#الثائر
الخبير في أسلحة الدمار الشامل والقانون الدولي اكرم كمال سريوي -
أقامت فرنسا برعاية أمريكية، احتفالاً بالذكرى الثمانين لإنزال النورمندي.
كان هذا الحدث ليكون عادياً لولا أنه يأتي في سياق آخر، يهدف بجزئه الأول إلى كتابة جديدة للتاريخ، وفي جزئه الثاني استكمالًا لتنسيق جهود الحرب ضد روسيا، واستنهاض حالة الروسافوبيا والعداء مع وريثة الاتحاد السوفياتي، التي عادت لتفرض نفسها قوة عظمى في العالم.
قال ماكرون والفرنسيون في احتفال النورمندي: "شكراً للأمريكيين الذين لولا تضحياتهم لما تحررت فرنسا"
أثار كلام ماكرون فضول الكثيرين، لمعرفة حقيقة ما جرى في الحرب العالمية الثانية، ولذلك عدت إلى مراجع تاريخية عديدة كُتبت بأقلام مؤرخين عسكريين غربيي.
لقد درست سابقاً تاريخ المعارك والحروب، وتفاصيل الخطط العسكرية ومبادئ الحرب، لأكثر من ست سنوات في كليات وأكاديميات الاتحاد السوفياتي وروسيا، وكذلك في أكاديميات الجيش الفرنسي، إضافةً إلى ما تعلمناه في مدارس وجامعات لبنان، وإليكم بعض الوقائع والحقائق التي لا ينفيها أي مصدر تاريخي.
نسمع كثيراً في أدبيات الغرب، أن نصر الاتحاد السوفياتي كان بسبب "الجنرال ثلج" (وكأنّ الألمان من شعوب أفريقية الوسطى، التي لا تحتمل البرد، وليسوا من بلد جار لموسكو، وطقس يكاد يكون مماثلاً إلى ابعد الحدود أو كأنّ السوفيات كل السوفيات كانوا من سكان القطب الشمالي) .
ويحاول البعض اختصار الحرب العالمية الثانية بمعركة العلمين، التي جرت في مصر في اكتوبر 1942 بين رومل ومونتغمري، مع العلم أن قوات الطرفين لم تزد عن مئتي الف جندي في تلك المعركة، متناسياً أن المسرح الافريقي كان ثانوياً بالنسبة لهتلر، الذي كان يعتقد أنه عندما يسيطر على موسكو، التي أرسل نحوها حوالي ثلاثة ملايين جندي، لن يحتاج بعدها إلى محاربة بريطانيا، لانها ستُعلن استسلامها له، دون أي معركة دفاع ولو صغيرة عن لندن.
منذ بدء الهجوم الالماني على الاتحاد السوفياتي، عملية "بارباروسا" في 22 حزيران 1941، حقق الالمان تفوقاً كاسحاً حتى وصلوا إلى مسافة قريبة من موسكو.
لكن السوفيات نجحوا في وقف الزحف الهتلري، وحققوا أول نصر لهم على الجيش النازي في "موقعة موسكو" التي بدأت في اكتوبر 1941 وانتهت في يناير بداية عام 1942.
زج الالمان بأربعة جيوش في الهجوم على موسكو، بقوام ما يقارب مليوني ونصف جندي، وبعد أربعة أشهر من القتال العنيف، نجح السوفيات بالقيام بهجوم مضاد، خسر فيه الالمان أكثر من 174 الف جندي، وحاصر السوفيات ثلاثة جيوش المانية، ليسجل النازيون أول هزيمة في تاريخهم، وتشكّل موقعة موسكو بداية التحول في تلك الحرب.
كل هذا حدث قبل أن يبدأ ثلج موسكو، لكن يحلوا لبعض المؤرخين أن يقلل من أهمية التضحيات السوفياتية، وصلابة هذا الشعب وإرادة القتال والدفاع عن الوطن، التي لا تنكسر لديه.
