تابعنا عبر |
|
|
الثائر تقدم لكم تقنية الاستماع الى مقالاتها علّم أي مقطع واستمع إليه
#الثائر
- " اكرم كمال سريوي "
تنتشر تقارير صحفية عديدة عن أهمية الغاز قبالة ساحل غزة، وكذلك عن خطة إسرائيلية لإنشاء قناة بنغوريون، التي تمر على مقربة من شمال قطاع غزة.
ووفقاً لهذه التقارير، فإنهما السببان الحقيقيان، خلف الحرب التي تشنها إسرائيل على غزة.
فما مدى صحة هذه الأخبار ؟
يقدّر احتياطي الغاز في المنطقة الاقتصادية، قبالة شاطئ فلسطين المحتلة، والذي تسيطر عليه إسرائيل، ب 1087مليار متر مكعب. هذا وفق تقرير أعدته شركة "بي دي او" عام 2022.
ولمعرفة أهميته في سوق الطاقة العالمي، ملجأ إلى المقارنة.
فهذا المخزون يعادل تقريباً انتاج روسيا الاتحادية من الغاز، مدة خمس سنوات فقط .
تمتلك روسيا أكبر احتياط من الغاز في العالم، وهو يُقدّر بحوالي 48,7 ترليون متر مكعب وانتاجها السنوي يفوق 200 مليار متر مكعب ( الترليون يساوي الف مليار).
أما حقل "لفياثان" الذي يعتبر أكبر الحقول قبالة فلسطين، وتحتله إسرائيل، يقدر محتواه ب 453 مليار متر مكعب من الغاز، تملك منها نوبل إنرجي الأمريكية نسبة 39,66%. والباقي لعدة شركات أخرى.
تنتج إسرائيل سنوياً، ما يقارب 12.5 مليار متر مكعب من الغاز، وتخطط لزيادة إنتاجها إلى 20 مليار متر مكعب، في السنوات المقبلة.
وفقاً لتوقعات منظمات دولية، فإن أسعار الغاز الطبيعي، للسنوات المقبلة حتى عام 2030، سوف تتراوح بين 5 إلى 8 دولارات لكل مليون وحدة حرارية، ( مليون وحدة حرارية تساوي 28,26 متر مكعب من الغاز الطبيعي).
أي أن السعر الوسطي التقريبي، سيكون أقل من 250 دولاراً لكل الف متر مكعب من الغاز.
وفق هذه التقديرات فإن الثروة الغازية التي تسيطر عليها إسرائيل قبالة شواطئ فلسطين، هي بحدود 250 مليار دولار، وهذه المبالغ طبعا سيذهب قسم كبير منها للشركات المنتجة.
أما كمية الغاز المقدرة قبالة ساحل غزة تحديداً، فهي لا تتجاوز 40 مليار متر مكعب. أي أنها لا تتجاوز في أفضل الحالات مبلغ 10 مليار دولار. وهذا المبلغ لا يعادل جزء بسيط من تكلفة إسرائيل، في الحرب التي تشنها على غزة.
ومن الجدير بالذكر، أن إسرائيل كانت قد اتفقت مع السلطة الفلسطينية، على استخراج الغاز من حقل "غزة مارين"، ثم فُسخ العقد.
وعادت السلطة الفلسطينية واتفقت مع مصر، في عام 2018 لاستخراج الغاز والنفط من هذا الحقل، وهذا يؤكد أن مسألة الغاز قبالة غزة، ليست بهذه الأهمية، لشن الحرب، كما يعتقد البعض.
أما الحديث عن مشروع قناة بنغوريون، الذي تم الكشف عنه عام 1993، فهو مشروع قديم، يعود إلى وثيقة وُضعت عام 1963, لشق قناة بطول 160 ميلاً بحرياً.
ثم تبين أن هذا المشروع دونه عقبات عديدة، وصعوبات في الحفر، أهمها الحاجة إلى 1,04 جيغا طن من المتفجرات، بمعدل 6,5 ميغا طن لكل واحد ميل.
