#الثائر
- " اكرم كمال سريوي "
عرض تلفزيون الجديد، فيدو مسرّب لرئيس الجمهورية ميشال عون ، يتحدث فيه مع رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب، واتّهم خلاله عون الرئيس سعد الحريري ، المكلف بتشكيل الحكومة، بالكذب.
وفي الوقت الذي أمل فيه اللبنانيون بولادة حكومة جديدة، خاصة بعد المساعي التي بذلها وما زال يبذلها غبطة البطريرك الراعي، جاء الجواب من بعبدا أمس، ليقضي على أي أمل بولادة قريبة للحكومة. مما دفع بالعديد من المراقبين والمسؤولين إلى التساؤل، من، ولماذا، وكيف، تم تسريب هذا التسجيل؟
من المعروف طبعاً أن تلفزيون لبنان وحده يملك حصرية تسجيل نشاطات الرئيس داخل أروقة القصر الجمهوري. وأن توزيع الفيديو، يتم من قبل المكتب الإعلامي في القصر وبإشرافه. فهل كان التسريب مقصوداً؟ أم هو خطأ وهفوة وقع فيها المسؤولون في القصر؟
لم يكن كلام الرئيس عون واضحاً تماماً في الفيديو المسرب، ولذا عمدت بعض وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي إلى تحريفه فوقع التباس حوله. وتوخياً للدقة، سنعرض ما تم توضيحه من قِبل جهة مقرّبة من الرئيس، حول حرفية ما قاله عون.
«التقى فخامةالرئيس ميشال عون في بعبدا، قبل بدء اجتماع المجلس الأعلى للدفاع، برئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب.
سأل دياب الرئيس عون: «كيف صار وضع التأليف فخامة الرئيس؟»
فأجابه رئيس الجمهورية: «عم بقول عطيناه ورقة.. عم يكذب.. عمل تصاريح كاذبة، وهلق ليك قديش غاب، ليك حظن هاللبنانيين.. وهلق راح ع تركيا، ما بعرف شو بأثر»
وفقاً لهذا التقرير، فإن الرئيس عون لا ينفي استلامه ورقة من الرئيس المكلف سعد الحريري، بل ينفي أنه سلّم ورقة إلى الحريري.
من يعرف الإجراءات الأمنية المتبعة في قصر بعبدا، يعرف جيداً أنه من الصعب أن يخرج كلام بهذا الحجم إلى العلن، بشكل عفوي. ولهذا تُرجّح الأوساط المراقبة، أن التسريب كان مقصوداً، وأراد به فريق الرئيس ومن خلفه، إيصال رسالة إحراج إلى الرئيس الحريري، لدفعه إلى الاعتذار عن تشكيل الحكومة المقبلة.
ليس سهلاً أن يتهم رئيس الجمهورية، الرئيس المكلف بتشكيل حكومته، بالكذب، وهما في بداية الطريق، وتفرض عليهما ظروف البلد، تجاوز كافة الخلافات السياسية، وحتى الشخصية، للعمل معاً لانقاذ لبنان من أزماته.
كيف سيتصرف الحريري بعد هذه الإهانة العلنية؟
يعلم سعد الحريري أن الرئيس عون لم يكن يرغب بتكليفه تشكيل الحكومة، وهو كان قد عبّر عن ذلك صراحة قبل بدء الاستشارات النيابية في رسألته إلى النواب، لكنه أُجبِر على ذلك، وفقاً للعبة الديمقراطية، بعد أن حاز الحريري على أكثرية الأصوات.
يوجد داخل تيار المستقبل، فريق يدعو سعد الحريري إلى عدم الاعتذار، وعدم التنازل، طالما أن الدستور لم يحدد مهلة لتشكيل الحكومة، ويدعوه أيضا إلى التمسّك بورقة التكليف، وممارسة لعبة عض الأصابع، مع عون وفريقه الذي بدأ ينفذ الوقت من أمامه في ولايته الرئاسية.
أما الخيار الآخر أمام الرئيس الحريري، فهو أن يأخذ بنصيحة وليد جنبلاط وسمير جعجع، ويتخلى عن رئاسة الحكومة. وهذا سيدفع إلى تشكيل جبهة معارضة قوية، ستحاصر العهد وتدفع به إلى مزيد من الفشل، والاستمرار في ظل حكومة تصريف أعمال، تكون عاجزة عن تحقيق أي إصلاح، أو اتخاذ أية تدابير فاعلة. وهذا إضافة طبعاً، إلى تحميله مسؤولية ما حدث وسيحدث من انهيار اقتصادي ومالي في لبنان.
لقد أبدى حزب الله وعلى لسان أمينه العام السيد حسن نصرالله، رغبة في ترميم الوضع السياسي في لبنان، وتشكيل حكومة بالتوافق، بين مختلف القوى السياسية. وهو سيسعى طبعاً معى الرئيس نبيه بري، وحلفائه لإخراج الحكومة من عنق الزجاجة، لكن بعد ما حدث الآن سيصعب التوفيق بين عون والحريري، قبل عدة أسابيع وربما أشهر.
لقد قالها رئيس الجمهورية: « ما في تأليف» و «ليك حظن هاللبنانيين» . وهذا الكلام يختصر الموقف والوضع بشكل عام، فالمسؤولون غارقون في مناكفاتهم ومهاتراتهم السياسية، ووضع الشروط والشروط المضادة، ويتصرفون وكأن البلد بالف خير .
أما الخبر الأسوأ فهو ، أنه حتى لو تشكّلت الحكومة، فلا حل قريب في لبنان. ومهما يكن شكل هذه الحكومة، ستكون عاجزة عن اجتراح الحلول، لأن الأزمة ليست عملية أرقام وحسابات، أو مسألة رياضية نريد وزراء اختصاص ليجدوا حلاً لها.
ماذا أنجز الوزراء الاختصاصيون في حكومة حسان دياب؟ وإذا كان الجميع يُقرُّ بأنهم فشلوا، فلماذا الإصرار على الأختصاصيين؟
يُطلُّ علينا بعض المسؤولين في خطاباتهم بكل عنجهية، يبررون أنفسهم وجماعتهم من الخطيئة، ومما حصل من فساد وانهيار في لبنان، وكأنهم لم يشاركوا في هذه السلطة الفاسدة طيلة سنوات.
وهل هناك أبشع من أن ترى الحاكم ومن بيده الأمر، يتنصّل من المسؤولية ويُلقي باللوم على الآخرين؟
لم يعد بالإمكان إيهام اللبنانيين والاستمرار في الكذب عليهم، وإن محاولات بعض المسؤولين في ترميم صورتهم التي يمقتها الشعب، أصبحت غير مجدية ولن تفيدكم بشيء.
نعلم أنها لو وجدت إرادة صادقة للإنقاذ، فإن الخلاص من الأزمات ممكن وليس مستحيلاً. لكننا نعلم أيضاً أن حظ اللبنانيين عاثر بوجود مسؤولين لا يهتمون سوى بمصالحهم، ويبدو أنه كُتب علينا الانتظار طويلاً بعد.