تابعنا عبر |
|
 |
الثائر تقدم لكم تقنية الاستماع الى مقالاتها علّم أي مقطع واستمع إليه

#الثائر
- " اكرم كمال سريوي "
أضاف الرئيس المكلف نواف سلام معضلة جديدة، إلى مجمل التعقيدات اللبنانية، التي تواجه دائما تشكيل أي حكومة.
فالشرط الذي وضعه سلام بعدم توزير حزبيين، لم يُعجب قوى حزبية عديدة، أبرزها القوات اللبنانية، التي اعترضت علناً على هذا الشرط، وقال رئيسها سمير جعجع : "منطق عدم وجود أحزاب في الحكومة لا نقبل به، ونحن كحزب نريد أن نشترك فيها”، مضيفاً: “العمل السياسي يقوم على الأحزاب، ولا يجوز معاملة حزب أساء للبنان كما تُعامَل القوات".
ورداً على سؤال حول حقيبة المالية قال جعجع: "نحن مع أن تعطى وزارة المالية هذه المرة الى شيعي ولكن ليس لأحد له علاقة بـ"حزب الل" وحركة "امل".
يحق طبعاً للقوات اللبنانية أن تطلب ما تشاء من الرئيس المكلف، ولها الحرية المطلقة في المشاركة أو عدم المشاركة في الحكومة، لكن لا يحق لها أن تفرض على الرئيس المكلف، شروطاً باستبعاد أحزاب أو أطراف أو مذاهب أخرى عن الحكومة.
فالقوات اللبنانية تمثّل شريحة من اللبنانيين، نال مرشّحوها حوالي 166 الف صوت تفضيلي، لكن هذا العدد هو من أصل ما يقارب أربعة ملايين ناخب لبناني، لم يقترع منهم في انتخابات 2022 الأخيرة سوى نسبة 41%، وهذه الأرقام توضح أنه لا يمكن لاي حزب أو فئة، أن تدّعي احتكار تمثيل اللبنانيين والتحدث باسمهم.
ومن الواضح أن لغة الإقصاء تزيد الأمور تعقيداً، ولا تُسهّل تشكيل الحكومة، واستمرار هجوم البعض على حزب الله والثنائي الشيعي بهذا الشكل التخويني العنيف، يخلق رد فعل مذهبي، لا يخدم مصلحة وحدة لبنان، بقدر ما يصب في تغذية الفتن الطائفية، وتعطيل مسار الاصلاح، فالانقاذ لن يحصل بالمخاصمة ومحاولات الكسر والاستبعاد والالغاء.
وحدها إسرائيل ستستفيد من هذا الانقسام، وهي تسعى لوضع فئات لبنانية في مواجهة حزب الله.
وهناك طبعاً أحزاب، قد توافق القوات اللبنانية الرأي، في مسألة تعيين حزبيين في الحكومة، ففي كل دول العالم يحتاج الائتلاف الحكومي إلى دعم الاحزاب المُمثّلة في البرلمان، ويجب عدم إغفال أن الوزراء الحزبيين، يمكن محاسبتهم على الفشل، ليس فقط من قبل الرأي العام أو البرلمان، بل من قبل أحزابهم أيضاً.
ولكن المعضلة الآن في توزير الحزبيين في لبنان، هي أن البعض يريد هذا الحق لنفسه، ويمنعه عن الآخرين.
فالمطالبة بتوزير حزبين من القوات اللبنانية، لا تستقيم مع المطالبة بعدم توزير اعضاء من حزب الله أو حركة أمل، أياً تكن الحجج والتُّهم المُساقة، فهي في نهاية المطاف رأي فريق لبناني بفريق آخر، وكل تخوين يقابله تخوين مضاد، ولا طائل من الاستمرار بهذا السجال.
ويشير البعض إلى أن مطلب سلام بعدم توزير حزبيين، هو استجابة لمطالبة خارجية، وتحديداً أمريكية، بإبعاد حزب الله عن الحكومة. لكن هذا المطلب قد يكون فقط من بنات أفكار من يريد اقصاء الحزب، لأن الادارة الاميركية لم تتحدث بشكل علني عن أنها ترفض وجود حزب الله في الحكومة، أو أنها تربط مساعداتها للبنان بهذا الأمر.
كما أن الرئيس المكلف يريد حكومة اختصاصيين خارج المحاصصة الحزبية، كي لا تقع حكومته أسيرة المناكفات والتناقضات السياسية اللبنانية.
