#الثائر
أشارت "الاخبار" الى ان فرنسا تستخدم سياسة التهويل، باحتراف، للضغط على لبنان من أجل الذهاب إلى الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، وإلا ستكون المجاعة مصيره. لا تجد باريس أفضل من هذا الخيار لإنهاء الأزمة الاقتصادية والاجتماعية وتعتبره «الفرصة الوحيدة والأخيرة».
صحيح أن لبنان يعيش في عين الأزمة، إلا أن فرنسا تبدو «محترقة» أكثر من اللبنانيين أنفسهم للبحث عن حل يُخرج البلد من أزمته. ربّما تريد باريس أن تثبت أن «اليد البيضاء» التي تستخدمها في لبنان أينعت وأن خيار تلزيمها لبنان كان جديراً بالثقة. لذلك، أقفل المسؤولون الفرنسيون الأبواب على أنفسهم، وفكّروا طويلاً ليخرجوا بحلٍ واحد ووحيد: صندوق النقد الدولي. حلٌ أقرب إلى اللاحل هو الذي تتمسّك به باريس غير آبهة بأن الـ3 إلى 3.5 مليار دولار لن تحلّ الأزمة على اعتبار أنّ المبلغ لن يسد أصلاً عجز الحساب الجاري السنوي الذي يبلغ 2.5 مليار دولار، كما لا تُعير أهميّة للبنان الذي سيغرق في مزيد من الديون بالعملة الصعبة التي لا يمتلكها والتي كانت أصلاً أحد أهم مسببات الانهيار الاقتصادي. تدير باريس الأذن الطرشاء لهذا الكلام متمسكة بالترويج للصندوق والتهديد بأن البلد ذاهب نحو المجاعة في حال «كُسرت كلمتها» ورفض المسؤولون اللبنانيون استكمال الاتفاق معه.
هذا تحديداً ما كان يريد أن يقوله المنسق الخاص للمساعدات الدولية للبنان بيار دوكان خلال لقائه عدداً من الصحافيين مساء أمس في قصر الصنوبر. تقصّد الدبلوماسي الفرنسي أن يكون اللقاء هو الأخير قبل موعد العشاء المُحضّر في السفارة ثم العودة إلى بلاده. على مدى أكثر من ساعة، حاول الرجل الترويج لخيار صندوق النقد الدولي. بالنسبة له، «هذا ليس خياراً عقابياً تجاه لبنان ولا يهدف إلى تقليل الوظائف وزيادة الضرائب، وإنما هو الخيار الأمثل والفرصة الوحيدة والأخيرة للبنان من أجل الحد من الانهيار وجذب الاستثمارات وزيادة فرص العمل لتحقيق التنمية الاجتماعية والنمو الاقتصادي، وهو الحل الوحيد لخروج البلد من أزمته الاقتصادية والاجتماعية ونمو القطاع الخاص».
يدرك دوكان أن الأمر ليس سهلاً، ولكنه «قابل للتطبيق»، كيف؟ ينطلق الدبلوماسي الفرنسي ممّا لمسه خلال جولته الأخيرة على المسؤولين اللبنانيين، ليعرب عن تفاؤله من إمكانية إحداث خرق جدي. يقول: «خرج المسؤولون من مرحلة الإنكار التي لمستها منذ 6 أشهر وبدأوا يعون خطورة الأزمة ولو أن بعضهم ما زال يحاول التأكيد أنه قادر على إخراج لبنان من الأزمة»، ومع ذلك لا يشرح دوكان كيف استشعر عدم الإنكار خصوصاً أن الأداء اللبناني ما زال على حاله ولم يتغيّر قيد أنملة ولم يقم لبنان بما التزم به تجاه المجتمع الدولي من أجل الاتفاق مع صندوق النقد الدولي. جل ما في الأمر أنه لمس أن مسألة توزيع الخسائر لم تعد أولويتهم، ويشير إلى أن «الجميع استفاد من الأوضاع الاقتصادية السابقة والجميع يتحمّل مسؤولية هذه الأزمة، ولكن علينا القفز عن هذه المسألة والتركيز على الخطوات المستقبليّة». وبكلام دبلوماسي منمّق قال دوكان حينما سُئل عن معارضة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة تطبيق الخطوات الإصلاحية إن «سلامة لم يقل ذلك خلال زيارتي له».
ببساطة مطلقة، أعلن المنسق الخاص للمساعدات الدولية للبنان ولادة النموذج الاقتصادي الجديد للبنان، ولكن بمشكلةٍ واحدة، أن فرنسا تماماً كلبنان تُدرك أن إدارة البلد وتشغيله على الطريقة القديمة باتت بحكم الماضي، وهما أيضاً لا رؤية لديهما عن سمات النظام الاقتصادي الجديد. إذاً، يردّد دوكان ما يقوله اللبنانيون على أرصفة المقاهي، من دون أن يُقدّم حلاً أو رؤية بلاده لنموذج يُمكن أن يُخرج لبنان من أزمته. يعيد عبارة «نظام اقتصادي جديد» أكثر من مرة قبل أن يعود للكلمة المفتاح للقائه: «صندوق النقد الدولي».
ولذلك، استل كل «أقلام التلوين» التي بحوزته لتجميل خيار الصندوق، ذاهباً إلى أبعد مكانٍ في الترويج ليقول إن «المندوبين الدائمين في الأمم المتحدة، بمن فيهم روسيا والصين، متفقون على الأولوية التي يجب على لبنان الالتزام بها: انتخاب رئيس الجمهورية والاتفاق مع صندوق النقد الدولي»، مشدداً على أنّ «هناك دعماً دولياً للبنان ولاستقراره، كما أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يهتم بشأن لبنان ولو أن لديه اهتمامات أُخرى، ولكن على لبنان أن يثبت جاهزيته من خلال إجراء الإصلاحات وتشريع القوانين اللازمة للأمر». وأضاف: «أنا هنا لأدعمكم ولإيصال رسالة فرنسا لكم، ولكن على لبنان أن يتحرّك».
ماذا لو لم يتجه لبنان نحو الخيار الذي رسمته فرنسا ومن خلفها الغرب؟ يجيب دوكان أن «المصير سيكون مجاعة تدق أبواب اللبنانيين وأزمة مستفحلة. بالتالي لن يقدّم المجتمع الدولي سوى المساعدات الإنسانية ولكن ليس عبر الدولة، وفرنسا ستكون طبعاً من ضمن المساعدين».
دوكان لم يكن وحيداً في حمل راية «الصندوق» بل ساعدته أيضاً سفيرة بلاده آن غريو التي حضرت اللقاء وشدّدت على أهمية الاتفاق مع صندوق النقد الدولي الذي لن يكون على شاكلة الديون التي غرق لبنان فيها سابقاً. هي تدعو للإسراع إلى إنجاز الاتفاق، على اعتبار أن الأزمة الروسية - الأوكرانية جعلت من 15 إلى 20 دولة ترزح في أزمةٍ تُشبه الأزمة اللبنانية. ولذلك، «سيكون الاتفاق مع الصندوق أصعب على اعتبار أن لبنان لن يكون وحيداً ولن يكون أولوية للمجتمع الدولي».