#الثائر
- " اكرم كمال سريوي "
تحدًث رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتانياهو،عن أنه يريد أن تكون هذه حرب إسرائيل الأخيرة، وكذلك عن تغيير خارطة الشرق الأوسط، لكنه لم يكشف تفاصيل هذا المخطط، الذي يتحدث بعض المطلعين عليه، على أنه مدعوم من الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب .
الخطوط العريضة لمشروع إسرائيل واضحة المعالم، وتحدث عنها وزراء وأعضاء في الكنيست الاسرائيلي، وهي تتضمن القضاء على أي مقاومة لإسرائيل، أكان في غزة أو الضفة أو لبنان وباقي الدول العربية، هذا إضافة إلى تحجيم دور إيران وتقليص نفوذها، وإعادتها إلى داخل حدودها، وفق التعبير الأمريكي الإسرائيلي.
تستخدم إسرائيل القوة المفرطة، وأكثر الأسلحة والقنابل الأمريكية والغربية فتكاً، لتنفيذ هذا المشروع.
والحقيقة أن بعض السياسيين والمحللين، أخطأوا عندما قالوا أن إسرائيل لا تحتمل حرباً طويلة، فها هي تقاتل منذ حوالي 14 شهراً، ولا تريد وقف هذه الحرب رغم الخلاف بين الحكومة والجيش على اليوم التالي، هذا الخلاف الذي اطاح بوزير الدفاع يوآف غالنت.
تحدث نتنياهو عن رؤى توراتية، وحرب وجود، وسعي لإسرائيل الكبرى التي ستكون القوة المهيمنة المتفوقة والمطلقة الصلاحيات في هذه المنطقة من العالم.
منذ 7 اكتوبر العام الماضي وإسرائيل تعيش وهم الانتصار والقضاء على أعدائها، واعتقد نتنياهو أنه سيفعل ذلك في غضون شهر إلى ثلاثة أشهر كحد أقصى، أما اليوم فبات غارقاً في الأزمات، ولا يدري كيف سيوقف هذه الحرب، وهو لم يحقق أي هدف من تلك الأهداف، التي أعلن عنها في بداية الحرب، والأسوأ من ذلك أنه يدرك أن الوقت يضيق، ولا بد من وقف الحرب في النهاية وإيجاد تسوية ما.
أصدر كبار ضباط جيشه توصية بوقف الحرب، وأكّدوا أن اطالة أمد الحرب بات يستنزف قدرات الجيش، وينال من معنويات عناصره، لأنه يتكبد خسائر يومية، وفشل في حماية مواقعه والداخل الإسرائيلي، من صواريخ ومسيّرات المقاومة، التي نجحت في الوصول إلى أهداف حساسة داخل إسرائيل، وباتت كل يوم تُثير القلق والذعر داخل صفوف الجنود والمستوطنين.
لقد بات نتنياهو من وجهة نظر القانون الدولي مجرم حرب، ومطلوب توقيفه، وهناك 125 دولة وقّعت على اتفاق روما، وهي ملزمة بتوقيفه في حال دخل أراضيها، كما أن الدول غير الموقعة على الاتفاق، باتت مُحرجة في استقبال مجرم حرب، ومطلوب للعدالة الدولية، على أراضيها.
نتنياهو المتهم بجرائم فساد، ويتهرب من المحاكمة داخل إسرائيل، اشتد عليه الخناق، وكان الارتباك بادياً عليه في اطلالته الأخيرة، التي شن فيها هجوماً على المحكمة الجنائية الدولية، متهماً اياها بمعاداة السامية، هذه الأكذوبة التي لم يعد يصدقها حتى نتنياهو نفسه.
أمام هذا الواقع، سيذهب نتنياهو إلى خلق مزيد من الفوضى في المنطقة، خاصة في الأماكن التي تطالها يد الموساد، وتحديداً في لبنان، وسوريا، والعراق.
تحاول إسرائيل أن تستفيد من الانقسامات المذهبية الحاصلة في هذه الدول، وتشجّع على إقامة دويلات طائفية.
ففي لبنان سيكون وقف الحرب على الحدود، مهماً لناحية وقف اطلاق الصواريخ على إسرائيل، وضمان أمن مستوطنات الشمال، بضمانات أمريكية ودولية، ولجنة مراقبة خماسية، تشرف على تنفيذ الاتفاق مع لبنان.
