#الثائر
- د. ناصر زيدان - الانباء
اما وقد وافق العدو الإسرائيلي اخيراً على وقف اطلاق النار، بعد ارتكابه مجازر يندى لها جبين الانسانية، متجاوزاً كل القرارات الدولية، ومخالفاً اعراف الحروب وما يفرضه القانون الدولي الإنساني؛ فإن ما تحمله الجنوب، "وما تأتىَ بسببه من أخطار لا تُعد ولا تحصى على لبنان" (والتعبير للإمام موسى الصدر) كل ذلك يفرض اعتماد استراتيجية دفاعية، تحمي اللبنانيين وتحفظ تضحيات الجنوبيين؛ تعتمد على المشروعية الوطنية والدولية، وتستخدم الوسائل المناسبة لردع العدو، من دون أن يُترك لهذا العدو حجَّة يستخدمها لتغطية ارتكاباته، وهو كان يستخدم مثل هذه الحِجج إبان عدوانه على لبنان في الماضي، واستند عليها في عدوانه الأخير، مُدعياً بأنه يقاتل "ايران" ويدافع عن نفسه بعد أن تمَّت مهاجمته من قبل المقاومة على حدِ ما كان يذكُر. وربط المقاومة بأطراف خارجية يضعف مكانتها ويشوه تضحياتها.
تحمَّل الجنوب وأهله النجباء نكبات متعددة، لم يسبق أن تحمَّل مثلها سوى شعب فلسطين الجبار، اما لبنان؛ فقد لاقى عذاباً شاقاً منذ ما يزيد عن نصف قرن، وبالتوازي مع عذابات الجنوب وفلسطين. ومصدر الخطر والاعتداءات والقلاقل واحد، منبعث من كيانٍ اسرائيليٍ غاصب، احتلَّ غالبية أرض فلسطين، ويمارس العدوان على سوريا ولبنان، ويفرض بلطجة أمنية على المنطقة العربية برمتها. وهذا العدوان مدعومٌ من قوى غربية ارتكبت الموبقات عبر التاريخ بحقِ شعوبٍ عديدة ومنهم اليهود، وتحاول التكفير عن ذنوبها بالإقتصاص من المنطقة العربية، وعلى حساب الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، كما على حساب مستقبل اللبنانيين في الجنوب والسوريين في الجولان.
على أمل أن ينعم لبنان وجنوبه باستقرارٍ نسبي، بعد النكبات الموصوفة التي أصابته من العدوان الذي ترافق مع حرب إبادة ارتكبتها قوات الاحتلال الإسرائيلي ضد أهل غزة في فلسطين. فللجنوب حكاية خشِنة مع الآلام والعذاب، بدأت مع اعلان اغتصاب فلسطين في العام 1948، وتهجير قسم من أهلها الى لبنان، ومرَّت بمراحل متعددة في العام 1967 وفي العام 1969 وخلال أيلول الأسود عام 1970 وصولاً الى حرب العام 1973 واجتياح العام 1982، واستمرَّ العدوان الإسرائيلي ليومنا هذا، رغم انسحاب الاحتلال من الجنوب في العام 2000 بفضل عمليات المقاومة.
الإمام موسى الصدر رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى وهو شخصية استثنائية حظيت بمكانة رفيعة عند الجنوبيين واللبنانيين عامةً؛ وبعد أن أعلن تأسيس " أفواج المقاومة اللبنانية - أمل" أصدر قبل اختفائه وثيقة سياسية في العام 1977، أعلن فيها أنه لا يرضى أن يتحول جنوب لبنان الى ساحة ميدان للصراعات الدولية والإقليمية على حساب أهله، كما دعا الى تدعيم صمود الجنوبيين وحمايتهم من خلال تعزيز الجيش اللبناني، وحصر السلاح بيد الجيش وتشكيل فصائل شعبية مساندة له وتأتمر بقيادته في مواجهة أي عدوان إسرائيل. وقال الصدر في الوثيقة: أن مصلحة الشيعة تتحقق من خلال الدولة اللبنانية الواحدة والمُتماسكة بكلِ مكوناتها. وطالب بتطوير نموذج الحكم لإخراجه من المحسوبيات الى نظام يعتمد على مؤسسات تستند في ادارتها على الكفاءة النزاهة والاستقامة.
صحيح أن الصدر كان يغمز من قناة إنفلاش السلاح الفلسطيني على الساحة الجنوبية في ذلك الزمن، رافضاً تحويل لبنان الى جبهة مواجهة وحيدة، في الوقت الذي اخرجته قمة الخرطوم العربية للعام 1967 من مجموعة دول المواجهة لإسرائيل، على أن يكون دوره مسانداً لأي مشروع تحرير عربي متفق عليه. لكن هدف الصدر الأساسي كان صيانة مصالح الجنوبيين وحمايتهم من العدوان، وهو قال "أنا مستعد لتقديم حياتي كي تتوقف آلام الجنوب" ولا يُغفل على أحد أن الإمام الصدر كان من أكثر المؤيدين للنضال الفلسطيني، وهو صاحب شعار "إسرائيل شرٌ مطلق".
وإذا كان الشيء بالشيء يٌذكر؛ فلا بد من التذكير بأهمية "اتفاق الهدنة" الذي وقعه ممثلون عن الحكومة اللبنانية وعن حكومة الاحتلال الإسرائيلي في 23 آذار من العام 1949، وخلاصته إيقاف العمليات العسكرية بين البلدين، من دون أن يعني ذلك انهاء حالة العداء بينهما. وقد تضمَّن الإتفاق مجموعة من البنود فرضت عدم قيام أي من الطرفين بإعمال حربية تستهدف أراضي الطرف الآخر. ولكن ربما يكون الأبرز في مضمون المعاهدة - وما زال يتماشى مع واقع اليوم - هو ما ورد في المادة (3) البند (3) منها، حيث جاء فيه حرفياً " لا يجوز السماح بانطلاق أي أعمال حربية من أراضي أحد أطراف المعاهدة ضد أراضي الطرف الآخر مهما كان نوعها أو مصدرها، ولا يجوز أن تتحوَّل جانبي الحدود الى منطقة توتر" وقد تألفت لجنة مراقبة لهذه الهدنة من الفريقين ومندوب عن الأمم المتحدة بموجب المادة 6 من الاتفاق.
التطورات المتلاحقة، والاعتداءات الإسرائيلية؛ لم تلغِ كون كلام الإمام الصدر ومُندرجات اتفاق الهدنة؛ يبقيان الأكثر مُلاءمة لمصالح الجنوبيين وللدولة اللبنانية، برغم أهمية القرارات الدولية ذات الصلة والتي صدرت تباعاً، لاسيما منها القرار 1701/2006، ووثيقة الصدر واتفاقية الهدنة يحاكيان وقائع لا يمكن القفز فوقها كعناصر ضرورية لحفظ الاستقرار، وإلزام المجتمع الدولي والشرعية الدولية بالوقوف الى جانب اللبنانيين كأصحاب حقٍ دامغ لا لٌبس فيه. خصوصاً منها ما يتعلَّق بحصرية الدفاع عن اللبنانيين بالجيش اللبناني مع إمكانية الاستعانة بمجموعات من أهل الجنوب تحت أمرته، وايضاً عدم تحويل الجنوب الى ساحة صراعات دولية او إقليمية مهما كان نوعها.
المصدر: الانباء