#الثائر
رئيس تحرير الثائر اكرم كمال سريوي: -
واضح أن إسرائيل حصلت على ضوء أخضر اميركي لخطتها بتغيير الوضع العسكري على جبهة لبنان، وبعد أن فشلت في تحقيق أي إنجاز عسكري في غزة سوى قتل المدنيين وتهديم غزة، وأخفقت في تحقيق الأهداف المعلنة للحرب، حاولت الهروب إلى الأمام بلفت الأنظار إلى جبهة الشمال.
تعلم إسرائيل أن كل عملياتها الجوية منذ بداية الحرب حتى الآن لم تُلحق ضرراً كبيراً بالقوة العسكرية لحزب الله، لأنه أقام بنيته العسكرية في منشآت وأنفاق تحت الأرض، ومن الصعب أن تكتشفها إسرائيل أو أن تصل إليها حتى القنابل بالخارقة للحصون.
لقد أعلن غالنت أنه قضى على نصف قوة حزب الله العسكرية، لكن سارع الجيش الإسرائيلي إلى التنصّل من هذه التصريحات، لأنه يُدرك أنها غير صحيحة، وكي لا يقع الجيش في الخطأ الذي وقع به رئيس الاركان السابق دان حالوتس، عندما أعلن عام 2006 انتصار إسرائيل، في اليوم الأول لتلك الحرب، التي انتهت بلجنة تحقيق حول إخفاق إسرائيل فيها .
لقد استنفذت إسرائيل بنك الأهداف العسكرية لمراكز حزب الله التي تحاول منذ قرابة عام ضربها وشنت عليها مئات الغارات، فحوّلت وجهتها اليوم إلى استهداف متعمّد للمدنيين، خاصة في المنطقة الحدودية لخلق منطقة عازلة خالية من السكان، وتأمل أن تؤدي الخسائر الكبيرة بالمدنيين إلى الضغط على حزب الله، للذهاب إلى القبول بوقف القتال وفك الارتباط مع جبهة غزة،
وهي اتفقت مع أمريكا وفرنسا، على أن تقوم فرنسا بتقديم مشروع قانون إلى مجلس الأمن، لإصدار قرار بوقف اطلاق النار، وانسحاب حزب الله إلى شمال الليطاني
التسوية المطروحة والقرار المرتقب يمثّلان انقلاباً على القرار 1701، لأنه قد لا ينص على انسحاب إسرائيل من الأراضي اللبنانية، التي ما زالت تحتلها، وما زالت إسرائيل مصرّة على تطبيق القرار 1701 من جانب لبنان فقط،وانسحاب حزب الله إلى شمال الليطاني، دون أن تلزم هي بالانسحاب من النقاط التي ما زالت تحتلها، أو التوقف عن انتهاك سيادة لبنان خاصة في الجو.
لن يوافق حزب الله على أي قرار بفك الارتباط مع جبهة غزة مهما كان الثمن، حتى لو أدى ذلك إلى الحرب الشاملة المفتوحة. فقبول الحزب بوقف الحرب دون تحقيق أهداف محددة، سيُعتبر هزيمة له، وضياعاً لكل التضحيات التي قدّمها منذ بداية الحرب.
قد تعمد إسرائيل في الأيام القادمة إلى زيادة الضغط، وارتكاب المزيد من المجازر بحق المدنيين، وهي تتصرف بوحشية مطلقة لم يسبق لها نظير، وتهدد الآن بتنفيذ اجتياح بري للأراضي اللبنانية.
في المقابل تعمل المقاومة على التصعيد التدريجي في ردها على الاعتداءات الاسرائيلية، أكان من ناحية استخدام صواريخ جديدة أكثر فعالية، أو توسيع منطقة الاستهداف، التي وصلت إلى مقر الموساد في تل أبيب.
تُركّز المقاومة على ضرب القواعد العسكرية الإسرائيلية، ولم تستهدف المستوطنين بشكل مباشر، لأنها لا ترغب بالحرب الشاملة، وفي المقابل إسرائيل تتجنب حتى الآن استهداف بيروت والبنى التحتية، ما خلا تنفيذ بعض عمليات الاغتيال.
