#الثائر
طلب رئيس الجمهورية العماد ميشال عون من رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، خلال لقائهما الأخير في العاشر من الجاري في القصر الجمهوري، دعوة مجلس الوزراء الى الانعقاد. كذلك أعلن عون، أمس، أنّه «يؤيد الدعوة الى عقد جلسة لمجلس الوزراء حتى ولو جرت مقاطعتها، إذ بتنا أمام وجوب الاختيار بين السياسة والقضاء، فلمن الغلبة؟ للصفة التمثيلية أم القضائية؟ ولا يُمكن إبقاء الحكومة معطّلة، فهناك امور تحتاج الى البت بها». إلّا أنّ موقف ميقاتي ما زال نفسه، وهو لن يدعو الى جلسة لمجلس الوزراء قبل التوافق وتأمين «الحضور الشيعي».
ما زالت عقدة «البيطار – الحكومة» تراوح مكانها، مع استئناف المحقق العدلي في جريمة انفجار المرفأ القاضي طارق البيطار عمله وتحقيقاته من دون الاكتراث للاعتراض على عمله، بالتوازي مع إصرار «الثنائي الشيعي» على إيجاد حلّ لعمل القاضي، شرطاً لفك أسر مجلس الوزراء. «الثنائي الشيعي» يريد تدخُّل وزير العدل مع مجلس القضاء الأعلى ليحسم هذا الأمر، ولكي يُتخذ قرار قضائي بتحديد صلاحية النظر في هذا الملف بحيث تعود محاكمة النواب الوزراء السابقين المدعى عليهم في الملف الى مجلس النواب وبالتالي الى المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء. وفي حين يُتَهم فريق رئيس الجمهورية بعرقلة أي حلّ في هذا الإطار، توضح مصادر قريبة من عون أنّ «هناك مبدأ فصل السلطات، والسلطة التنفيذية لا يُمكنها التدخل في عمل السلطة القضائية، مثلما أنّ السلطة التشريعية لا يمكنها التدخل في عمل السلطة التنفيذية، ويجب احترام مبدأ فصل السلطات، وليس الأمر كما يُصوّر أنّ رئيس الجمهورية يرفض الحلول المطروحة، بل هو قال منذ اليوم الأول: لتُمارس كلّ سلطة دورها».
كذلك بالنسبة الى القريبين من عون، «يُمكن مجلس النواب أن يمارس دوره في موضوع التحقيق مع النواب والوزراء السابقين المدّعى عليهم في جريمة المرفأ، وعليه أن يمارس دوره بدلاً من الطلب من السلطة التنفيذية أن تعتدي على عمل السلطة القضائية». لكن رئيس مجلس النواب نبيه بري يحاذر الدعوة الى جلسة عامة لاتهام المدعى عليهم هؤلاء وإحالتهم على المجلس الأعلى لمحاكمتهم، نظراً الى أنّ الاتهام يتطلب أكثرية الثلثين، فضلاً عن أنّ الكتل المسيحية الأساسية ضدّ هذه الإحالة، ما يُفقد الجلسة والقرار معاً الميثاقية، وتعتبر مصادر قريبة من «الثنائي الشيعي» ل"الجمهورية" أنّ رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل أسقطَ هذا الحلّ بعدم قبوله التصويت مع الإحالة الى المجلس الأعلى. إلّا أنّ القريبين من عون يعتبرون أنه يُمكن للكتل المسيحية النيابية أن تحضر الجلسة ولا تصوّت مع الإحالة وتكون الجلسة ميثاقية، مشيرةً الى أنّ باسيل وافق على المشاركة في الجلسة إنما من دون التصويت مع الإحالة.
وعلى رغم أنّ هذه المصادر ترى أنّ بري لم يتمكّن من توفير أكثرية لقرار الإحالة، ولذلك يمتنع عن عقد جلسة لهذه الغاية، تشدّد على أنّ «مجلس النواب يمكنه البت بمحاكمة النواب الوزراء السابقين انطلاقاً من الدستور، وأنّ أي حلّ لمشكلة الاعتراض على عمل البيطار يجب أن يراعي الدستور، والحلّ موجود في مجلس النواب»، وتعتبر أنّه «إذا لم تتوافر الأكثرية لقرار إحالة المدعى عليهم من النواب الى المجلس الأعلى، فهذا يعني أنّ النواب «مش ماشيين» بذلك والخطوة غير مقبولة». وترى أنّ هذا لا يعني أنّه «يُمكن الطلب من السلطة التنفيذية التدخل في عمل السلطة القضائية»، مشيرةً الى أنه «جرى درس هذا الموضوع وهو غير مُمكن».
