مقالات وأراء

العملية Z "ربيع روسيا" وماذا سيحصل في الأيام القادمة؟

2022 آذار 02
مقالات وأراء

#الثائر

- " اكرم كمال سريوي "

يبلغ طول الحدود الروسية الأوكرانية 1576 كلم، يضاف إليها 891 كلم حدود أوكرانية مع بيلاروسيا، هذا إضافة إلى أكثر من 470 مدينة، وآلاف القرى والمّجمّعات السكنية، ولو أراد الجيش الأوكراني الدفاع عن هذه الحدود لاحتاج إلى نشر ما يزيد عن 60 فرقة، أما بالنسبة لمقارنة قدرات الجيشين الروسي والأوكراني، فهناك تفوّق كبير للجيش الروسي في العدديد والعتاد والمعدات ونوعية الأسلحة .

الخطة الأوكرانية للدفاع

يعلم الجيش الاوكراني حجم وفارق القدرات بينه وبين الجيش الروسي، خاصة التفوّق الجوي الروسي الذي أعلن اليوم سيطرته الكاملة على الأجواء الأوكرانية، وهذا يجعل أي خط دفاع خارج المُدن وفي الأماكن المكشوفة، ينهار بسرعة وسيتكبد الأوكران خسائر فادحة، وبغية حرمان الروس من هذه الفرصة، ارتكزت الخطة الأوكرانية على جر القوات الروسية إلى القتال داخل المدن، حيث ستتكبد خسائر كبيرة، وسيصعب على سلاح الطيران حسم المعركة.

لكن بالرغم من التحذيرات الغربية من هجوم روسي وشيك على أوكرانيا، لم يأخذ الأوكران القضية على محمل الجد، وبقي الرئيس زيلنسكي حتى ليلة الهجوم، يناشد الغرب التوقف عن هذه الأخبار، التي أثّرت على اقتصاد بلاده. والأهم في الأمر أن الجيش الأوكراني عززّ مواقعه على خط التماس مع دومباس، وأهمل تأمين العاصمة كييف، التي كان يجب تحصينها بأكثر من خط دفاعي، وعلى الأقل إخلاء المباني على أطراف المدينة من السكان، لتجنّب وقوع ضحايا بين المدنيين.

ولذلك اقتصر الدفاع الأوكراني، على خط دفاع في الدومباس، وخط آخر في خيرسون في الجنوب في مواجهة القرم، وبعض المواقع الاخرى القريبة من خاركيف.

لماذا هاجم الروس الآن؟؟

رفض الغرب الاستجابة للمطالب الروسية بعدم توسّع الناتو شرقاً، وبعد أحداث كازاخستان التي اتهم رئيسها جهات خارجية بتدريب مقاتلين وتحضيرهم للانقلاب، اعتبر القادة الروس، أن هناك محاولة دؤوبة لتطويق روسيا، فبعد انضمام دول البلطيق ودول أوروبا الشرقية إلى حلف الناتو، وسيكون انضمام أوكرانيا ضربة قاضية لروسيا. والسبب أنه في حال نشر الدرع الصاروخية للناتو في اوكرانيا ونشر صواريخ على أراضيها، فإن ذلك سيجعل الصواريخ الروسية عِرضة للتدمير فور انطلاقها، وقبل أن تصل إلى اوروبا وأمريكا في حال نشوب حرب، وسيحتاج الصاروخ للوصول من أوكرانيا إلى موسكو أقل من خمس دقائق، وهذ سيعطي أفضلية للناتو على روسيا،

وفي ظل إصرار الرئيس الأوكراني على الدخول إلى حلف الناتو، وإفشال مفاوضات النورماندي، ورفض تنفيذ اتفاقات مينسك، وتنامي موجة العداء لروسيا، خاصة بين القوميين الأوكران، وزيادة إمدادات السلاح من دول الناتو إلى أوكرانيا.

رأت روسيا أن الحرب مع أوكرانيا باتت حتمية، فقررت خوضها الآن، ما دام الجيش الأوكراني ضعيفاً نسبياً، وقبل أن يتم ضم أوكرانيا إلى الناتو، وكذلك فبل أن تتحول إلى قوة عسكرية كبرى، تُشكّل خطراً على روسيا .

