخالفة للدستور، فهؤلاء من أولى واجباتهم توخي الدقة والمصداقية والشفافية، في تفسير مواد الدستور والقانون، وليس المساهمة في تبرير الأخطاء والغلط.