المعضلة الثانية
تكمن في فصل النيابة عن الوزارة، فهذا المعيار الذي وضعه الرئيس سلام، قضى على أحلام عدد كبير من النواب الطامحين إلى التوزير.
وبالرغم من أن هذا المعيار يتوافق مع مبدأ فصل السلطات، الذي نص عليه الدستور اللبناني في مقدمته في الفقرة ه- "النظام قائم على مبدأ الفصل بين السلطات وتوازنها وتعاونها." إلا أنه أيضا في نفس الوقت يتعارض مع نص المادة 28 التي أجازت الجمع بين النيابة والوزارة، ولذلك رأى البعض في هذا المعيار مخالفة للدستور.
وفي الحقيقة فإنه يحق لرئيس الحكومة المكلف أن يختار الوزراء من غير النواب، لكن لا يحق له أن يجعل النيابة، او الترشح للنيابة، مانعاً للتوزير، فبذلك يكون قد ارتكب مخالفة صريحة للدستور.
أما المعضلة الثالثة،
فهي لا ترتبط فقط بمطالبة الشيعة بوزارة المالية، بل بالأعراف التي كرستها الحكومات السابقة، في احتكار الطوائف الكبرى، لما يُسمّى بوزارات سيادية، فباتت وزارتي الدفاع والخارجية للمسيحيين، وتحديداً للموارنة والأرثوذكس، ووزارتي الداخلية والمالية للسنّة والشيعة، وتم استبعاد باقي الطوائف عن هذه الوزارات، وهذا العرف المبتدع غير دستوري ومخالف للأعراف السابقة، ولمبدأ المداورة، الذي يطالب به البعض، كما أنه ينتقص مَن حقوق باقي الطوائف ووطنية أبنائها.
وهناك أيضًا معضلة رابعة،
وهي توزيع الوزارات المسماة خدماتية، وإصرار بعض الاحزاب والقيادات على المطالبة بها، للامساك بتوزيع الخدمات على المناصرين لها، مما يوضح نية هؤلاء الصريحة والعلنية باستغلال الوزارات والوظائف العامة في خدمة مصالحهم الخاصة، وليس لخدمة كل اللبنانيين.
فالوزارة يجب أن تعمل لخدمة المصلحة العامة، دون تمييز بين المناطق والمذاهب اللبنانية، ولو تم تطبيق هذا المبدأ، لما تهافتت الأحزاب اللبنانية على ما يسمى وزارات خدماتية.
ما زال الرئيس المكلف يبدي مرونة في التعاطي مع جميع الأطراف، لكن واضح أن التعقيدات تزداد يوماً بعد يوم، وتبدو الحلول التي يقدمها سلام غير مرضية لكافة الكتل النيابية، فكل المعضلات التي ذكرناها، بسيطة أمام معضلة توزيع 24 مقعداً وزارياً على 128 راغباً بالتوزير، فإذا كانت الحكومة تتسع لتمثيل الجميع، لكنها لا تتسع لتلبية مطالب كافة الكتل، خاصة أن بعض الاحزاب يغالي كثيراً في مطالبه، ويريد أن يفرض هيمنته على الحكومة وعلى الرئيس المكلف، وربما البعض يريد إحراجه فإخراجه.
كما أن اصرار الرئيس المكلف على حكومة اختصاصيين غير سياسية، لا يتوافق مع المهمة الأساسية للحكومة، المنصوص عليها في المادة 65 من الدستور، التي اوكلت السلطة الإجرائية إلى مجلس الوزراء مجتمعاً، وأولته صلاحية وضع السياسة العامة للدولة.
فالدولة ليست شركة تجارية، تحتاج ادارتها إلى فنيين متخصصين في مهن معينة، وحائرين على شهادات علمية عالية، بل تحتاج إلى خبراء في السياسة والشأن العام، ويمكن للوزير أن يستعين في أي وقت، بكبار الأساتذة والمتخصصين الفنيين.
هذه المعضلات وغيرها استدعت تدخل المبعوثين العرب، خاصة المصري والسعودي، لحلحلة بعض العقد، وربما الضغط على بعض الأطراف للتواضع قليلاً في مطالبهم، وتسهيل تشكيل حكومة، لن يزيد عمرها عن سنة وأشهر قليلة.
ورغم أنه من غير المرجح أن يستسلم الرئيس سلام أو أن يعتذر عن التكليف، تبقى الصورة القاتمة التي يعطيها الأفرقاء اللبنانيون، عن كيفية التعاطي مع المرحلة القادمة، وهذا القصور السياسي في حل المشكلات، دون تدخل خارجي، الذي بات يشبه طلب الوصاية على لبنان.