#الثائر
- " اكرم كمال سريوي "
من راقب احتفالات اللبنانيين بذكرى التحرير من الاحتلال الإسرائيلي لا بد أن يُدهشه أمران؛
الأول أن كل حزب يحتفل بعيد التحرير منفرداً وعلى طريقته، مستذكراً شهداءه ومذكّراً بإنجازاته، محاولاً من حيث الشكل نسب الانتصار إليه، فلكل حزب انتصاره الخاص . أما في الجوهر فالكل يريد استغلال المناسبة لرصّ الصفوف وشد العصب الحزبي ، وإيصال أكثر من رسالة إلى الداخل والخارج ، خاصة أن معركة الاستراتيجيات المتعددة والمتنوّعة لهذه الأحزاب، وكذلك بازار الانتخابات النيابية ، باتت كلها مفتوحة منذ الآن.
أما الأمر الثاني؛ فهو غياب الدولة اللبنانية، فدورها ثانوي جداً ، ويقتصر على كلمات لبعض المسؤولين، أشبه برفع العتب، فلا هي حاضرة في احتفال مركزي، ولا في احتفالات الأحزاب ، وحتى العلم اللبناني لم يكن حاضراً على الإطلاق أو حضر بصورة خجولة ، وكأن هذه الدولة غير معنية لا بالنصر ولا بالتحرير .
شتان ما بين شارع الحمراء والساحة الحمراء!!!.
فعيد النصر في موسكو يُقام كل عام تكريماً لكل شهداء السوفيات، وتخليداً لذكراهم، واستذكاراً لبطولاتهم وتضحياتهم، والأهم من ذلك كله أنه لتعزيز الشعور الوطني والوحدة ، والتفاخر بالانتماء إلى روسيا وجيشها، الذي هزم النازية وأنقذ الاتحاد السوفياتي وأوروبا والعالم من الفاشية والعنصرية الهتلرية.
أما احتفال شارع الحمراء في بيروت، وما رافقه من احتفالات في مناطق أُخرى وصولاً إلى الحدود مع فلسطين المحتلة ، فهو يقول: إن في لبنان لا يوجد دولة ، ولا وحدة شعب ، ولا وطنية، ولا وطن ، ولا انتصار ولا افتخار .
في لبنان هناك شعوب وأحزاب وقبائل ، لا يهمها الوطن بل مصالحها وأهدافها التي تضعها فوق مصلحة الوطن .
لا توفّر بعض الأحزاب اللبنانية أي مناسبة إِلَّا وتستغلّها لتنظّم استعراضات شبه عسكرية ، وكأنها تقول: ها هم المقاتلون جاهزون ، والسلاح جاهز أيضاً في مكان آخر ، وإن لم نُشهِره الآن . شعارات تستعيد ذكرى الحرب الأهلية، وهتافات تُخرج إلى العلن، كل ما في النفوس من انقسامات وضغائن وأحقاد وكراهية، تجعل المراقب يرى، وكأن الحرب باتت على الأبواب ، فالكل أصبح مستعداً، واليد على الزناد، بانتظار صافرة خراب لبنان من جديد. وكأن هذا الشعب لم يكفِه ما قاسى من مآسٍ وويلات، ولم يشبع دراكولا الحرب من دماء الأبرياء، بعد أن قضى على أموالهم ولقمة عيشهم ، وحولّهم إلى فقراء ومتسولين لرغيف الخبز .
لبنان الكبير اسماً ، والصغير حجماً ، يريدون تصغيره أكثر فأكثر . فكم فصيل وحزب في لبنان ، لا يعترف بهذا اللبنان، ولا يوالي دولته، ولا يعمل لمصلحته ومصلحة شعبه، بل يسخّرهما لمصلحة دولة أُخرى وشعب آخر
.
كم كنّا نتمنى أن يشبه شارع الحمراء أو ساحة الشهداء في بيروت الساحة الحمراء في موسكو ، وكم كنّا نتمنى أن نعيش في دولة يحتفل شعبها كله بوحدته ونصره وتحرير أرضه من الاحتلال. كم نحلم بدولة يسودها العدل والرُقي، وتحترم الدستور والقانون، وتُعامل جميع مواطنيها على قدم المساواة .
كم نحلم بلبنان الدولة منارة الشرق وعنوان الحضارة.
لكن كيف يكون لنا ذلك ، والدولة تنهشها الطائفية والعصبيات، وشعبها شعوب وقبائل، وأحزابها زمر ومذاهب، «فالويل لأمة مقسّمة إلى أجزاء وكل جزء يحسب نفسه فيها أمة».