#الثائر
كتب د. ناصر زيدان في الانباء -
غم المآسي المُتأتية عن العدوان الإسرائيلي، وفوق كل الجراح التي سببتها الحرب من خرابٍ ودمارٍ ودماء؛ تبدو المنطقة أمام أفقٍ جديد يحمل معه ألواناً وردية، قد تحولها حكمةُ القيّمين على إدارة التغيير في سوريا الى فرصة لضبضبة التشوهات التي أحدثها الرعونة السياسية والأمنية في الجسمين اللبناني والسوري، وربما لدى الفلسطينيين المنكوبين ايضاً وايضاً.
كان الرئيس الأسبق للجمهورية كميل شمعون يقول في أواسط خمسينات القرن الماضي: "كل شي متوقف على الخشبي" ويقصد الحاجز الذي كان يفصل بين لبنان وسوريا على الحدود، وعلى شاكلة أوسع ما تعنيه هذه الحدود للبنان، فهي خيرٌ إن أٌحسنت إدارتها وضبطها، ووبالاً على لبنان، وربما على سوريا ايضاً إذا ما تمَّ استغلالها وتوظيفها لمآرب فئوية او شخصانية او تخريبية. وما حصل في السنوات القريبة الماضية؛ كان أقرب الى التوصيف الثاني، بحيث كانت الحدود مُشرَّعة أمام المُهربين وتجار المخدرات والسلاح والفارين من وجه العدالة والنازحين من غير مبررات، كما أمام أصحاب المشاريع السياسية والأمنية المتهورة.
وقد بالغ نظام الأسد في استثمار التجاور مع لبنان لتوفير فرصة توسيع لنفوذه من جهة، ولتأمين مقومات الاستمرار في حكم سوريا لمدة أطول، من خلال تأجير الجغرافيا السياسية السورية الهامة لمصلحة نفوذ أطراف داخلية وخارجية، ولتسهيل مهمة دول مجاورة من الشرق وربما من الجنوب لها أطماعها التوسعية في المنطقة، وترغب باستثمار القضية الفلسطينية على وجه التحديد، لخدمة مصالحها الإثنية والاقتصادية العليا.
يشكل الحدث التغييري السوري شتاءً دافئاً للمساحة اللبنانية المُنهكة، وفرصة لإعادة لبنان الى كونه دولة كاملة الأوصاف، بعد أن كان ساحة مستباحة لسنوات. والربيع القادم يبشِّر بغلالٍ وفقيرة إذا ما أحسنت القيادة السورية الجديدة إدارة عملية التغيير الهائلة التي تنتظرها، لا سيما لناحية التأكيد على التعامل مع لبنان كدولة مستقلة من دون أي تدخُّل في شؤونه الداخلية، ومن دون أي انتهاك لسيادته عبر تشجيع المخالفين للقوانيين واحتضانهم، وهذه التوجهات الايجابية جاءت بالفعل على لسان بعض النافذين من قوى المعارضة، كما تحدث عنها بعض وزراء الحكومة الانتقالية المؤقتة في دمشق.
لم يكُن حكم بشار الأسد وبالاً على سوريا فقط، بل كان سبباً رئيساً لمشكلات لبنان بمعظمها، ونظامه مسؤول عن تعميم ثقافة القتل والتشبيح والاستقواء على القانون، وهو حرم لبنان في مطلع القرن من فرصٍ كانت واعدة لإخراجه من مستنقع الصراعات المقيتة، الى واحة الاستقرار والازدهار، وفي هذه الواحة يمكن توفير عناصر دعم أفعل وأقوى للقضايا العربية المشتركة، لاسيما للقضية الفلسطيني العادلة، حيث إسرائيل تخاف من الحريات ومن التنمية في المجتمعات العربية، أكثر من خوفها من بعض التوليفات العسكرية الضعيفة، وغير القادرة على توفير توازن مُشابه مع آلتها الحربية التي تتغذَّى من أحدث مصانع الموت والهلاك الغربية. وبالفعل فقد تبين بعد سقوط النظام في سوريا؛ أن التجهيزات العسكرية مع النظام السوري وحلفائه لم تكُن لتُخيف العدو الإسرائيلي الذي أقدم على تدميرها بعد غياب " العقيدة الأسدية" على حد تعبير وزير الدفاع الإسرائيلي كاتس، وغالبية هذه التجهيزات كانت مُخصصة للقمع الداخلي، ولقهر إرادة الشعب السوري.
تضجُّ الأوساط الاعلامية، كما مواقع التواصل الاجتماعي بكم هائل من المعلومات التي يغلُب عليها التضليل، وبعضها يحمل تشويش واضح على حراك القيادات السورية الجديدة، بهدف عرقلة مهامها الإنقاذية للبلاد المنكوبة، لكن الوقائع تؤكد وجود نوايا إيجابية لدى هذه القيادات، خصوصاً لناحية الاتجاه نحوى بناء دولة مدنية ديمقراطية تحترم حقوق جميع السوريين بالمشاركة، وتؤمن لهم حياة كريمة، وبأن سوريا الجديدة لن تكون أداة بأيدي أي قوى خارجية تستخدمها لتحقيق مشاريع غريبة، ولن تكون دمشق مقراً للتآمر على الدول المجاورة لسوريا، خصوصاً على لبنان.
اللبنانيون مطالبون بإعطاء فرصة للقيادات السورية الجديدة، وعدم الانخراط في ماكينة التشويش عليهم، ولا يوجد في المعطيات المتوافرة ما يدعو للخوف من توجهات هذه القيادات، حتى ولو كان هناك اختلاف عقائدي او سياسي مع بعضهم. وهناك أجواء إيجابية جديدة، فتحت الباب أمام فرصة انتخاب رئيس جديد للجمهورية اللبنانية، وتشكيل حكومة بعيداً عن مقاربات التعطيل القاتلة، ولا نرى إمكانية لإجهاض هذه الفرصة، مهما تمادى العدوان الاسرائيلي وغيره من الذين لا يريدون الخير للبنان، خصوصاً مع توافر إرادة عند الجميع للخروج من النفق المُظلم، على ما تظهره المواقف والتطورات.