تابعنا عبر |
|
|
الثائر تقدم لكم تقنية الاستماع الى مقالاتها علّم أي مقطع واستمع إليه
#الثائر
رئيس تحرير "الثائر" اكرم كمال سريوي -
إن حالة الطوارئ في القانون اللبناني هي نظام مدني، يمكن وضعه موضع التنفيذ لمواجهة الأخطار الداهمة، الناشئة عن خلل خطير في السلامة العامة، أو عن حوادث تأخذ طابع الكارثة العامة.
ويستند إعلان حالة الطوارئ أو المنطقة العسكرية في لبنان، إلى نص المرسوم الاشتراعي رقم 52 تاريخ 1967/8/5.
وقد أعلن لبنان حالة الطوارئ عدة مرات، آخرها عام 2020 لمواجهة أزمة جائحة كورونا .
تدور الحرب في جنوب لبنان منذ سنة تقريباً، وتوسّعت في الآونة الآخيرة لتشمل كل المناطق، وتفرض إسرائيل حصاراً بحرياً وبرياً على لبنان، وتهدد باجتياح منطقة جنوب الليطاني.
وهناك بعض الأصوات في إسرائيل، التي تدعو إلى ضم هذه المنطقة، وتهجير أهلها، وإقامة مستوطنات إسرائيلية فيها، إضافة إلى دعوات لنقض اتفاق الحدود البحرية مع لبنان.
تسببّت الحرب بنزوح مئات الآلاف من الجنوب والضاحية الجنوبية، وقسم كبير منهم يفترش الطرقات في العاصمة بيروت وغيرها من المدن والقرى، ولا يجدون مأوى لهم حتى ولو خيمة صغيرة.
تتعاطى الحكومة اللبنانية مع الوضع الحالي وكأنه مرحلة عادية، وكل الإجراءات المتخذة لا ترقى إلى مستوى المعالجة، ولا تنمّ عن شعور حقيقي بالمسؤولية.
تتذرع الحكومة بنقص الإمكانات والتمويل اللازم، لكن هذه التبريرات غير مقنعة من دولة اقترضت وانفقت عشرات مليارات الدولارات في مشاريع غير منتجة، وذهبت غالبية هذه المبالغ في جيوب السماسرة والتجار والسياسيين.
ثم ترفض الآن أن تفعل ما يلزم لإيواء النازحين!!!!!
لماذا لا تطلب الحكومة من المجلس النيابي منحها صلاحيات استثنائية، لمعالجة الأزمات المتعددة، ولماذا لم تجتمع بعد ولم تُعلن حالة طوارئ في البلاد؟ فهل من ظرف أصعب من هذا الظرف وُضعت لأجله نصوص إعلان حالة الطوارئ في لبنان ؟؟؟!!!
حكومة تتفرج على بلد يُستباح ويُدمَّر، وشعب يُقتل كل يوم من قبل إسرائيل بدعم وغطاء أمريكي، ومع كل هذا لم تُقدّم الحكومة حتى ولو شكوى، لا للأمم المتحدة، ولا أمام المحاكم الدولية.
فيما ما زال بعض الأحزاب السياسية ينتظر نتائج الحرب، ليقرر كيف سيبني موقفه من انتخاب رئيس للجمهورية، وربما ينتظر البعض أن تقضي إسرائيل على حزب الله، حتى يتسنى له فرض شروطه في المعادلة الجديدة.
كيف ستنتهي هذه الحرب؟؟؟
لا شك أن إسرائيل تملك تفوقاً في الاسلحة، وهي مدعومة بشكل كامل من الغرب، ولولا هذا الدعم لما استطاعت أن تصمد لا عسكريا ولا من ناحية اقتصادية، فالحرب كلّفت إسرائيل حتى الآن ما يزيد عن 70 مليار دولار، إضافة إلى الخسائر البشرية والعسكرية.
منذ عام تقريباً تقول إسرائيل أنها تضرب أهدافاً عسكرية لحزب الله، وأنها دمرت معظم قدراته العسكرية، لكن سرعان ما اتضح عن أول احتكاك بري، أن الحزب ما زال بكامل جهوزيته العسكرية على الحدود مباشرة، وليس فقط في العمق، وأوقع خسائر كبيرة بقوات النخبة الإسرائيلية، التي حاولت التسلل إلى الأراضي اللبنانية.
وضعت إسرائيل سيناريو مشابهاً لغزة في لبنان، وهو يهدف لقتل قيادات حزب الله السياسية والعسكرية، ثم التفاوض مع لبنان من موقع القوة، وفرض اتفاق جديد، يضمن فرض الشروط الإسرائيلية على لبنان .
لا تريد إسرائيل تطبيق القرار 1701 لأنه لا يناسبها، فهي ترغب بالإبقاء على احتلالها للتلال الاستراتيجة الثلاثة عشر على الحدود، وترفض الانسحاب منها، كما تريد الاحتفاظ لنفسها بحق انتهاك السيادة اللبنانية، وتحليق طائراتها بشكل دائم في الأجواء اللبناني، بحجة مراقبة خطوط امداد حزب الله، ومنع وصول الأسلحة إليه.
