#الثائر
تدخل فرنسا وأوروبا في مزاج احتفالات إنزال النورماندي في الحرب العالمية الثانية، وبعدها الانتخابات الأوروبية، ومن ثم الألعاب الأولمبية وتحدي تطويق التهديدات الإرهابية ضدها. وبين كل هذه المواعيد وعودة أوكرانيا إلى واجهة الحدث الأوروبي، تصبح منطقة الشرق الأوسط في مرتبة ثانية وثالثة من الاهتمامات الأوروبية، لتبقى المنطقة بين الأيدي الأميركية قبل أن تدخل الولايات المتحدة بدورها المرحلة الأخيرة التي تسبق الانتخابات الرئاسية. منذ حرب غزة، تدرّج الاهتمام الأوروبي بلبنان، بين دول تحرص على تحييده حفاظاً عليه، وأخرى تريد حماية قواتها العاملة في القوات الدولية، وثالثة تفتش عن تثبيت موطئ قدم في المنطقة. لكن، كان ثمة إجماع على أن المخاوف والرسائل التي تنقلها غالبية هذه الدول وتتضمن تحذيرات من حرب إسرائيلية، ولا سيما من جانب فرنسا، تحمل مخاوف على مستقبل لبنان. وبقدر ما تعامل لبنان الرسمي بجدية مع هذه الرسائل، تم التعامل مع المبادرات بشقها التفصيلي – سواء ما يتعلق بالجنوب أو بالانتخابات الرئاسية – على أنها بدل عن ضائع، أي الدور الأميركي وما ينتج عنه من مساهمة في التوصل إلى وقف النار في غزة أو إيجاد مخرج للأزمة اللبنانية.
اليوم يتكرس أكثر الانشغال الأوروبي عن لبنان، في وقت تتجه الأنظار إلى الانتخابات الأوروبية المقبلة، والاحتمالات المتأتية عن صعود اليمين في دول الاتحاد وانعكاس ذلك على المشهد الأوروبي والدولي. وهذه الاحتمالات ستعيد حتماً قراءة الواقع الأوروبي وسياسات الحكومات القائمة تجاه دول الاتحاد والمنطقة، في وقت تترقب إسرائيل هذا الصعود من زاوية مختلفة.
ثمة انتظاران لبنانيان مرتبطان بأوروبا، واحد يتعلق بالنازحين السوريين وتعامل أوروبا مع مشكلة اللاجئين عموماً، ومؤتمر بروكسيل كان آخر الإحباطات اللبنانية، والتهديد الإسرائيلي المتتالي ضد لبنان.
في الشق الأول، ورغم محاولة البعض التخفيف من وقع الحادثة التي تعرضت لها السفارة الأميركية والتقليل من شأنها، إلا أنها تلفت نظر جهات أوروبية وفرنسية تتزايد مخاوفها من تصاعد موجة الإرهاب تزامناً مع الألعاب الأولمبية، وتضاعف في الوقت نفسه من إصرار هذه الدول على منع تدفق النازحين إليها عبر لبنان. والحادثة إياها تعطي مؤشرات إضافية إلى هذه الدول للتمسك بسياستها بإبعاد خطر الإرهاب عن أراضيها عبر إبقاء النازحين (من دون تعميم صفة الإرهاب على النازحين) حيث هم في الدول المضيفة. وما سينتج عن انتخابات اليومين المقبلين، لن يكون بعيداً عن الإحاطة بملف النازحين الذي يبقى في لبنان ملفاً متفجراً، وستكون لصعود اليمين في أوروبا تأثيرات على التحولات المتعلقة بمستقبلهم.
ثانياً، ينحسر الدور الأوروبي في موضع الحرب على غزة ووقف النار، ولا سيما بعد الدخول المباشر للرئيس الأميركي جو بايدن على خط الحدث. ورغم ما تثيره اللقاءات التي عقدها بايدن مع المسؤولين الأوروبيين على هامش احتفالات النصر من احتمالات تتعلق بالمنطقة، وبأوكرانيا بطبيعة الحال، إلا أن زمام المبادرة يبقى في يد الأميركيين. وهذا الأمر تتعامل معه إيران وحزب الله بواقعية، عدا حماس المعنية بوقف النار في غزة. لكن في ما يخص لبنان، فإن الأوروبيين، ورغم دورهم المتراجع لمصلحة الدور الأميركي إلا أنهم كانوا واضحين في رسائلهم المتخوفة من تدهور الوضع في لحظة غير محسوبة، وبخطأ ما يؤدي إلى اشتعال الحرب في الجنوب. لكن قدرة الأوروبيين على التأثير على إسرائيل تبقى ضئيلة مقارنة مع الولايات المتحدة. ومع ذلك ثمة انطباعات أوروبية بأن لبنان فوّت فرصاً عدة في الأشهر الماضية للخروج من المأزق، سواء بالنسبة إلى تطبيع الوضع الجنوبي بعيداً عن غزة، أو بالنسبة إلى إيجاد مخرج سياسي للأزمة الرئاسية، تعيد وضع لبنان تدريجاً إلى سكة الحل. في حين أن تدحرج الوضع خلال الأشهر الماضية، من شأنه أن ينزلق إلى مفترق خطر، في الوقت الذي ينشغل فيه العالم بملفات أخرى، كما يحصل اليوم. فعدم حصول الحرب كان في الأشهر الماضية نتيجة رغبة الطرفين في عدم توسعها، لكن ذلك لا يعني أن التهديدات في الآونة الأخيرة ليست جدية. ولو أن لبنان يتعاطى حتى الآن على قاعدة أن إسرائيل لا مصلحة لها بفتح جبهة جديدة، في وقت يهتم العالم بمفاوضات التهدئة في غزة، من دون الأخذ في الاعتبار أي احتمالات أخرى، ومنها أخطاء تؤدي إلى توسع الحرب، ومنها أيضاً تغيّر الحسابات لدى الأطراف المعنيين في إبقاء حرب الاستنزاف أو الانتقال منها إلى حرب شاملة.
هيام القصيفي - الاخبار