#الثائر
- " الهام سعيد فريحة "
منذُ عشراتِ السنين، واللبنانيونَ "مطووشونَ" بمقولةِ "لبنانُ طائرٌ يحلِّقُ بجناحيهِ، المقيمِ والمغتربِ".
كمْ رومانسيٌّ هذا الشعار! وعليهِ، كمْ "أبدعنا" في أغاني الحنينِ إلى الوطنِ، والمهرجاناتِ التي تشجِّعُ على العودةِ…
وبالفعلِ، بقيَ المغتربونَ أوفياءَ للوطنِ دائماً.
وطوالَ الحربِ، كانوا رسُلَ سلامٍ، وبعدها ساهموا في الإعمارِ.
***
ولكنَ، براءةَ المغتربينَ شيءٌ، وخُبثُ المنظومةِ السياسيةِ شيءٌ آخرَ.
هذهِ المنظومةُ سعتْ دائماً إلى استمالةِ المغتربينَ لمنافعها الخاصةِ، فقط لا غير...
وحتى اليومَ، لا يهمُّها إلاَّ الاستيلاءُ على أموالهمْ التي جمعوها بالكدِّ وعرقِ الجبينِ.
وبالفعلِ، هم دفعوا مئاتِ ملياراتِ الدولاراتِ لدعمِ وطنهمْ الأم وأهلهمْ، على مدى عشراتِ السنين، لكنهم لم يحظوا من دولتهمْ بأيِّ دعمٍ أو امتيازٍ.
***
بكلِّ وقاحةٍ، قالَ الفاسدونَ للمغتربِ:
تعالَ واستثمر هنا.
عندنا العقاراتُ ممتازةٌ، وعندنا تجارةٌ وصناعةٌ ومشاريعُ سياحيةٌ…
وعندما أتى، وقعَ في فخِّ النصبِ والابتزازِ الذي تتقنهُ المنظومةُ، للمغتربينَ كما للمقيمينَ.
وكم مِنْ مغتربٍ كفرَ بالبلدِ وفرَّ هارباً بعدما تعرَّضَ لعملياتِ "تنصيبٍ" لا تطاقُ، في كلِّ معاملةٍ ومشروعٍ وشاردةٍ وواردةٍ…
وكمْ مَن مغتربٍ راحَ يستثمرُ في بلدانٍ متخلِّفةٍ، بعدما اختبرَ أن دولتهُ أكثرُ تخلُّفاً من كلِّ المتخلِّفينَ!
ولكنْ، والحقُّ يقالُ، في زمنِ الانهيارِ،
يعيشُ اللبنانيونَ على أموالِ الدعمِ التي تأتيهمْ من الأبناءِ والأقاربِ بالمغترباتِ،
والحقُّ يقالُ، لولا هذا الدعمُ لكانتْ شريحةٌ كبرى من شعبنا قد ماتتْ جوعاً على أيدي طبقةِ افسدِ الفاسدينَ إياها، التي أكلتْ الأخضرَ واليابسَ…
***
بالأرقامِ، يضخُّ المغتربونَ ما بينَ 7 ملياراتِ دولارٍ و8 ملياراتٍ في السنةِ، وهذهِ الأرقامُ هي المسجَّلةُ رسمياً.
ولكنْ، هناكَ أيضاً ما بينَ 4 ملياراتِ دولارٍ و5 ملياراتٍ تصلُ من المغتربينَ إلى ذويهم بشكلٍ غيرِ رسميٍّ، وغالباً ما يحملونها نقداً، ولا يجري تسجيلها.
هذا يعني أن 12 مليارَ دولارٍ تصلُ منهمْ سنوياً، وبمعدلِ مليارٍ كلَّ شهرٍ!
وهذهِ الملياراتُ بقيتْ وحدها مصدرَ العملاتِ الصعبةِ عندنا، بعدما انقطعَ كلُّ مصدرٍ آخرَ، وصارتْ الليرةُ بلا قيمةٍ!
***
ولكنْ، كلُّ هذا تنكرهُ منظومةُ الفسادِ والفاسدينَ. وعلى العكسِ، عَينُها على المزيدِ...
هذهِ المنظومةُ شجَّعتْ المغتربَ على جلبِ أموالهِ، ووعدتهُ بالأمانِ وبالفوائدِ وباستقرارِ الليرةِ.
وعندما استجابَ، طارتْ الودائعُ كلها فخسرَ المغتربُ كفاحَ العمرِ كلهُ في بلادِ القهرِ والغربةِ!
وهذهِ المنظومةُ وعدتْ المغتربَ بالمشاركةِ في القرارِ الوطنيِّ، بالانتخاباتِ،
لكنها تبحثُ عن ذريعةٍ للتخلصِ من عبءِ الاغترابِ في صناديقِ الاقتراعِ!
إنها قمةُ الوقاحةِ والجشعِ ونكرانِ الجميلِ.
فشكراً لكم يأ أبناءنا وإخوتنا المناضلينَ في الغربةِ من أجلِ اللقمةِ والعيشِ الحرِّ الكريمِ،
لاهلكمْ في الوطنِ المخطوفِ...