#الثائر
صموئيل نبيل أديب
ارفع سماعة التليفون في الشركه و أقول "كوبايه شاي يا ام مينا، دماغي ستنفجر"
… "أم مينا" .. هي حامي حِمى
" بوفيه شركتنا"..
لا يعجبها العجب ولا الصيام في رجب..
ترفع شعار « من يقترب من البوفيه هشرح وشه».. بالرغم من وجود 6 رجال عمال في بوفيه شركتنا ذات الـ 7 طوابق إلا أن أم مينا معلماهم " الأدب " هم و أقسام الحسابات و المهندسين و الصنايعية..
تبدأ نشاطها بمجرد أن أفتح المكتب،، تجمع أكواب الشاي و تغسلهم "غسلة" تجعلك تستطيع أن تبيع الاكواب على أنها جديدة من المصنع .. و قبل أن تصنع الشاي تحضر لي كوب و… " شايف يا استاذ صموئيل الكوباية نضيفة ازاى؟ ".
أنظر إليها متوقعا منها في أي لحظه أنها ستخرج إيصال أمانة أمضي عليه بإستلام الكوبايه نظيفة.. أو مضمونه كتهديد أني لو "كسرت " الكوبايه( هتعلم عليا)….
أضحك و أنا أعلم ما سيحدث لاحقا عندما أسمع صوتها عالياً لأن أحد موظفي البوفيه أخرج كوبايه شاي " مش مغسولة كويس"....
أضحك وأقول لها أهدئي يا "ام مينا" .. فتنظر إلي بنظرات "زكي رستم" في فيلم نهر الحب
: " الناس تقول عليا ايه !!.. ست مش نظيفه في بيتي"...
فأجيبها " ياستي ده بوفيه شركة مش بيتك.."
.. " و لو ! أنا المسؤولة عنه"..
أسمع أصوات خارج المكتب فأعرف أن "أم مينا" أعلنت حالة الطوارئ و احتجزت الموظفين لأنها مسحت السلالم و ممنوع أي شخص يخرج من مكتبه إلى أن تجف الأرض..
نصرخ رفضاً لتحكمها و لكننا نعترف أننا نضيع بدونها عندما تغيب فهي وزيرة التموين وهيئة النظافة في شركتنا.. نعترف بين أنفسنا أنها تفعل ذلك بشعور الأم التي ترغب في جعل المكان أفضل لأولادها.. و أنها تهتم بنا أكثر من اهتمامنا بأنفسنا ….
أضحك و أنا أتذكر أنه مرة رفض الفنان زكي رستم تصوير أحد مشاهد الفيلم الشهير( رصيف نمرة خمسة )وتسبب في فركشة يوم التصوير وتأجيله عدة أيام و السبب في ذلك
.. جلابية
فمسؤول الملابس أحضر له جلابية صعيدي وهو كان يؤدي دور معلم اسكندراني
وبرر " رستم" أن فتحه الجلابية الاسكندراني من عند الرقبة تختلف عن فتحة جلابية الصعيدى،، أحداهما فتحة نصف دائرية والثانية بنصف ياقة مثل القميص .. وحاول المخرج نيازي مصطفي إقناعه أن أحداً لن يلاحظ الفرق الدقيق..
إلا أنه رفض وقال : كيف أمثل شخصية معلم عاش طوال عمره في الإسكندرية ويكون لابس جلابية صعيدى!! .
وبالفعل تأجل التصوير حتي انتهي الخياط من تفصيل جلابية اسكندراني
عزيزي القاريء
هناك في الحياة من يشعر أن العمل هو إرثه الذي سيتركه من بعده.. هو حياته وكيانه وامتداد نسله،، . بالنسبه لهم العمل ليس من أجل المرتب وإنما هو شرفٌ و كبرياء و كرامة تفوق أهميتها أهمية الحياة نفسها..
هم يبحثون عن الكمال و يسعون إلى الأفضل.. حتى لو كان على حساب صحتهم.. يدخلون في معارك تلو الأخرى بحثا عن أفضل أداء … لا تعنيهم المناصب أو الماديات.. و تفرحهم الكلمة الحلوة و يقتلهم التجاهل والنكران..
هؤلاء هم الذين يظل تاريخهم علامات مضيئة في أي مكان حتى بعد رحيلهم بسنوات طويلة..و تظل أسماؤهم محفورة في جبين التاريخ عبر الأزمان .
فأرجوك كن صبورا على عصبيتهم.. و اعطهم كلمات الشكر على تعبهم.. تذكر أن( حنبليتهم و تدقيقهم في الحياة ) هي مصدر أمنك و سعادتك ،،،
و سعادتهم في سماع شكرك لهم .
لأن هؤلاء هم " الأساتذة في مجالهم" ……