تابعنا عبر |
|
|
الثائر تقدم لكم تقنية الاستماع الى مقالاتها علّم أي مقطع واستمع إليه
#الثائر
- " د. ميشال الشمّاعي "
الانتخابات النيابية في الربيع المقبل، هذا ما أكّد عليه فخامة الرئيس. ولكن العراقيل المرتبطة بالصفقات التي تتسارع وتيرتها تتكاثر يومًا بعد يوم. حتّى بتنا في حالة سباق حتميٍّ بين عمل القاضي طارق البيطار وإنضاج صفقة بين الرئيسين برّي وعون للإلتفاف على عمل القاضي. فهل سيفاجئ القاضي بيطار هذه الطغمة الحاكمة بإصداره القرار الظنّيّ قبل أن تنضج صفقة سياسيّة ما تقيله من مهامه ولو بطريقة غير مباشرة؟ وهل ستشمل هذه الصفقة العجلة الحكوميّة لتسهيل مهام الرئيس ميقاتي الذي إن تجاوب مع ركنيها كان له ما أراد؟
لقد ربط المعرقلون القضيّة الماليّة بالقضيّة السياسيّة. ويبدو أنّ سعي حزب الله صار باتّجاه إقالة حاكم مصرف لبنان ليحكم سيطرته على النّظام المالي بالكامل. وهو يدرك أي الحزب، أنّه لن يستطيع السيطرة على هذا المركز إلا بالتحايل. لذلك، قد يستخدم وسيلته الفضلى أي التعطيل، تماشيًا مع الديمقراطيّة التعطيليّة التي انتهجها مع حليفه البرتقالي، فيصبح عندها النائب الأوّل للحاكم مكانه. وبذلك يكون قد قوّض هذا المركز وسيطر على السياسة الماليّة بالكامل. ولكن كيف سيفلت من القبضة الدّوليّة في حال أقدم على هذه الخطوة؟
وهذه المسألة مرتبطة بالشلل الحكومي الذي لن يصل إلى خواتيمه إلا بإنضاج صفقة كاملة متكاملة بين أركتن الحكم. ويبدو أنّ الرئيسين برّي وعون يدأبان على إتمام هذه الصفقة التي ستكون نتائجها مزدوجة إن تمّت. فهي ستقوّض نتائج التحقيق في قضيّة انفجار الرابع من آب، وستطلق العجلة الحكوميّة من جديد التي ستكون أولى ثمارها بدء التفاوض الجدّي مع صندوق النقد الدّولي.
مقابل ذلك كلّه، يجهد الرئيس ميقاتي على إظهار الوجه الحسن لحكومته في الساحة الدوليّة إن من حيث التزامها بمقتضيات القرار 1701 ، وإن من حيث سعيها إلى التواصل مع صندوق النقد الدّولي؛ وذلك لأنّه يستثمر صحّ في الدّعم الدّولي لحكومته التي تحافظ على الحدّ الأدنى من وجود الدّولة وتمنع الانهيار المطلق. لكنّ ذلك كلّه مرتبط بما يفرضه الحاكم الأوّل أي سلطة الاحتلال الإيراني المتمثّلة بحزب الله وبحليفه الذي يدير هذا الاحتلال مؤسساتيًّا. لذلك، يتمسّك الرئيس عون بتوقيعه ويربطه مباشرة بإرادة الحزب في قبع القاضي بيطار ومعه رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبّود الذي خرج بمناقبيّته وحرصه على تطبيق العدالة من تحت الكنف السياسي الذي أوصله، أي فريق العهد. "لكأنّ الهدف ضرب عمل القضاء ككلّ وتحويل المجتمع إلى غابة إجرام متنقل دونما حسيب أو رقيب" كما قال المطران الياس عوده في عظته أمس الأحد.
