#الثائر
- " الهام سعيد فريحة "
لا يمكنُ ان يمرَّ الحادي عشرَ من آذار من كلِّ عامٍ من دونِ ان اذكرَ بالكلمةِ وبالصلاةِ اسمكَ الكبير.
هي السنواتُ البعيدةُ التي أخذتكَ بعيداً فوقَ الغيمِ، أستعيدها لحظةً بلحظةٍ مع كلِّ من أحبكَ وعرفكَ، وأستعيدُ معها لحظاتِ الانوارِ والصيادِ والشبكةِ المضيئةِ في لبنانَ والمنطقةِ والخليجِ والعالم...
لعلها قاسيةٌ الذكرى هذهِ السنة.. والقساوةُ سببها ما زرعتهُ فينا من فرحٍ وما وزَّعتهُ علينا من لحظاتٍ حلوةٍ وما يَعيشهُ اليومَ اللبنانيونَ من حزنٍ ويأسٍ وذلٍّ وقهرٍ وتعبٍ..
***
والدنا الحبيب "سعيد فريحه"... يعزُّ عليَّ ان اكتبَ هذهِ المرةَ عن البلدِ الذي كنتَ أنتَ من صورهِ الحلوةِ ومن رموزهِ التي اعطتْ مجداً للاعلامِ، ورونقاً للثقافةِ والفنِ والعراقةِ والحداثةِ...
هل هذا هو لبنانُ الذي جعلتنا نعشقهُ؟
هل هذا هو لبنانُ الذي كنتَ تنشرُ رسالتهُ كلَ يومٍ وتأتينا مرهقاً "وج الصبحِ" بعد الكتابةِ والسهرِ في الانوارِ والصياد والشبكةِ ليلاً منقحاً آخرَ مقالٍ وآخرَ سطرٍ وآخرَ كلمةِ؟
وببركتكَ وبعد غيابكَ كرَّتْ مسبحةُ المطبوعاتِ التسعِ المتخصصةِ.
في عزِّ الحروبِ والفتنِ الداخليةِ وحروبِ المنطقةِ... بقي للبنان في ايامك يا "ابا عصام"، وفي "الجعبةِ"، الكثيرُ مما يعطيهِ للعالمِ... ولعلَّ أهمَ ما اعطاهُ واعطيتنا اياهُ، عصام وبسام والهام، هي الحريةُ.. الحريةُ في التفكيرِ والقولِ والموقفِ...
هذا ما تعاهدنا عليهِ، وهذا ما ناضلنا ونناضلُ من اجلهِ حتى الرمقِ الاخيرِ، رغمَ كلِّ العواصفِ المحدقةِ فينا وبالبلدِ الذي أضأتَ انوارهُ في يومٍ من الايامِ...
***
الوالدُ الحبيبُ:
في كلِّ لحظةٍ جميلةٍ أستعيدها من لبنانَ الماضي أتذكَّرُكَ وأتساءلُ أينَ نحنُ منهُ اليومَ؟
رحلَ كثرٌ من الاحبابِ وغابتْ وجوهٌ أطْلَقْتها أنتَ وصنعتَ مجدَ لبنانَ في الصحافةِ والفنِ والثقافةِ والسياسةِ، وكلما أنطفأت نجمةٌ أذرفُ الدمعَ وأخشى اكثرَ على مستقبلِ البلادِ وعلى مستقبلِ اجيالنا وعلى مستقبلِ احفادك واحفادي...
عودّتنا وعلّمتنا مع الوالدةِ الفاضلةِ حسيبة أمِ البنينَ عصام وبسام والهام على الحزمِ وعلى الاقدامِ وعلى المبادرةِ وعلى عدمِ الخوفِ وعدمِ الاستسلامِ وعلى الأملِ...
تأكد ايها الحبيبُ انه لولا الأملُ والاقدامُ لما أستمرينا صامدين.. لكن طريقَ آلامنا لا تزالُ طويلةً، والوصولَ الى شاطىءِ الامانِ لا يبدو قريباً..
لبنانُ الماضي الجميلِ انتهى... لبنانُ العزِّ والرفاهيةِ سقطَ.
***
سآخذكَ بمشوارٍ صغيرٍ الى حيثُ كنتَ تذهبُ آخرَ الليلِ من الحمرا الى العنتبلي والعجمي... ماذا بقي من شارع الحمرا ومن بقي؟ صار مخزناً لثيابِ "البالي" المكدَّسةِ على الارصفةِ، وروَّادُ مقاهي الثقافةِ الذين كنتَ تحبهم غابوا ويغيبون..
سآخذك بمشوارٍ ليليٍّ الى بيروت التي كانت تدبُ حياةً في الليلِ والنهارِ لتراها اليومَ بعدَ انفجارِ المرفأِ كيفَ تحوّلت مدينةَ اشباحٍ، مدينةً للعتمةِ وللبيوتِ المقفرةِ!
الى أين آخذكَ بعد؟ وبماذا أخبركَ؟ عن لبنانَ الطبابةِ والقطاعِ الصحيِّ الذي سقطَ من برجهِ لنصبحَ اسوأَ دولةٍ على صعيدِ الاستشفاءِ ومن آخرِ دولٍ نتلقى لقاحاتِ كورونا، وكيفَ توزعُ علينا حبوبُ المسكِّناتِ بالحبةِ.
عن لبنانَ الذي كانَ الاولَ والرائدَ في افخرِ انواعِ المآكلِ والاصنافِ ليصبحَ المواطنُ فيه يرتكبُ جريمةً من اجلِ حصةِ حليبٍ مدعومٍ؟
عن لبنانَ المدارسِ والجامعاتِ: مدارسُ وجامعاتُ الشرقِ الى العالمِ، والتي تحوّلتِ اليومَ او تكادُ تصبحُ الاسوأ في العالمِ.
عن لبنانَ القطاعِ المصرفيِّ والخدماتِ والعزِّ والسريةِ المصرفيةِ ليصبحَ دولةً مفلسةً مالياً ومصارفهُ تتحوّلُ الى صرَّافاتٍ آليةٍ ليس اكثرَ، ينتظرُ فيها الناسُ "بالصفِ" ليأخذوا اموالهم كالاعاشةِ..
***
إيها الحبيبُ والدنا سعيد فريحه،
لنْ أطيلَ عليكَ... لأنكَ كنتَ وانا أتحدثُ اليكَ تفهمُ عليَّ بسرعةٍ وتنهرني عند الاستفاضةِ اكثر.. كانت عيناكَ تُحاكي قلبي وعقلي. لعلكَ اليومَ في ذكراكَ تعودُ عليَّ برسالةِ أملٍ.. لاستمرَّ مع شعبنا المناضلِ في سبيلِ الحقِ..
لأننا ربما ... ننتظرُ اعجوبةً للانقاذِ.. فهل تأتي إلينا من وراءِ الغيمِ.
"إلهامُكَ"