#الثائر
- " اكرم كمال سريوي "
ما إن هدأت المعارك في جنوب لبنان، وبالرغم من استمرار الاعتداءات الاسرائيلية وخرق اتفاق وقف اطلاق النار، اندلعت معارك داخلية على جبهات المناكفات السياسية اللبنانية، عنوانها الأساسي جدال حول مسألة النصر والهزيمة، كباب رئيسي لمسألة نزع سلاح حزب الله.
نادى فريق المعارضة منذ سنوات بضرورة نزع سلاح الحزب وتسليمه للجيش اللبناني، وحصرية قرار الحرب والسلم بيد الدولة اللبنانية. وفي المقابل تمسّك حزب الله بسلاحه، كضمانة وحيدة لردع العدو الإسرائيلي ومنعه من استباحة لبنان، خاصة أن الولايات المتحدة الامريكية، تفرض ما يشبه حظر تسليح للجيش اللبناني بأسلحة نوعية تمكنه من التصدي للاعتداءات الاسرائيلية. ويقتصر الدعم الأمريكي للجيش، على أسلحة بسيطة وقديمة وقطع بدل، وتدريب بعض الضباط والعناصر.
من وجهة نظر المعارضة فإن حزب الله أدخل البلد في حرب مدمرة، ولم ينجح في حماية لبنان، وبالتالي حان الوقت ليتواضع الحزب، ويتخلى عن السلاح، ويتحول إلى حزب سياسي، ويتولى الجيش وحده مسألة حماية الحدود.
فيما يجادل الحزب، بأن هذه الحرب كانت ستبدأها إسرائيل بعد أن تنتهي من القضاء على المقاومة في غزة والضفة، وأن هناك قراراً أمريكياً إسرائيلياً بالقضاء على كل حركات المقاومة في المنطقة، وتقليص النفوذ الإيراني، وطيلة السنوات الماضية كانت إسرائيل تستعد للمعركة مع حزب الله، وتعلن عن تحضيرات ومناورات عسكرية في الشمال لدخول لبنان، وبالتالي لم يكن خيار انتظار الحرب واعطاء الاسرائيلي فرصة الاستفراد بغزة خياراً سليماً، بل كان على المقاومة أن تدخل حرب الاسناد هذه، لإفشال المشروع الإسرائيلي.
في الظاهر يبدو كل طرف يتحدث بشيء من المنطق، ولكن في الواقع كل طرف يخفي جزءاً مهماً من الحقيقة.
فالمعارضة تريد نزع سلاح حزب الله، لتتخلص من نفوذ الحزب وتأثير هذا السلاح في دور الحزب في السياسة الداخلية للبنان، أمًا الحزب فيريد التعويض عن الإجحاف الذي يُلحِقه النظام الطائفي بدور الشيعة في الحكم، ويستشهد قادة الحزب بما سمعوه من دعوات لانتخاب رئيس للجمهورية من دون حضور النواب الشيعة، وكذلك الدور الشيعي المحدود في الحكومة، بحيث يمكن للقوى الأخرى (ولو نظرياً) تمرير أي قرار دون موافقة الشيعة.
يرتبط مفهوم الانتصار لأي قوة، بالنجاح في تحقيق الاهداف الاستراتيجية، فالطرف الذي يحقق اهدافه، يكون قد انتصر، واذا لم يحقق الأهداف يكون قد فشل، لكن هذا لا يعني أنه هُزم، فالهزيمة تحصل عندما يوقع هذا الطرف على الاستسلام.
ويمكن تقسيم الاهداف إلى نوعين؛ استراتيجية، وتكتيكية، والاهمية هي للاهداف الاستراتيجية طبعاً، أمّا الأهداف التكتيكية فأهميتها تكمن في قدر مساهمتها بتحقيق الأهداف الاستراتيجية.
انطلاقاً من هذا المفهوم، يمكن القول أن إسرائيل لم تُهزم، لكنها لم تنتصر، لأنها فشلت في تحقيق الأهداف الاستراتيجية التي اعلنتها لهذه الحرب.
حقق الإسرائيلي نجاحات تكتيكية، لكنه فشل في توضيفها في تحقيق الأهداف الاستراتيجية، ولقد أفشل حزب الله الاهداف الاسرائيلية، لكنه لم يحقق اهدافه ايضاً،
وبالتالي هو لم يُهزم، لكنه لم ينتصر سوى بأنه أفشل خطة إسرائيل بالقضاء عليه، وبقي موجوداً ويشكل خطراً على إسرائيل، وبهذا المعنى هو منتصر، فالمقاومة دائماً تنتصر عندما تصمد وتستمر في القتال، حتى تستنزف العدو وتحقق هدفها الرئيسي بتحرير الأرض.