استمر الغرب يراقب ما يحدث على الجبهة الشرقية لمدة سنتين، وربما كانوا يأملون أن يقضي هتلر على الدولة الشيوعية.
بعد معركة موسكو تمكّن السوفيات من التقاط انفاسهم، ثم جاء النصر في معركة ستالينغراد، التي بدأت في 21 آب 1942، وانتهت بعد أقل من ستة أشهر باستسلام مُذلّ لقوات باولوس ويخسر الالمان فيها أكثر من 300 الف جندي.
وبعدها وقعت أكبر معارك الدبابات في كورسك، في صيف 1943، لتفتح الطريق واسعاً أمام قوات السوفيات نحو برلين.
في ربيع 1944 حشد السوفيات أكثر من 2,4 مليون جندي على الجبهة الوسطى، وبهجوم كاسح في ذاك الصيف، وصلوا الى حدود بولندا.
أما على جبهة الجنوب، فكانت القوات السوفياتية قد حررت بوخارست، عاصمة رومانية في 31 آب 1944.
حصل إنزال النورمندي على شواطئ فرنسا في 6 يونيو (حزيران) 1944.
ولا اعتقد أن المرء يحتاج إلى كثير من الذكاء، لمعرفة أن هذا الانزال الغربي، الذي كان يُلحُّ عليه ستالين، وتأخر أكثر من سنتين، كان بعد أن أيقن الغرب بقرب هزيمة المانيا.
وجاء الإنزال لوقف زحف الجيش السوفياتي في أوروبا، الذي كان من الممكن أن يصل في نهاية صيف 1945 إلى شواطئ الأطلسي.
ربما يجدر أيضاً، تذكير الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، أن هناك قوات فرنسية كانت تقاتل مع الالمان ضد السوفيات، إلى جانب قوات من دول اوروبية عديدة، مثل ايطاليا ورومانيا وهنغاريا واسبانيا وغيرها.
ماذا لو خسر السوفيات تلك الحرب؟؟؟!!!
هل كانت لتحلم أوروبا في أن تتحرر من قبضة النازية؟
يحاول بعض قادة أوروبا اليوم تزوير التاريخ، لكن الأخطر من ذلك إذا كانوا سيصدقون حقاً، أن بإمكانهم هزيمة روسيا اليوم.
لقد أرسلوا أحدث دبابتهم وصواريخهم إلى أوكرانيا، وأقاموا حفلاً في سويسرا تحت عنوان السلام، بل ربما أرادوه "استسلام روسيا"، فقرروا حشد الدعم لأوكرانيا، كي تستمر في محاربة روسيا، حتى لو أدى ذلك إلى مقتل آخر جندي أوكراني.
مَن سيصدّق أن هذا مؤتمر للسلام، إذا كان المعني الأول بهذا السلام ، لم تتم دعوته إلى المؤتمر؟؟؟ عن أي سلام في أوكرانيا، يمكن الحديث بغياب روسيا!!!!!
والآن يهدد ماكرون بارسال طائراته وبعض قواته لمحاربة روسيا، آملاً مع بايدن، أن يُضعف ذلك من عزيمة الروس على القتال والدفاع عن وطنهم.
فهل يمكن ان يحدث ذلك؟
روسيا التي انتصرت مرات ومرات قبل أن تصبح دولة نووية، هل يُمكن أن تُهزم بعد أن أصبحت القوة النووية الأولى في العالم؟؟؟!!!
التاريخ ليس مرآة الشعوب فقط، بل هو دروساً ليتعلم منها الاذكياء.
لكن أوروبا من الواضح اليوم، أنها تعاني وتنجرف خلف الأوهام من جديد، ويسيطر عليها بعض من النازيين الجدد، الذين وإن ارتدوا أقنعة الديمقراطية والحرية، فالقناع لن يغير في حقيقة الشخص شيئاً، وإن أخفى لفترة مؤقتة قُبح وجهه.