وعلى رغم عدم بروز أي حلحلة لمشكلة اعتراض «الثنائي الشيعي» على البيطار، ترى أوساط القصر الجمهوري أنّ الدعوة الى عقد جلسة لمجلس الوزراء قد لا تتأخر، إنطلاقاً من اتفاق بين عون وميقاتي، إذ هناك أمور كثيرة تتطلّب قرارات أساسية من مجلس الوزراء، وهناك أكثر من 150 بندا بينها 100 بند متعلّق بشؤون مالية وحاجات ملحّة من الكهرباء الى الانتخابات، كلّها متوقفة ورهن انعقاد مجلس الوزراء. ويأتي هذا التعويل على دعوة ميقاتي المجلس الى الانعقاد، بعد أن طلب عون منه في لقائهما الأخير، الدعوة الى انعقاد مجلس الوزراء فاستمهلَ ميقاتي لبضعة أيام. ويُبذل جهد في هذا الإطار لكي تجري الدعوة خلال هذا الأسبوع. وكما أنّ عون مع دعوة المجلس الى الانعقاد، كذلك هو مع أن يأخذ المجلس قرارات بمن حضر، حتى لو قاطع الوزراء الشيعة الجلسة، انطلاقاً من أنّه من الجهة القانونية تكون الجلسة دستورية إذا تأمّن النصاب اللازم، بمعزل عن أي مكوّن مذهبي يحضرها أو يغيب عنها، وبمعزل عن مسألة الميثاقية وإذا كانت مؤمّنة أم لا.
وفي حين تؤكد مصادر قريبة من رئيس الجمهورية أنه لا يوجد أي خلاف بين عون وميقاتي، وأنّ الاختلاف في الآراء ووجهات النظر لا يعني الخلاف، بل إنّهما يتداولان في ذلك حتى الوصول الى الأفضل، تؤكد مصادر قريبة من رئيس الحكومة أنّه «إذا لم يجرِ حلّ الموضوع الذي يُعرقل انعقاد مجلس الوزراء، فإنّ الرئيس ميقاتي لن يدعو الّا لصيغة جمع، وهو لن يكون صيغة صدام أو تفرقة، وهذا الأمر بات مفروغا منه وواضحا، وبالتالي قد يكون استمهل الرئيس عون للدعوة الى جلسة لمجلس الوزراء لعلّه يكون هناك باب ضوء لما يُعرقل انعقاد المجلس». وعدا عن ذلك، إنّ ميقاتي لن يدعو مجلس الوزراء الى الاجتماع الّا حين يتحقق التوافق ويكون المجلس صيغة جمع، ولم يتغيّر موقفه هذا حتى اللحظة.
على خط آخر، أشارت "الجريدة الكويتية" أن زيارة دوكان انطوت على مزيد من الاستفزاز لرئيس الجمهورية ميشال عون، إذ إنه لم يطلب موعداً من قصر بعبدا. لا يتوقف غضب عون عند هذه الحدود. هو يعتبر أن دوره مهمّش، بالنظر إلى اللقاءات والاتصالات التي تجرى برئيس الحكومة نجيب ميقاتي، ويجد نفسه وحيداً في ظل اعتباره أن «حزب الله»، لا يدعمه كما يجب، في حين تشتد معركته المفتوحة مع رئيس مجلس النواب نبيه بري.
فقد امتنع عون عن توقيع المراسيم والموافقات الاستثنائية، مشترطاً عقد جلسة حكومية لكسر قرار بري بمقاطعة الوزراء الشيعة لاجتماعات الحكومة حتى إيجاد حلّ لأزمة المحقق العدلي في تفجير مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار.
كما يريد عون فرض إيقاع جديد للمعركة برفضه الدعوة إلى عقد دورة استثنائية للمجلس النيابي، مما يعني أولاً تعطيل عمل مجلس النواب والقول لبري بأنه لم يعد لديه شيء ليقوم به، وثانياً بسبب مذكرة التوقيف التي أصدرها البيطار بحق المعاون السياسي لبري النائب علي حسن خليل.
تلك المذكرة التي أصر عليها البيطار ورفعها إلى النيابة العامة، التي أرسلتها بدورها، أمس، إلى الأجهزة الأمنية لن تكون قابلة للتطبيق قبل الأول من شهر يناير المقبل، أي عند انتهاء الدورة العادية لمجلس النواب.
وكان بري يريد عقد دورة استثنائية لتوفير الحصانة القانونية اللازمة لمعاونه، لأنه لا يمكن للقوى الأمنية توقيف أي نائب خلال دور الانعقاد، لكن في حالة عدم الانعقاد فإن الحصانة تسقط عن النائب.
هذا المؤشر يعني أن لبنان سيكون أمام المزيد من التصعيد السياسي بخلفية قضائية، في حين يتهم بري عون بالانقلاب على الدستور وعلى الاتفاق الذي جرى التوصل إليه مع البطريرك الماروني بشارة الراعي. والغريب هنا هو صمت «حزب الله» في ظل تصاعد التوتر بين حليفيه.
في المقابل، بدا واضحاً أن بري لن يسكت، وهو يستعد لإيصال رسالة بالشارع إلى عون من خلال تحركين، الأول يتمثل في دعوة السائقين العموميين المحسوبين سياسياً عليه لإضراب وتظاهرات غداً تحت شعار «يوم الغضب»، والثاني من خلال اجتماع الاتحاد العمالي العام المحسوب على بري أيضاً والتلويح بالتحضير لإضرابات وتظاهرات. ويبدو أن ذلك دفع عون إلى تصعيد موقفه معبراً عن دعمه للدعوة إلى عقد اجتماع للحكومة حتى لو جرت مقاطعته.
وفي تحد آخر لبري، عبر عون، خلال استقباله وفداً من نقابة المحررين، عن ثقته في التوصل الى اتفاق تعديل موعد إجراء الانتخابات النيابية لتصبح في مايو 2022، بعد أن كان مجلس النواب أكد إجراءها في 27 مارس.