#الثائر
- " اكرم كمال سريوي "
في ١٨ آب الماضي، فجأة ودون سابق إنذار، توقّف برنامج «صار الوقت» الذي يقدّمه مرسال غانم على شاشة تلفزيون MTV، وانتشرت بعد ذلك إشاعات عديدة، عن خلاف مرسال مع المحطة، التي أصدرت بياناً نفت فيه ذلك، وقالت إنها فرصة صيف تأخرت بسبب الأوضاع والأحداث في لبنان، وأن البرنامج سيعود قريباً، إِلَّا إذا حدث شيء ما.
كان اللبنانيون لسنوات طويلة يتابعون «كلام الناس»، البرنامج الأكثر شهرة على محطة LBC، مع مرسال غانم، الإعلامي الذي أتقن فن المحاورة، واستضاف العديد من الشخصيات اللبنانية والعالمية، وتربع على عرش البرامج السياسية، ولطالما أحرج ضيوفاً وجعلهم يترنحون على حافة السقوط، ثم يُنقذهم بحركة ذكية منه كي لا يسقط معهم اللقاء.
سنوات طويلة قضاها مرسال غانم، قدم خلالها الكثير لمحطة LBC، وفتحت له هي الأبواب، ومنعت عنه المنافسين. وفي عام ٢٠٠٢ عندما بدأت زميلته شدا عمر، تقديم برنامج «انت الحدث» وكادت تخطف منه الأضواء تم وقف البرنامج فوراً.
انتقل مرسال إلى محطة MTV تاركاً خلفه «كلام الناس» وفي الوقت الضائع، إعلاميون كُثر؛ كوليد عبود، البير كوستنيان، وجورج صليبي، وليال بو موسى، ورامز القاضي، طوني خليفة، وغيرهم، وعلى عدة محطات تلفزيونية، حاولوا الاستفادة من غياب مرسال غانم، وقدموا برامج سياسية متنوعة، وبذلوا جهوداً مكثفة، لكن لم يأخذ أحد منهم وهج برنامج «كلام الناس».
انطلاقة مرسال غانم الجديدة مع «صار الوقت» كانت لابأس بها، لكن مع مرور الوقت، تحوّل هذا البرنامج، إلى حديقة خلفية، لساحتي الشهداء ورياض الصلح.
جمهور متنوع في الاستديو، من ممثلي معظم الأحزاب والقوى اللبنانية، لكنهم من الصف الرابع أو الخامس، أي أنهم من غير المطّلعين حقيقةً، على أسرار وسياسات أحزابهم، وجاؤوا فقط يغنون معزوفة معروفة سلفاً، كمن حضر إلى نادي الهواة، يردد أغاني الكبار دون إتقان، فحولوا برنامج «صار الوقت» إلى ما يشبه مقابلات المحتجين على الطرقات، مع رشال كرم. أي صراخ وصراخ، وكلام أشبه بالقصف العشوائي أيام الحرب الأهلية، أو بالأصح رمية من غير رامي.
أما ضيوف البرنامج، والمتخاصمون عادةً، فتضيع منهم الأفكار، وتتشابك الكلمات، مع مداخلات من كل حدب وصوب، ولو سألتهم بعد المقابلة عما دار فيها؟ لأجابوك: لا أدري.
وحده جورج غانم ، في بداية كل حلقة، أضاف نكهة مميزة إلى البرنامج، فتراه أشبه بفليب جوليكوف، رئيس جهاز الاستخبارات السوفياتية الكي.جي.بي. يوم كان يقدم تقريره المختصر إلى جوزيف ستالين، عن خسائر الحرب العالمية الثانيةعام ١٩٤١.
أمّا مقدم البرنامج، فأصبح شخصاً آخر، فتخلى عن اتزانه المعهود، واعتداله ورزانته، وحتى عن موضوعيته أحياناً، لينجرف في موجات غضب جارف، يوزع خلالها الشتائم والإهانات، على كل المسؤولين والمقامات. فكان كلامه «فشة خلق» للناس المقهورين والغاضبين على هذه السلطة العاجزة الفاسدة، لكنه خلق له الكثير من الأعداء. فلبنان ما زال جماعات طائفية وحزبية، منقادة خلف شعاراتها وزعاماتها، بشكل غرائزي أعمى، لا يقبل النقد أو الانتقاد.
غداً يعود مرسال غانم عبر صار الوقت، بعد أن خسر الكثيرين من متابعيه وهواة البرامج السياسية في لبنان، وربما هي فرصته لإنقاذ برنامجه من هذه الدوامة، والحفاظ على سمعته كإعلامي محترف، قادر على إيصال الرأي الحر، دون الانزلاق إلى الدرْك السفلي للإعلام.