لا يتقبل البعض هذا المنطق، ويصرّ على الحديث فقط، عن حجم الدمار الهائل الذي الحقته إسرائيل بغزة أو بلبنان.
لا يمكن إنكار وجود خسائر كبيرة ودمار هائل، ولكن يبقى السؤال المحوري، هل على الشعوب الرضوخ وعدم مقاومة الاحتلال، لأنه سيحدث دماراً هائلاً ويقتل الآلاف؟؟؟
البعض يرى أنه من الجنون مواجهة آلة القتل الإسرائيلية، والطريق الوحيد هو النضال السلمي لاستعادة الحقوق.
ولكن هذا يثير سؤلاً آخر، وهو أن إسرائيل التي لم ولن تحترم إي قرارات دولية، أو قواعد وقوانين الحرب والاتفاقات الدولية، هل فعلاً ستتنازل أمام احتجاجات سلمية؟؟؟
لو رضخت الشعوب للقوة، وخشيت مواجهة توحش المحتل، ولم تتحمل الخسائر وتقدم التضحيات، لكان الاستعمار ما زال جاثماً على صدر معظم شعوب دول العالم، ولما وجدت الشعوب سبيلاً إلى الحرية.
لا شك أن في لبنان مسألة بناء الدولة، لا ترتبط فقط بنزع سلاح حزب الله، فالخلافات عميقة حول، أي دولة يريد اللبنانيون؟
ما يسمى بالديمقراطية التوافقية، هو اختراع لبناني، للالتفاف على الديمقراطية الحقيقة، وإفراغ لها من مضمونها، وتمسّك البعض بها، يقابله تمسك الفريق الآخر بالسلاح.
أما الحديث عن حقوق الطوائف، فهو أيضاً عملية استغلال سياسي، لأن في كل طائفة يوجد أقلية تستأثر بهذه الامتيازات، وتمارس المحسوبية والظلم والدكتاتورية على عام المواطنين الآخرين.
لا يوجد شيء أسمه حقوق طوائف، بل هذا مجرد اتفاق تم بين بعض القيادات الطائفية ، منذ الاستقلال وما قبله، على تقاسم الحصص في الحكم.
والمشكلة أن هذه المحاصصة لا تستند إلى العدالة والكفاءة والمساواة، بل إلى الظلم والاستئثار والغلبة، الموروثة من نظام الملة العثماني، والامتيازات التي ابتدعها الاستعمار الفرنسي.
هذا النظام جعل اللبنانيين طائفيين في كل سلوكياتهم اليومية، في؛ مدارسهم، وجامعاتهم، ومستشفياتهم، ومؤسساتهم الحزبية والخيرية والثقافية والاعلامية، وتم توزيع مؤسسات الدولة ووظائفها على الطوائف، وباتت أشبه بإقطاع طائفي داخل الحكم في لبنان.
لقد غلب الانتماء الطائفي في لبنان على الانتماء الوطني، وهذا مكّن زعماء الطوائف من التحكم بطوائفهم، وجعل المواطنين مجرد اتباع، تُفرّقهم المذاهب والمحاصصة، بدل أن يكونوا مواطنين في دولة، تجمعهم مصلحة الوطن.
من يريد الدولة في لبنان يريدها على قياسه الخاص، ووفق رغباته ومصالحه، ولذلك لا يشكّل انتهاء الحرب مع إسرائيل، نهاية لمشاكل اللبنانيين، الذين ما زالوا يستقوون على بعضهم البعض بدول خارجية، جعلوا منها شريكاً أساسياً في تقرير مصير لبنان، وبات يستحيل انتخاب رئيس للجمهورية، لا توافق عليه الدول الراعية، للفرقاء السياسيين اللبنانيين.
أما الأسوأ من كل ذلك، فهو أن كل طرف يزايد على الآخرين بشعارات السيادة والوطنية والاستقلال، ولغة التخوين حاضرة دائماً لدى الجميع.
فهل هناك من يصدّق بأنه يمكن فعلاً بناء وطن بالطائفية والتبعية والتخوين؟؟؟!!!