مقالات وأراء

مفهوم السيادة: أزمة أم حلّ ؟

2021 كانون الثاني 03
مقالات وأراء

#الثائر

- " د. ميشال الشمّاعي "

إنّ السيادة هي الرّكن الأساس الذي تبنى عليه نظريّة الدّولة في الفكر السياسي والقانوني. فضلا عن كونها أهمّ مبدأ من المبادئ التي يقوم على أساسها القانون الدّولي والعلاقات الدوليّة. يتجسد أيضا بموجبها الاستقلال الوطني للدولة وكذا مساواتها مع الوحدات والكيانات السياسية الأخرى المشكّلة للنظام الدولي. ومصطلح السيادة مصطلح قانوني مترجم عن كلمة فرنسية Souveraineté وهي مشتقة من الأصل اللاتيني Superanus والذي يعني بالأساس الأعلى، لذلك تعرف السيادة أحيانا بالسلطة العليا.

أن أصول نظرية السيادة وتعريفها وإبراز دلالات المفهوم وأوجه استعماله تعود للفيلسوف الفرنسي( جان بودان Jean Bodan) (1530- 1596) حيث ارتبطت به فكرة السيادة التي طرحها في مؤلفه بعنوان “ستة كتب في الجمهورية” فذكر تعريف المصطلح بأنه: “السيادة هي سلطة الدولة العليا المطلقة والأبدية والحازمة والدائمة التي يخضع لها جميع الأفراد رضاء أو كرها”.

أمّا الفيلسوف الإنجليزي توماس هوبز (1588-1679م)، فعرّف السيادة على أنها: ” سلطة ذلك الفرد أو تلك الهيئة الذي أو التي تمتلك سلطة الإرادة التي تنازلت عنها الأغلبية في مقابل منح الأغلبية حياة آمنة مطمئنة” وهو ما دفع هوبز لتبرير سياسة القوة بأنها لا تتجزأ ولا تنفصل عن صاحبها ولا يمكن التنازل عنها." في حين أنّ النظرية الماركسية طالبت بإلغاء السيادة تمهيداً لإقامة مجتمع شيوعي وأبرز روادها "هارول لاسكي" الذي اعتبر السيادة بمثابة خطر محدق يقتنص الشعوب وحقوقها ويقتطع حرياتها.

من هذا المنطلق يتجلّى الخلاف حول مفهوم السيادة، مع العلم بأنّ الأسبقين قد أوضحوا مفاهيمها كلّها، لكنّ الخلاف يكمن في النّظام الذي يريده الشعب، ليحدّد على أساسه مفهومه للسيادة الوطنيّة. أمّا في لبنان فالأزمة الحقيقيّة تكمن في حقيقة النّظام الذي يريده اللبنانيّون، وليس في الاتّفاق على مفهوم السيادة الوطنيّة. حتّى هذه اللحظة النّظام اللبناني واضح بحسب ما اصطح عليه في اتّفاق الطائف. يبقى أنّ الممارسة الواقعيّة لمفهوم السيادة قد اختلفت عندما تمّ ضرب نظام الطائف بعرض الحائط.

لم تعد تعني الأساس الأعلى كما تعني بالاصطلاح اللاتيني؛ كذلك تمّ ضرب مفهوم " الخضوع الايجابي" إراديًّا أم لا إراديًّا، بحسب مفهوم بودان؛ أمّا مفهوم هوبز فقد تمّ ضربه أيضًا عندما تمّ تقويض الأغلبيّة الفائزة في الانتخابات النيابيّة بقوّة السلاح غير الشرعي. وما سَلِمَ من مفهوم للسيادة اليوم يشبه تقريبًا، ما قاله "لاسكي" حيث صارت السيادة في لبنان خطر على مجموعة حضاريّة من المجموعات الحضاريّة التي تكوّن النسيج اللبناني.

فما بين النّظام المراد من قبل اللبنانيين ومن قبل فئة منهم ضاع مفهوم السيادة. فربطها حزب الله القوي اليوم بقوّة سلاحه غير الشرعي بصواريخه عبر ما أتى من تصريحات صدرت تربطها بصواريخ سليماني. ليأتي الردّ الرسمي حول هذا الموضوع بأن لا شريك للبنانيين في حفظ استقلال وطنهم وسيادته على ما يحمل هذا التوضيح من مغالطات دستوريّة؛ لكأنّه صادر عن خبير دستوريّ لغويّ فقيه بعلم الكلام والمصطلحات واللغة.

