#الثائر
كتب الخوري كامل يوسف كامل:
ليس دفاعاّ عن الكاهن الذي دخل إلى الكنيسة بالثوب الكهنوتي المقدس في قداس الميلاد حاملاً كلاشنكوف في مشهدية مسرحية مستغربة وغير مألوفة ولا تهجماً عليه، علما أن مطرانية إنطلياس الذي ينتمي إليها الكاهن المذكور أصدرت بياناً إستنكرت فيه المشهد ووافقت على مضمون العظة.
ما أراد الكاهن إيصاله هو رسالة سلام لأبناء الوطن الواحد والعالم أجمع وهي رسالة المسيح: رفض السيف وقبول الصليب.
في العظة رمى السلاح أرضاً وحمل الصليب وهذا هو جوهر الميلاد وجوهر المسيحية.
على مر التاريخ، شكل السيف والصليب رمزين بارزين لكنهما متناقضان في المعنى والقيمة. السيف يمثل القوة المادية والقتل والقهر والعنف والصراع، بينما يجسد الصليب قوة الفداء، وشهادة المحبة، وصناعة السلام. إنطلقت المسيحية بالصليب وليس بالسيف، لا بل وقفت في وجه رمزية السيف كأداة للعنف والدمار، وسعت لتحويله إلى منجل لحصاد السلام والعدل.
على مدى العصور، إرتبط السيف بالعنف وارتبط الصليب بالسلام، السيف وجه الموت البغيض والصليب وجه الحياة، يفتح السيف القبور ويقيم الصليب الاموات من القبور، باختصار كلي: السيف موت والصليب قيامة.
في بعض الثقافات والديانات، يُعتبر السيف رمزًا مقدسًا يعكس السلطة الإلهية، لكنه في المسيحية لم يكتسب هذا الطابع، إذ ارتبطت رسالة المسيح بنبذ العنف.
الصليب في المسيحية ليس رمزًا للقوة البشرية، بل هو أداة الفداء التي استخدمها المسيح ليُظهر أعظم تعبير عن المحبة والتضحية. كما جاء في رسالة بولس الرسول: "وأما من جهتنا نحن المخلَّصين، فإن كلمة الصليب هي قوة الله" (1 كورنثوس 1:18).
يدعو الصليب إلى المصالحة مع الله ومع الآخرين، إذ أصبح رمزًا للوحدة بين البشر، بغض النظر عن خلفياتهم.
رفض يسوع، استخدام السيف، حتى في الدفاع عنه. قال لبطرس عندما استخدم السيف: "رُدَّ سيفك إلى مكانه، لأن كل الذين يأخذون السيف بالسيف يهلكون" (متى ٢٦/ ٥٢).
يعتمد السيف على القوة البشرية، القهر، والقدرة على الإيذاء.
لكن الصليب يعكس القوة الإلهية التي تُظهرها المحبة والتضحية.
يُستخدم السيف لتحقيق النصر من خلال سحق العدو بالعنف أو التهديد.
أما الصليب فيدعو إلى محبة الاعداء، إلى الفداء إلى السلام الداخلي، إلى الانتصار على الذات والانانية والخطيئة والموت عن الاخر من خلال المحبة.
رفض المسيح استخدام القوة المادية لنشر تعاليمه. كانت رسالته سلمية تهدف إلى تغيير قلوب الناس وليس فرض العقائد بالقوة.
كما يقول الكتاب المقدس: "ليس بالقوة ولا بالقدرة، بل بروحي قال رب الجنود" (زكريا 4:6).
الصليب بديل السيف:
الصليب، بدلًا من كونه أداة للقهر، أصبح رمزًا للرجاء.
الكنيسة الأولى فضلت الاضطهاد والاستشهاد على حمل السيف للدفاع عن النفس أو لنشر الإيمان.
يرى القديس أوغسطينوس أن السيف يمثل أبشع ما في الانسان، بينما الصليب يمثل عدالة الله المطلقة التي تقوم على الرحمة.
يقول القديس يوحنا الذهبي الفم : "الصليب ليس علامة ضعف، بل دليل على محبة أقوى من الموت، حيث يملك المسيح من خلال محبته وليس من خلال القوة المادية".
رغم أن المسيحية انطلقت برسالة الصليب، شهدت بعض الفترات التاريخية توظيفًا خاطئًا للسيف في سياق الدفاع عن الإيمان (الحروب الصليبية .. محاكم التفتيش).
ومع ذلك، كانت هذه الفترات استثناءً وليست القاعدة، إذ أن تعاليم المسيح تدعو دائمًا إلى السلام والمحبة.
السيف والصليب لا يتآلفان، هما رمزان متناقضان في المعنى والقيمة. السيف يُجسد العنف وبشاعة الموت، بينما يُجسد الصليب المحبة والتضحية والسلام.
في المسيحية، الصليب هو الطريق الذي يدعو الإنسان للتخلي عن العنف والقوة المادية، واللجوء إلى قوة المحبة التي تغيّر القلوب وتبني عالمًا أفضل. كما قال بولس الرسول: "لا يغلبنك الشر، بل اغلب الشر بالخير" (رومية 12:21).
هذا ما أراده الكاهن من مشهدية الكلاشنكوف ومن له أذنان سامعتان فليسمع.
ميلاد مجيد
الخوري كامل كامل