أي ما يعادل تفجير أكثر من 520 قنبلة نووية تحت الأرض، على أن تكون القنبلة بقوة 2 ميغا طن، أي أقوى ب 100 مرة من القنبلة التي أُلقيت على ناغازاكي.
هذه الكمية يلحظها المشروع، لاتمام تنفيذ شق القناة.
وهذه التفجيرات ستلاقي طبعاً اعتراضات عديدة من دول المنطقة والعالم، إضافة إلى الضرر الكبير، الذي يمكن أن تُسبّبه على إسرائيل نفسها.
أين ستذهب إسرائيل بتلك الأطنان، من الاتربة الملوثة بالاشعاعات، عندما تقوم بعمليات الحفر، بعد التفجير؟.
أما النقطة الأهم، فهي أن إسرائيل بالتعاون مع الهند والولايات المتحدة الأمريكية، تحاول تحويل ميناء حيفا إلى بوابة أوروبا نحو دول الخليج العربي.
ولقد أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن عن هذا الطريق التجاري، الذي يمتد من الهند إلى أوروبا. ويمتد الخط البري من الإمارات، إلى السعودية إلى الأردن فإسرائيل.
وتحاول أمريكا وإسرائيل جاهدتين، افتعال الأزمات مع إيران واليمن، للتضييق على عمليات النقل البحري، عبر مضيق باب المندب ومضيق باب هرمز.
هذا طبعاً لإبراز أهمية الطريق البري، وسكك الحديد المقترحة من الخليج إلى حيفا.
وهذا يؤكد أن إسرائيل لن تسعى في المستقبل القريب، إلى فتح طريق بحرية رديفة لقناة السويس، تصل البحر الأحمر بالبحر الابيض المتوسط.
خاصة أن هذا الطريق البحري، سيخدم مصالح الصين، أكثر بكثير مما سيخدم مصالح أمريكا. لأن الصين باتت تسيطر على عدد كبير من الموانئ في أوروبا، وأفريقيا، وأسيا، وتمتلك أكبر اسطول نقل بحري في العالم.
كما أن هذا الممر البحري الإسرائيلي، سيبقى محكوماً بمضيق باب المندب، الذي يسيطر عليه الحوثيون، ولن يكون مسهلاً أمام سفن قناة بنغوريون، ما لم يتحقق السلام بين إسرائيل والفلسطينيين.
من الواضح أن هناك مبالغة كبيرة، في تضخيم أهمية الغاز وقناة بنغوريون، في الحرب الإسرائيلية على غزة.
وأعلنت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، أن الاتحاد الأوروبي يريد «تعزيز» تعاونه في مجال الطاقة مع إسرائيل.
ويؤكّد كافة الخبراء أن هذا الإعلان لفون دير لاين هو دعائي، ولا يمكن لإسرائيل تعويض كميات الغاز التي يحتاجها الاتحاد الأوروبي من روسيا.
الحقيقة هي أن إسرائيل لديها مشروع آخر، وهو الهدف الرئيس للحرب، أي ترحيل الفلسطينين من غزة إلى سيناء، وثم من الضفة الغربية إلى الأردن بهدف، تصفية وإنهاء القضية الفلسطينية بالكامل.
لكنها اصطدمت بصمود المقاومة أولاً وبالرفض المصري، والأردني، والعالمي لهذا المشروع ثانياً.
وباتت إسرائيل الآن تخوض عملية إبادة شاملة لسكان قطاع غزة، وتحاول إطالة امد الحرب، وجعل غزة غير قابلة للعيش فيها.
وهي ما زالت تضيّق على مرور المساعدات الإنسانية، وستحاول تأخير ومنع إعادة الاعمار، بهدف تشجيع سكان القطاع على الهجرة الطوعية.
تخوض حكومة نتنياهو حرباً بأهداف مستحيلة، وبدون أفق محدد لهذا الصراع، الذي لن ينتهي، ما لم تقتنع إسرائيل بضرورة تطبيق قرارات الشرعية الدولية، وتعترف بحقوق الشعب الفلسطيني باقامة دولته على أرضه في فلسطين.