أعلنت المقاومة أن الحرب الآن لم تعد مجرد جبهة إسناد لغزة، وباتت معركة دفاع عن لبنان، وهي أصبحت كذلك فعلاً لأن هدف إسرائيل الحقيقي أصبح فرض تسوية وفق شروط نتنياهو، وإذا نجح في ذلك سيدفع لبنان ثمناً باهضاً جداً، بدءاً من مشاريع التوطين، وصولاً إلى التقسيم وخلق دويلات طائفية.
لذلك أصبحت هذه المعركة مصيرية بالنسبة للبنان، فبعض المسؤولين الإسرائيليين تحدث في العلن أن حدود إسرائيل هي مجرى نهر الليطاني، ودعت بعض المنظمات الصهيونية وأعضاء من الكنيست ووزراء إلى اقامة مستوطنات في جنوب لبنان، معتبرين أن ما فعلوه في الجولان السوري المحتل هو القاعدة الذهبية.
لقد قررت المقاومة المواجهة مهما كانت التضحيات، ولن تسمح لنتنياهو بتحقيق أهدافه، وهي حوّلت كل شمال فلسطين إلى منطقة استهداف، وأدخلت أكثر من مليون ونصف مستوطن إلى الملاجئ، ورغم كل الغارات الجوية التي يُنفذها الطيران الإسرائيلي، فشل في منع إطلاق الصواريخ والمسيرات من لبنان، بل على العكس رفعت المقاومة من وتيرة اطلاق الصواريخ، وزادت من عمق مناطق الاستهداف حتى تل ابيب.
إن أي تسوية سياسية ستتم استناداً إلى نتائج الميدان، ولذلك يحاول الإسرائيلي أن يحقق مكاسب تكتية، لكن المقاومة نجحت في استيعاب الضربات، وأثبتت تماسكها وقدرتها على الصمود وإيلام العدو، والتهديد بتدمير بنيته التحتية، من منصات للغاز، ومصانع، وزيادة عدد المهجرين من مستوطنات الشمال إلى أكثر من مليون شخص.
بالرغم من عدم وجود مؤشرات على حرب كبرى، وإعلان إسرائيل أنها تريد الوصول إلى حل دبلوماسي، لكن الأمور تبقى مفتوحة على كل الاحتمالات، لأن المقاومة لن تبقى ساكتة على جرائم إسرائيل وهذا الاستهداف الوحشي للمدنيين، وقد تبدأ بالرد على المستوطنات، بدءاً من المناطق الحدودية وإلى نهاريا وحيفا وتل ابيب.
رغم اعتراف امريكا بأن اقتراح هدنة مؤقتة ووقف اطلاق النار مع لبنان تم بالتفاهم مع إسرائيل، ورغم أن نتنياهو ابلغ أعضاء حكومته بالمقترح قبل سفره إلى واشنطن، لكنه يحاول الآن أن يرفع سقف شروطه، ويرفض المقترح الدولي بصيغته الحالية، التي تُلزم إسرائيل بتطبيق القرارات الدولية السابقة؛ 1701 (بشأن لبنان)، و 2735 (وقف اطلاق النار في غزة).
لذلك بات واضحاً أن الحل الوحيد المتاح، هو أن يضغط الأمريكي على نتنياهو لوقف عدوانه على غزة، والتوقف عن قتل المدنيين في فلسطين ولبنان، وعندها فقط قد تتوقف جبهة لبنان، ويستطيع المستوطنون العودة إلى بيوتهم في شمال فلسطين المحتلة.
وإذا لم يتوصّل الأطراف الدوليين إلى فرص القبول بتسوية مرضية في غزة على نتنياهو، فهذا يعني أن لا قيمة لأي هدنة مؤقتة، وستسقط سريعاً وتعود الحرب بشكل أعنف وأشد خطورة، وقد تتوسع لتشمل عدة أطراف آخرين في المنطقة.