خطة الهجوم الروسية

ارتكزت خطة الهجوم على النقاط التالية:

١- تدمير سلاح الطيران والصواريخ المضادة للطائرات الأوكرانية، لتأمين السيطرة الجوية، وتدمير والبنى التحتية، ومخازن الاسلحة والذخيرة، والبحرية الأوكرانية.

٢- الهجوم من ثلاث جهات وعلى عدة محاور، لمنع الجيش الأوكراني من تركيز جهوده على جبهة واحدة.

٣- تحديد الجيش الروسي العاصمة كييف كهدف استراتيجي رئيسي للعملية Z المسماة "ربيع روسيا"، والتقدم نحوها من ثلاث جهات بسرعة لمحاصرة القيادة الأوكرانية هناك، فسقوط كييف ومركز القيادة فيها سيؤدي حكماً إلى سقوط باقي المدن .

٤- تجنّب الدخول إلى المدن، والسعي إلى السيطرة على الطرق الرئيسية، لتقطيع أوصال البلاد وعزل الوحدات الأوكرانية بعضها عن بعض.

٥- عدم استخدام قاذفات القنابل والأسلحة الفتاكة التي تسبب دماراً شاملاً، لتفادي إيقاع عدد كبير من الضحايا المدنيين.

الوضع الميداني:

أولاً على المحور الشمالي : توغلت القوات الروسية التي انطلقت من بيلاروسيا باتجاه العاصمة كييف، قرابة 110كلم، وتجاوزت مدينتي اوران وبيلاتسركف، ووصلت إلى مشارف كييف على مسافة 25 كلم من منطقة أبولون، الحد الشمالي للعاصمة وتوقفت، على ما يبدو بانتظار وصول القوات التي تتحرك باتجاه كييف من جهة الشرق.

في نفس الوقت ما زالت الوحدات التي تم إنزالها غربي كييف، تحاصر المدينة وتقطع الطريق الغربي، على مسافة 20 كلم من منطقة تيرمكي الحد الغربي لكييف.

من الشرق تقدّمت فرقتان: الأولى توغلت مسافة 115 كلم، وتجاوزت مدينة تشيرنهايف، والثانية تجاوزت مدينة سومي، وتوغلت حوالي 170 كلم، وتتابع التقدم باتجاه كييف لمحاصرتها من الشرق.

ثانياً: عل محور خاركيف تقوم القوات الروسية بمحاصرة المدينة، فيما تتابع الوحدات الباقية التقدم جنوباً باتجاه مدينة دنبروبتروفسك، لملاقاة الوحدات التي تتقدم من جهة الجنوب قرب زاباروجيا، لتطويق القوات الأوكرانية على الجبهة المواجهة لدونيتسك.

في نفس الوقت تقدمت من الشرق وحدات الانفصاليين، من لوهانسك ودونيتسك، واخترقت الخط الدفاعي للجيش الاوكراني، الذي بدأ يُنفّذ انسحاباً باتجاه مدينة دنبّر.

ثالثاً: من الجنوب تقدمة فرقة ميكانيكية وتجاوزت مدينة خيراسون، وباتت تحاصرها من جهة الشمال.

في نفس الوقت تجاوزات الوحدات التي اتجهت شرقاً، مدينة ميلاتوبل ووصلت إلى زاباروجيا شمالاً، فيما قام قسم من هذه الوحدات بتأمين اتصال مع الوحدات التي تحركت من دونيتسك جنوباً، وبذلك تكون قد أصبحت مدينة مريوبل بحكم المحاصرة والساقطة عسكرياً.

أفادت المعلومات أنه في مدينة ميلاتوبل يسود الهدوء، وتمت عملية تبادل أسير روسي مع خمسة أسرى من القوات الأوكرانية، بتنسيق مباشر بين قادة الوحدات المتقابلة هناك.

الآن تتابع الوحدات تقدمها من الجنوب بعد خيراسون باتجاه مدينة ميكولايف، لقطع الطريق باتجاه مدينة أوديسا، في محاولة لمحاصرتها من جهة الشمال.