لا يكفي أنّ لبنان تحت سلطة احتلال واقعي ومباشر، بسبب اعتراف حزب الله وأمينه العام بهويّتيهما الإيرانيّة وتفضيلهما على الهويّة اللبنانيّة، بل تحوّل إلى حكم ديكتاتوريّ تمارسه الأقليّة تحت مسمّى الميثاقيّة فتفرض إرادتها بالانقلاب على القانون والدستور والأعراف. لكن الإشكاليّة الأكبر تكمن في عدم مواجهتها إلا من قبل فريق واحد، أي الفريق السيادي الذي يعوّل اليوم على إصدار القاضي بيطار قراره الظنّي. وهذا ما قد يقلب المقاييس كلّها، ويضرب الصفقة التي يعدّها الثنائي الشيعي مع فريق التيّار بوصفه الطرف المسيحي في الدّولة. ويتطلّع هذا الفريق بحذر إلى الانتخابات المرتقبة التي يعوّل عليها لقلب الأكثريّة النيابيّة بهدف تغيير السلطة.
ولا يبدو حتّى هذه اللحظة أنّ القاعدة الشعبيّة للرئيسين، برّي وعون، باتت ناضجة للتسوية بينهما. وهذا ما يفسّر الخطابات المتشنّجة بخلفيّاتها الطائفيّة التي يعرف التيّار كيفيّة استغلالها لإنهاض عصبيّة شارعه المتهاوي. إلا أنّ هذه المسألة لم تعد تنطلي إلا على السُّذَّجِ الذين لا يملكون بعد النّظر السياسي. وما هذه الإيحاءات بعدم اللقاء بين بعبدا وعين التينة إلا استمهالا لإعداد الشارع. ما يعني ذلك أنّنا قد نشهد توتيرًا لطرفي الشارع، شارعي بري وعون، لتبرير أيّ صفقة قد تحصل.
وهنا نطرح مع غبطة أبينا البطريرك الكاردينال التساؤل الذي طرحه في عظة الأحد: " أليس من المعيب أن يصبح انعقاد مجلس الوزراء مطلبًا عربيًّا ودوليًّا بينما هو واجبٌ لبنانيٌّ دستوريٌّ يلزم الحكومة؟" لذلك ستبقى ساعة الحكومة معلّقة على جدار الصفقات المرتقبة، ولن تسير إلا بعدما تستوي الطبخة؛ وحده القاضي طارق البيطار قادر على قلب الموازيين ونسف طبخة البحص هذه برمّتها.
وعلى الرئيس ميقاتي القيام بواجبه لأنّ من ارتضى المسؤولية عليه القيام بهذا الواجب، وإلا فليترك مكانه لمن يريد العمل والإنقاذ. وعلى ما يبدو أنّ الميقاتي لن يقدم على أيّ خطوة من دون استرضاء حزب الله؛ ويبدو أنّ الرئيس برّي يسير قُدُمًا في إتمام الإخراج القانوني للصفقة. وبما أنّ العدل هو الرجاء الوحيد للانعتاق من تخدير المصالح التي تجعل الشعوب مفككين إلى أفراد لا تواصل بينهم، عوض أن يكونوا مجتمعين حول دستور بلادهم ووحدة أرضهم واستقلال وطنهم، وهذا هو الواقع الذي لا نعيشه اليوم، فهل من الممكن أن يكسر الرئيس برّي مثلا أو الرئيس عون كلّ القيود بالسير في توأمة جديدة بين الحياد والاتّحاد المرتقب في الشكل الجديد للدّولة بتقادم وتضحيات على المذبح الدّولي، ولو على حساب تاريخ وجوديّة هذا الوطن فيتحوّل أحدهما إلى يدٍ للخلاص، بعد احتمال كسر العدل أيّ انقلاب يعدّانه من بوّابة المجلس الدستوري مثلا؟ أم أنّ القديم لن ينتج أيّ جديد؟
يُرجى الحفاظ على حقوق الملكية الفكرية عند نسخ أي شيء من مضمون الخبر وضرورة ذكر اسم موقع «الثائر» الالكتروني وإرفاقه برابط الخبر تحت طائلة الملاحقة القانونية.