تابعنا عبر |
|
|
الثائر تقدم لكم تقنية الاستماع الى مقالاتها علّم أي مقطع واستمع إليه
#الثائر
- "د. ميشال الشمّاعي "
قد يبدو اليوم مستغربًا طرح موضوع الحياد الذي سارت به بكركي وراعيها في ظلّ ما تعرّض له مرفأ بيروت على وقع تسوية حكوميّة ليس من المعروف إذا قد يكتب لها النّجاح، لكن من المهمّ متابعة المسار الذي سلكه طرح البطريرك الراعي لاستشراف المدى الذي أخذه وصولا إلى إمكانيّة ترجمته فعليًّا على أرض الواقع. فوسط هذه الحالة المأزومة من الجهات جميعها يدخل الملف الحكومي في مرحلته النهائيّة اليوم، على أمل أن تكون إيجابيّة لصالح الوطن.
ممّا لا شكّ فيه أنّ المسار التصاعدي الذي سار فيه سيّد بكركي قد استطاع أن يحقّق تمايزًا سياسيًّا يسجّل له، لكن الأحداث التي ترافقت مع طرحه هذا قد غطّت عليه وأشاحت بالأنظار عنه لمدى فداحة الحدث الانفجاري إنسانيًّا ووطنيًّا، فانحرف الاهتمام الدّولي من الملفّ السياسي البحت إلى الملف الانساني، ما أدّى بأن يصبح طرح الحياد عن الدّرجة الأولى التي استحوذها منذ الخامس من تمّوز حتّى تاريخ الرابع من آب المشؤوم.
ممّا لا شكّ فيه أنّ البطريرك الماروني استطاع أن يرفع هذا المطلب إلى دول القرار ليشكّل حيّزًا بالغ الأهميّة في دعمهم القضيّة اللبنانيّة التي صارت تطرح على المنابر الدّوليّة انطلاقًا من الحلّ الذي طرحه سيّد بكركي. من هنا تتجلّى أهميّة هذا الطرح الذي حمل لبنان السياسي إلى العالم أجمع، وكارثة المرفأ حملت لبنان الانساني بالتوازي مع السياسي إلى المراتب الأولى عالميًّا. لذلك لا بدّ من مراقبة حركة المجتمع الدّولي التي تقودها فرنسا في لبنان والتي لن تكون حركة مرحليّة كما ظنّ فريق السلطة.
كذلك من المهمّ قراءة عمليّة العقوبات الأميركيّة التي اعتقد أهل الحكم، قبل صدورها بحقّ الوزيرين: فنيانوس وخليل، أنّها سقطت والديبلوماسيّة الفرنسيّة الخفيفة Light هي التي ستتولّى إدارة الملفّ اللبناني. لكن ما فاجأ أهل السلطة تلك الحدّة الفرنسيّة التي واكبت الديبلوماسيّة الأميريكيّة وقرّرت السير بعقوبات أوروبيّة مواكبة لتلك الأميركيّة، فانعكس ذلك تسريعًا للملف الحكومي الذي كان يخضع لتجاذبات أهل السلطة التي بقيت معتقدة بأنّها ستستطيع التحايل على الديبلوماسيّة الفرنسيّة والالتفاف عليها، وربّما للتفلّت من العقوبات الأميركيّة.
يبدو أنّ الرسائل الديبلوماسيّة قد وصلت، وهذا يؤشّر أنّ الطرح البطريركي سيسلك السبيل القانوني الأممي، وما تمّ ترويجه لضرب هذا الطرح عالميًّا سيسقط حتمًا. وسيأخذ طريقه الدّولي بمواكبة الديبلوماسيّتين الأوروبيّة والأميركيّة، وسيكون في القريب العاجل مادّة دوليّة دسمة لإنهاء الأزمة اللبنانيّة تزامنًا مع اقتراب الانتهاء من ملفّ الترسيمين البريّ والبحري مع العدوّ الاسرائيلي، ليليهما ترسيمًا برّيًّا مع ما تبقى من دولة في سوريا بمعاونة دوليّة سيؤمّنها الرّوس.
ذلك كلّه، سيفاجئ الجميع، لا سيّما وأنّ المجتمع الدّولي ما زال حتّى هذه اللحظة يحاول حصر مشكلة سلاح حزب الله في لبنان، لكنّ هذا الأخير بتزلّمه لولاية الفقيه الخارجة عن الكيانيّة اللبنانيّة قد جعل من نفسه مشكلة دوليّة، والحلّ سيكون دوليًّا بإعادة الحزب إلى صلب الكيانيّة اللبنانيّة سياسيًّا ووجدانيًّا. وقد بدأت هذه المرحلة بالعودة ميدانيًّا من الساحة السوريّة تحت الضغط الروسي، وبتنسيق ديبلوماسيّ أممي أميركي- أوروبي-روسي. يبقى أنّ العودة الوجدانيّة للمكوّن الشيعي إلى صلب الكيانيّة هي من مهمّة العقلاء في هذا المكوّن، وهم كثر، ولبنانيّون صميميّون.
مسار الحياد الناشط لن يكون طويلا كما يسوّق له فريق السلطة، بل سيفاجأ هؤلاء بالسرعة التي سيأخذها هذا الملف ليتحقّق معه لبنان بحلّته الجديدة كما يريده أكثر من ثلثيّ أبنائه، وكما يريده المجتمع الدّولي. فالاجماع حول هذا الطرح هو أبريوريٌّ وليس بحاجة كما يسوّق حزب الله إلى إجماع سياسيّ كونيّ ليضعه في خانة المستحيل. الحياد سيكون نجم المرحلة المقبلة بعد الانكفاء السياسي الحكومي نتيجة " السحسوح الأممي".
إلا إذا قرّرت هذه السلطة إسقاط الهيكل على رؤوس الجميع لتقتطع لنفسها بقوّة وهج سلاحها غير الشرعي، أو حتّى بقوّته الفعليّة إن لم تستطع بقوّة وهجه، أمر واقع ستتحدّى به المجتمع الدّولي. وعندها قد نقل هذا المجتمع تدخّله من الديبلوماسي إلى العسكري لا سيّما مع تواجده الكثيف في مرفأ بيروت وفي المتوسّط، وهناك البكاء وصرير الأسنان.