بعد وقف الحرب على جبهة الجنوب، ستستمر إسرائيل في اطلاق التهديدات والتحدث عن خرق حزب الله للاتفاق، وتأمل إسرائيل في احتدام الصراع داخل لبنان، خاصة حول مسألة نزع سلاح حزب الله، التي باتت بعض الأطراف السياسية، تعتبره هدفاً استراتيجياً لها، وربما يتقدم لدى هؤلاء على هدف وقف الحرب والعدوان الإسرائيلي على لبنان.
رغم إعلان الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم، أن الحزب سيكون تحت سقف اتفاق الطائف، لكن هذا لا يعني أن المقاومة ستسلم سلاحها للجيش، قبل النقاش في أمور عديدة، خاصة مسألة المشاركة في الحكم، وبالتالي سيعود السجال، حول دور هذا السلاح، الذي يرى فيه الفريق المعارض، أنه خطر عليه ولم يحمِ لبنان، فيما يرى الفريق المؤيد للمقاومة، بأنها نجحت في منع الإسرائيلي من تحقيق أهدافه، وصمدت وكبدت العدو خسائر كبيرة، وضربت حالة الأمن داخل الكيان الإسرائيلي، الذي وباعتراف الاسرائيليين أصبح مفقوداً، ولم يعد هناك من مكان آمن داخل إسرائيل ، وبالتالي خلقت المقاومة نوعاً من توازن الردع وإن يكن غير كامل.
هذه الهشاشة في الوضع اللبناني، إضافة إلى حالات التشنج، وغياب الوعي، وسيطرة الشعور المذهبي وتقدّمه على الشعور الوطني، ووجود عدد كبير من الموتورين ودعاة الحرب، والخطاب السياسي العالي السقف، ودعوات الفيدرالية والتقسيم، ورواسب الحرب الأهلية، والسلاح المتفلّت، كل هذه العوامل تجعل لبنان أرضاً خصبة للفتن، ولا تحتاج سوى إلى بعض الاغتيالات، التي قد يقوم بها الموساد، لتعم الفوضى، ويبدأ تبادل الاتهامات، ولغة التخوين ستكون حاضرة عند الجميع
وبعدها تبدأ الحرب.
من السهل تقاذف المسؤوليات، ولدى كل فريق ما يكفي من المنظّرين والمتحمسين لإلقاء اللوم على الطرف الآخر، وتبرير المواقف المتشنّجة والتعصب المذهبي، حتى ولو كانت خطوات متسارعة ومتسرّعة نحو الصدام والحرب، وحتى أن البعض بات يبرر لإسرائيل عدوانها على لبنان بحجة أن حزب الله هو الذي بدأ الحرب، ولا يلتفت هؤلاء إلى تاريخ الاعتداءات الاسرائيلية على لبنان منذ إنشائها وحتى اليوم.
فمشكلة لبنان، أن كل فريق يرى الوطن من منظاره، ويقبل به بقدر ما يخدم مصالحه، وكل طائفة تسعى إلى التسيّد والسيطرة على الطوائف الأخرى والاستئثار بالحكم، مرّة بحجة الأكثرية المذهبية، ومرّة باسم حقوق الطائفة، ومرة باسم هواجس الاقليات.
في المحصّلة يبدو أن غالبية اللبنانيين ما زالوا لا يرغبون ولا يقبلون بدولة يتساوى فيها ابناؤها، بل يتمسكون بهذا النظام الطائفي، الذي يولّد ازمات لا نهاية لها، وحروباً تتكرر كل بضعة سنوات، مرة باسم الثورة، ومرة باسم الدين، ويستنجدون فيها بكل دول العالم، ليساعدوهم على قتل بعضهم البعض، متجاهلين أنهم قضوا على لبنان، ولم يبق منه سوى فتات المذاهب والطائفية.
هذا المشهد اللبناني، ليس حكراً على لبنان، فيبدو أن عدوى الشعور تنتقل بسرعة، ومشروع الفوضى الخلاقة وتخريب الدول وخلق كيانات طائفية بات قدراً إسرائيلياً امريكياً على كامل منطقة الشرق الأوسط، وقادم الأيام أكثر سوداوية مما مضى، أو حتى مما يتصور البعض.