حتى الساعة 16.00 من عصر اليوم الثلاثاء، تمكنت القوات الروسية من إحكام سيطرتها على كامل مقاطعة نيكولايف، ووفق المصادر الروسية فإنها لم تلقَ في هذه المنطقة مقاومة تُذكر.

من المتوقع ان تتابع القوات غداً تقدمها باتجاه الحدود مع مولدافيا وقد تصلها عصر الأربعاء.

ما زال الجيش الأوكراني يتحصن داخل المدن التي تم تجاوزها في محاولة لجر القوات الروسية إلى معارك شوارع داخل تلك المدن، كي يُفقد القوات الروسية ميزة التفوق الجوي، بحيث يصبح تأثير القوات الجوية محدوداً.

ماذا سيحدث في الأيام القادمة؟؟

لا بد أن تنتهي الحرب طبعاً والسؤال الكبير هو كيف سيكون عليه الوضع في أوكرانيا؟

يتزايد الضغط الدولي والإعلامي والشعبي على روسيا لوقف الحرب، لكن وبكل أسف فإن الصراخ لن يوقفها أبداً ، فالرئيس بوتين لا يمكنه التراجع دون تحقيق الحد الأدنى من أهداف هذه العملية مهما كلّف الأمر ، ولذلك ستستمر المعارك وسيستمر نزف الدم ووقوع الخسائر والضحايا في صفوف المتحاربين.

من كان يعتقد أن العملية قد تنتهي في غضون أيام، أصبح واضحاً أنه أخطأ التقدير، ومن يعتقد أن الجيش الروسي سينهزم في هذه المعركة فهو أيضاً يتجاهل الحقائق، فروسيا دولة عظمى تسعى لتكون القطب الموازي لأمريكا، ولا يمكنها الخروج خاسرة مهزومة من هذه المواجهة.

هذه كييف وليست "أم قصر"

في عام 2003 هاجمت قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية العراق ، بحجة امتلاكه أسلحة نووية وتهديده أمن أميركا والسلام العالمي، وكانت قرية صغيرة، بيوتها من طين تُدعى "أم قصر" واقعة على الساحل الجنوبي للعراق، تمكنت من الصمود قرابة 12 يوماً قبل أن تدخلها قوات التحالف.

كييف مدينة مكتضّة، يبلغ عدد سكانها قرابة 3 ملايين نسمة، وأبنية عالية، واذا كان الجزء الشرقي على الضفة الشرقية لنهر دنبر هو منطقة سهلية تسهل فيه حركة الآليات، فإن الجزء الغربي هو عبارة عن مرتفعات صغيرة شوارعه ضيقة، يناسب لعمليات دفاع يمكن أن تكبد القوات المهاجمة خسائر فادحة،

ولهذه الأسباب لن تكن عملية احتلال كييف سهلة.

نقطة الضعف في المدينة هي عدم قدرة السكان على الصمود لوقت طويل، في ظل انقطاع الإمدادات ونقص المواد الغذائية، التي لا تكفي لأكثر من عشرة أيام، والقوات الأوكرانية بداخلها لا تكفي لإقامة دفاع دائري عن المدينة، مما يسمح بدخول القوات المهاجمة عبر بعض الثغرات.

أوكرانيا ليست أفغانستان

يجاهد الغرب لمنع سقوط أوكرانيا، ويرغب بإطالة مدى الحرب إلى أطول فترة ممكنة، ولا يبخل طبعاً بإرسال السلاح، الذي لا يسمح بتحقيق توازن مع القوات الروسية، لكنه سيسبب لها خسائر كبيرة في حال اقتحامها للمدن الأوكرانية.

تملك أوكرانيا جيشاً نظامياً يقاتل بشكل جيد، ولديها صناعات عسكرية متطورة، لكن الجيش لا يمكنه أن يتحوّل بسرعة إلى حرب عصابات، وسينهار فوراً إذا سقطت قيادته السياسية والعسكرية، ومهما كانت إمدادات الغرب المُعلن عنها، تبقى غير كافية، وتواجه مشاكل عديدة في إيصالها، خاصة في ظل السيطرة الكاملة للقوات الروسية على الأجواء.