مَن يحفظ الاستقلال والسيادة في لبنان يجب أن يكون الدّولة فقط؛ وذلك لأنّ استعمال كلمة اللبنانيّين كمصطلح قانوني، يصبح كالطلسم، وجب تفكيكه. فاللبنانيّون في هذه الحالة هم الذين لا يتعارض مفهوم السيادة مع وجوديّتهم، أي أولئك الذين تتجسّد كينونتهم على حساب كيانيّة الوطن انطلاقًا من سيادته. وما سمح لهؤلاء بالسيطرة على سيادة الوطن هو تغليب سيادتهم الخاصّة بقوّة سلاحهم غير الشرعي، وسطوتهم على المؤسسات الدّستوريّة من قبل مَن وضع يده بيدهم على حساب سيادة الوطن.

من هنا، يجب البحث عن الحلّ للأزمة اللبنانيّة انطلاقًا من الاختلاف حول مفهوم السيادة الوطنيّة العليا. وبعد ذلك يُبحَثُ في تطوير النظام. وذلك يكون انطلاقًأ من تعديل ما وجب تعديله في الدّستور وليس انطلاقًا من مؤتمر تأسيسي لأنّ÷ سبق لنا وأسّسنا لبنان في العام 1920. فلا يخطئنّ أحد بالبوصلة السياديّة أو حتّآ ببوصلة تطوير النّظام. ولا يضيّعنّ أحد الزمة الحقيقيّة في لبنان التي لم تَعْدُ يومًا عن كونها أزمة سيادة قبل أيّ شيء آخر. إمّا أن تعود السيادة مطلقة على الوطن بأكمله، وإمّا أن تتجزّأ تحت ذريعة تطوير النّظام، لا تغييره.

اخترنا لكم
الرئيس سليمان: لم تمنع الدول تسليح الجيش لا بل عمل الداخل على الحؤول دون فرض سيادة الجيش على كامل الاراضي اللبنانية
المزيد
باسيل: نحن مع وقف النار ولسنا حلفاء حزب الله في بناء الدولة لكننا معه في مواجهة إسرائيل
المزيد
ذكرى الاستقلالِ وبورصةُ القرارِ 1701!
المزيد
جنبلاط: الوضع سيستمر بالتدهور بسبب الموقف الغربي.. وإيران من يتولّى المسؤولية في الحزب
المزيد
اخر الاخبار
الهيئات الاقتصادية وكنعان يطالبان باسترداد مشروع موازنة 2025
المزيد
الرئيس سليمان: لم تمنع الدول تسليح الجيش لا بل عمل الداخل على الحؤول دون فرض سيادة الجيش على كامل الاراضي اللبنانية
المزيد
نتنياهو يخطط لدخول العمق اللبناني إذا لم يقبل الحزب وقف النار
المزيد
المواجهات بين اسرائيل و"الحزب" متواصلة.. وإقامة مناطق عازلة في الجنوب؟
المزيد
قرّاء الثائر يتصفّحون الآن
لقاء الجمهورية: وحدها السياسات الحكيمة تمنع تدويل الأزمة
المزيد
عمليّاً: طارتْ ولادةُ الحكومةِ الى غيرِ رجعةٍ!
المزيد
من سرّب فيديو بعبدا؟ ولماذا؟
المزيد
عبدالله: مخالفة دستورية موصوفة
المزيد
« المزيد
الصحافة الخضراء
راصد الزلازل الهولندي يحذر
علماء المناخ يحذرون من أن انبعاثات الوقود الأحفوري ستبلغ مستوى مرتفعا جديدا
مؤشرات علمية.. 2024 العام الأشد حرارة في التاريخ
روسيا.. ابتكار مواد جديدة تحارب جفاف التربة
الأمم المتحدة: نقص التمويل يعيق جهود التكيف مع تغير المناخ
روسيا.. ابتكار خبز خاص لمرضى السكري بمكونات بيولوجية نشطة