#الثائر
- " اكرم كمال سريوي "
ركب بشار الاسد الطائرة، وهرب من دمشق، مع كل ما استطاع اصطحابه من أموال وكنوز، تاركاً حاشيته وجيشه ومن وثق به إلى مصير مجهول.
وقيل أن طائرته اختفت عن الرادار قرب حمص، وزُعم أنها سقطت دون أن يعلم أحد أين، ودون أثر حتى الآن، فيما قيل في مكان آخر، أنه تم اغتياله، لكن ايضاً دون أن تظهر جثته، ومن الواضح أن الغموض ما زال يكتنف مصير الاسد، وربما كان هذا الغموض مقصوداً، لتجنب مسألة عبء استضافته، على الدولة التي قصدها، أكانت روسيا أم الامارات العربية أو غيرها، وتجنّب مسألة المطالبة باستعادته ومحاكمته، على ما ارتكب من جرائم في سوريا.
تفاجأ الكثيرون بسرعة سقوط النظام في سوريا، بعد أن كان قد أحكم قبضته الحديدية على الحكم، لمدة حوالي 53 عاماً، وبنى نظاماً استخباراتياً، نكّل بآلاف السوريين واللبنانيين وقضى عدد كبير منهم في غياهب السجون والمقابر الجماعية،. لكن هذا السقوط كان متوقعاً لدى من تابع التغييرات السياسية الأخيرة، خاصة على مستوى ما تم رسمه للشرق الأوسط، وعندما كتبت عن ذلك منذ اسبوعين وقبل انطلاق الهجوم من حلب بعدة ايام، اعتبر البعض أن في مقالي كثير من التشاؤم او المغالاة، معتبرين أن النظام السوري لن يسقط.
بغض النظر عن العوامل الخارجية، فلا شك أن غالبية الشعب السوري فرحت بهذا السقوط المدوي لنظام بشار الأسد، وتجلت هذه الفرحة في معظم المدن السورية، عندما خرج السوريون للاحتفال، واستقبلوا قوات المعارضة بالزغاريد، ورفعوا علم استقلال سوريا، الذي كان معتمداً بين عامي 1932 و 1958، ومن ثم اصبح علم الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية منذ عام 2012 .
لقد كان واضحاً أن النظام السوري في الفترة الأخيرة كان كالرجل المريض، وعانى من حالة شلل شبه تام على كافة المستويات، فالعقوبات الخارجية شلّت الاقتصاد السوري، ونخر الفساد كل مؤسسات الدولة، وبات راتب الموظف في الدولة أو الضابط في الجيش السوري لا يتجاوز 50 دولاراً ولا يكفي لشيء، أما الجنود فكانوا أشبه بنظام "السخرة" الذي كان معتمداً في جيوش الامبراطوريات القديمة.
هذا بالإضافة إلى الشكوى الدائمة، التي كانت سائدة في صفوف الجيش السوري، من جراء الوضع المميز الذي أعطي للضباط العلويين، على حساب باقي الضباط من الطوائف الاخرى، وذلك منذ بداية عهد حافظ الأسد.
"البطون الخاوية لا تقاتل" و "الدولة التي لا تُطعم جيشها عليها إطعام جيش دولة أخرى" هذه القواعد ثابتة في كل مكان وزمان، لكن ليس هذا هو السبب الوحيد لسقوط نظام الاسد.
صمد نظام الاسد منذ عام 2015 بسبب الدعم الذي تلقاه من حلفائه، وسقط عندما تخلوا عنه، وكان واضحاً من الاجتماع؛ الروسي، التركي، الايراني، الأخير أن القرار اتُخذ باسقاط نظام بشار، وبدء مرحلة جديدة في سوريا.
ما حصل في سوريا هو جزء من خارطة الشرق الاوسط الجديد، الذي تحدث عنه رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتانياهو، والذي هو في الأصل جزء من خطة الدولة العميقة في الولايات المتحدة الامريكية، التي جاءت بالرئيس دونالد ترامب لتنفيذها.
مرحلة جديدة بدأت لم تتبين معالمها بعد، ونأمل أن تكون خيراً لسوريا وشعبها، فاستقرار سوريا وازدهارها مهم جداً لمستقبل لبنان وانتعاشه، فسوريا هي المنفذ الوحيد للبنان نحو دول الخليج العربي، وهناك العديد من المصالح المشتركة بين البلدين.
يبقى أن التجارب العربية مع التدخلات الخارجية، لا تبعث على الاطمئنان. فلا نموذج العراق، ولا السودان، ولا ليبيا، ولا غيرها من الدول نجحت في تخطي الأزمات والانقسامات، وبعد سقوط الدكتاتوريات عمّت الفوضى والفساد وعدم الاستقرار.
فرحة الشعب السوري بسقوط الدكتاتورية أمر طبيعي وحق لهم، ويشعر الشعب بأنه استفاق اليوم من كابوس نظام الاستبداد والحرب والقتل والظلم، وفتح باباً للحرية، ولوّح بعلم الاستقلال والانتصار، لكن وعلى المقلب الآخر ها هي إسرائيل تحتل جبل الشيخ وتدخل الأراضي السورية دون أن يردعها أحد، وتقصف وتدمر مخازن أسلحة الجيش السوري، كي لا تحصل عليها قوات سوريا "الجديدة".
من المبكر الحكم ومعرفة ما سيحدث في سوريا بعد بشار الاسد،
لكن ما نتمناه كلبنانيين، أن تبقى سوريا موحّدة، وأن لا تدخل إليها أيادي الغدر والعابثين، وأن ينجح الشعب السوري الشقيق، في بناء دولة حرة ديمقراطية، تتمتع بأفضل العلاقات مع جيرانها، على أساس الاحترام المتبادل وحسن الجوار.