من ناحية ثانية فإن حرب العصابات تحتاج إلى عقيدة قتالية وسنوات من التنظيم والتمويل، لتصبح فاعلة، وهذا الوقت ليس متاحاً للقيادة الأوكرانية.

بعد الاعتراف الروسي بجمهوريتي لوغانسغ ودونيتسك، أصبحت أوكرانيا مقسّمة فعلياً إلى قسمين، وما بقي هو تحديد خط الفصل بينهما. وفيما يرى البعض أنه يمكن الأكتفاء بحدود المقاطعتين دونباس ودونيتسك، وفرض الحياد على القسم الباقي من أوكرانيا، يرى خبراء عسكريون روس ان القبول بهذا الحل ينطوي على مخاطرة مستقبلية، ويجب توسعة المنطقة حتى تشمل منطقة كييف على أقل تقدير. ووفقاً لهؤلاء فإن هذا التقسيم سيسمح لأوكرانيا الشرقية التخلص من ضغط القوميين المتشددين في مناطق الفيف والغرب المحاذي لها، وهذ سيجعل إقامة نظام مُوالٍ لروسيا في المناطق الشرقية أسهل، كونه يوجد بينهم نسبة كبيرة من الروس، واتباع الكنيسة الشرقية في موسكو.

كما أنه وفقاً لهذا الرأي فإن التقسيم سيعطي الغرب جائزة الحصول على قسم من أوكرانيا، الذي لن يُشكّل خطراً على روسيا.

ما زال الوقت مبكراً لمعرفة ما ستفرزه الحرب الأوكرانية، التي دون شك ستؤسس لإقامة توازنات جديدة في العالم، وترسم خريطة النفوذ والصراع بين الدول الكبرى، وتحديداً الروسي الأمريكي، في مختلف مناطق العالم.

**رئيس التحرير

يُرجى الحفاظ على حقوق الملكية الفكرية عند نسخ أي شيء من مضمون الخبر وضرورة ذكر اسم موقع «الثائر» الالكتروني وإرفاقه برابط الخبر تحت طائلة الملاحقة القانونية.

اخترنا لكم
القرار 1559 الآن!
المزيد
وسط تحديات إقليمية.. جهود أميركية لإنهاء تهديد حزب الله لإسرائيل
المزيد
بعلبك تتحول لمدينة أشباح
المزيد
أوهامُ المفاوضاتِ اليومَ!
المزيد
اخر الاخبار
حاصباني: ما يمكن تحقيقه اليوم عبر تطبيق القرارات الدولية قد يصبح أصعب كلما طال الزمن
المزيد
احتمال تساقط أمطار اعتبارا من بعد ظهر اليوم
المزيد
البنتاغون: أميركا ملتزمة بجهود تسمح للمدنيين اللبنانيين والإسرائيليين بالعودة لمنازلهم
المزيد
القرار 1559 الآن!
المزيد
قرّاء الثائر يتصفّحون الآن
لبنان يقدم شكوى جديدة لمجلس الأمن ضد إسرائيل
المزيد
الخارجية الأميركية: احتمال التوصل إلى اتفاق مع إيران خلال أيام
المزيد
هذا ما سجله سعر صرف الدولار بعد ظهر اليوم...
المزيد
أوهامُ المفاوضاتِ اليومَ!
المزيد
« المزيد
الصحافة الخضراء
فيضانات إسبانيا المدمرة.. ارتفاع حصيلة القتلى إلى 155
هل تحرّك تفجيرات العدوّ الفوالق الزلزالية؟
الأرض تتعرض لعاصفة مغناطيسية
اكتشاف حفريات ديناصور على جزيرة نائية
دراسة تحذيرية.. مضاد حيوي يؤدي إلى ظهور بكتيريا غير قابلة للعلاج
تحمي القلب وتبطئ شيخوخة الدماغ.. فوائد مذهلة لفاكهة لذيذة