#الثائر
العميد المتقاعد " دانيال الحداد "
إن من أشد سيئات إدارة الأزمة الاقتصادية والمالية والنقدية التي ضربت لبنان في أواخر العام ٣٠١٩ ، هو تعاطي السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية مع مسألة القروض المدولرة، التي منحتها المصارف للقطاع الخاص، بمزيج من الشعبوية والمصالح الخاصة واللامسؤولية، لأنّ هذه القروض هي أصلاً من أموال المودعين، وليست هباتٍ أو مالاً سائباً ليستفيد من معظمه التجار والمقاولون والنافذون، وقسم بسيط من ذوي الدخل المتوسط والمحدود.
فمع بداية الأزمة، كانت قيمة هذه القروض تساوي نحو٥٠ مليار دولار، واليوم تدنت الى نحو ١٠ مليارات دولار، وذلك بفعل تدافع المقترضين إلى تسديد هذه القروض على سعر ١٥٠٠ل للدولار، استناداً إلى تعاميم مصرف لبنان من جهة، وإلى أحكام السلطات القضائية، التي ألزمت المصارف في كثير من الأحيان، قبول تسديد القروض على هذا السعر، ما أدّى خلال ثلاث سنوات ونيف، إلى شطب نحو ٤٠ مليار دولار من القروض، بقيمة لا تتجاوز ملياري دولار حقيقي، أي أن هناك ٣٨ مليار دولار خسرها المودعون من أموالهم بلا أيّ مبرر منطقي.
وعلى الرغم من أن ما تبقى من تلك القروض اليوم، لا يزيد عن ١٠ مليارات دولار، نسمع أصوات الشعبويين ترتفع من جديد، مناديةً على رؤوس الأشهاد بالتملّص من دفع هذه البقية الباقية تحت شعاراتٍ ومزايدات عبثية.
سيقول البعض : في ظلّ الأزمة الاقتصادية الطاحنة، هل كان بإمكان المقترضين تسديد قروضهم بالدولار ؟ الجواب بكل تأكيد نعم، فقد كانت هناك وسيلتان على الأقل من دون تكليف أغلبية المقترضين أعباء غير قادرين على تحمّلها.
الوسيلة الأولى؛ والتي كانت تقتضي سريعاً إصدار قانون برفع السرية المصرفية بالكامل، وهنا يعالج جزء من المشكلة، بمعنى أن المقترضين من مصرف ما ولديهم حساب أو أكثر بالدولار في مصارف أخرى، يسددون قروضهم من هذه الحسابات ولا مشكلة في الموضوع.
الوسيلة الثانية؛ وهي لجوء المقترضين الذين ليست لديهم أي حساب في مصارف أخرى إلى شراء شيكات مصرفية بالدولار من السوق، وهذه الشيكات تيسرت منذ بداية الازمة ولا تزال، بأسعار زهيدة جداً لتبلغ اليوم نحو ١٠٪، وترجمة ذلك على سبيل المثال، إذا كان هناك شخص مدين لمصرف ما ب ١٠ آلاف دولار، بامكانه دفع ألف دولار نقداً وشراء شيك بقيمة المبلغ المذكور، فهل هذا مستحيل؟؟
في رأيي، لو لم ترتكب هذه الخطيئة المميتة، التي كلفت ٣٨ مليار دولار، بالاضافة الى خطيئة الدعم التي كلفت نحو ٢٠ مليار دولار، وكلاهما من أموال المودعين، لكنّا اليوم أمام واقع محتلف تماماً، وهو تراجع كتلة أموال المودعين في المصارف إلى ٣٤ مليار دولار، وبالتالي كان من السهل جداً احتواء الأزمة بأقلّ الخسائر الممكنة.
في الخلاصة، ليس دفاعاً عن المصارف التي ارتكبت الكثير من الخطايا والموبقات، بل دفاعاً عن المودعين الذين خسروا جنى أعمارهم، تارة تحت جنح ليل النهب والسرقة، وتارة في وضح نهار التشبيح والمزايدات الشعبوية الرخيصة.
يُرجى الحفاظ على حقوق الملكية الفكرية عند نسخ أي شيء من مضمون الخبر وضرورة ذكر اسم موقع «الثائر» الالكتروني وإرفاقه برابط الخبر تحت طائلة الملاحقة القانونية.