بعد الانفتاح الذي ابداه الرئيس الإيراني بزشكيان على محادثات السلام وإقامة علاقة جيدة مع دول المنطقة، ومع الولايات المتحدة الامريكية أيضاً، وإعلان إيران عدم رغبتها بالتورط في حرب شاملة ضد أمريكا وإسرائيل، قرأ الأمريكيون في ذلك، فرصة سانحة لاستمرا الحرب، وتوسعتها على جبهة لبنان، بغية كسر روح المقاومة وإلغاء أي صوت معارض، قد يقف في وجه المخطط الأمريكي الإسرائيلي لترتيب شرق أوسط جديد.
لم يخفِ نتنياهو هذا الأمر، وتحدّث علناً عن هذه الأهداف، ويسعى جاهداً لتحقيق ذلك، وتعالت أصوات أمريكية اليوم تؤيد استمرار الحرب على غزة ولبنان.
لكن عائقاً كبيراً ظهر أمام إسرائيل في مسألة الاجتياح البري للبنان، حيث تعثرت وحدات الاستطلاع التي توغّلت لمسافة قصيرة على الحدود، وتكبّدت خسائر كبيرة في الأرواح، وتبيّن للإسرائيليين أن معركة لبنان ستكون صعبة ومختلفة عن معركة غزة.
فهنا يوجد أسلحة متطورة لدى المقاومة، خاصة الصواريخ المضادة للدروع، التي يصل مداها إلى 10 كلم ودقة اصابة تفوق 99% ، في حين أن مدى الرمي الفعال الأقصى للدبابات هو 4 كلم، وهذا يوضح أن الدبابات باتت في كل ميادين القتال، تخسر المعركة في أي مواجهة مع سلاح الصواريخ المضادة للدروع، خاصة عندما تكون المدرعات تقاتل في مناطق جبلية، ومُجبرة على سلوك ممرات إلزامية، تحدُّ من حركتها وقدرتها على المناورة.
هذا طبعاً إضافة إلى سلاح المسيرات والصواريخ، التي تطال عمق إسرائيل، وستشكّل خطراً كبيراً على القوات الاسرائيلية، عندما تخرج هذه الوحدات من مخابئها، ومراكزها المحصنة، لتنتشر في مناطق مكشوفة.
النقطة الاهم في المواجهات البرية المتقاربة، هي ضعف دور سلاح الجو وسلاح المدفعية، فعندما تدور الاشتباكات على مسافة متقاربة تصل إلى حد الالتحام تعجز عن التدخّل، مما يسمح عندها بتفوّق مقاتلي حزب الله المدربين جيداً، والذين لديهم خبرات قتالية كافية وكبيرة، ويعرفون الأرض بشكل أفضل من الجنود الإسرائيليين.
كما أن رجال المقاومة الآن، بات لديهم دافع كبير لقتال الإسرائيليين، وتحولوا بغالبيتهم إلى استشهاديين، بعد ما قامت به إسرائيل من عمليات قتل للمدنيين، واغتيال لقيادات حزب الله، خاصة اغتيال الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله.
إن دخول إسرائيل إلى الأراضي اللبنانية يجعلها قوة احتلال، ويُعطي شرعية أكبر لعمليات المقاومة وسلاحها، ولن تنجح إسرائيل لا في إضعاف الحزب، ولا في القضاء على المقاومة، مهما اغتالت وقتلت من القادة العسكريين والسياسيين المعروفين لديها، فهذا السيناريو نفذته إسرائيل سابقاً وفشل، وانتهى بانسحاب إسرائيلي مذلٍّ من جنوب لبنان.
لا خيار أمام حزب الله سوى القتال حتى النهاية، مهما بلغت الخسائر والتضحيات، فهذه باتت حرباً وجودية للحزب، ولا يمكنه التراجع.
والقاعدة الذهبية في كل المواجهات بين أي احتلال ومقاومة لديه قضية، تتلخص بأنه: مهما نجح جيش الاحتلال في تحقيق ضربات مؤلمة، والحق من خسائر بعناصر المقاومة، ففي نهاية المطاف سيتم استنزافه، وسيخرج رغماً عنه، وتنتصر المقاومة.
هذا ما حصل مع الجيش الأمريكي في فيتنام، وقبله مع الجيش الفرنسي في الجزائر، ومع الجيش السوفياتي في افغانستان، وتكرر مرة أخرى مع الأمريكيين في افغانستان.
لن ينتصر جيش الاحتلال على مقاومة لديها قضية، وهذه القاعدة الذهبية لن يكون لها استثناء في فلسطين ولبنان، وبكل تأكيد في نهاية المطاف ستخسر إسرائيل هذه الحرب، مهما حققت اليوم من نجاحات تكتيكية، فهي لن تتمكن من تحقيق أهدافها المعلنة، ولا المضمرة، ولا من تبديل حقيقة أنها سلطة احتلال، تواجه شعباً يقاوم دفاعاً عن أرضه وحقوقه، ولن يتزحزح أو يتنازل قيد انملة عن هذه الأرض.
لقد باتت المعركة اليوم معركة كل لبنان، في مواجهة العدوان والأطماع الاسرائيلية، ولم تعد مقتصرة على حزب الله، وبات على كل اللبنانيين إدراك هذه الحقيقة والبحث عن سُبل الصمود ودعم المقاومة في مواجهة الوحشية والتغوّل الإسرائيلي، والخيار بات محصوراً، فإما أن تكون مع لبنان ومقاومته، وإما مع الخضوع لإسرائيل و والقبول بمخططاتها لإلغاء لبنان.