مقالات وأراء

قراءة هادئة في تقرير الفاريز - الذي يكشف المخالفات وبالأرقام كيف اختفت مليارات الدولارات!

2023 آب 25
مقالات وأراء

#الثائر


غازي وزني (وزير مالية سابق)

 

بعد أكثر من 23 شهراً على توقيعي العقد الاول للتدقيق الجنائي لمصرف لبنان المركزي مع شركة "ألفاريز أند مارسال" بصفتي وزيراً للمالية في حكومة الدكتور حسان دياب، صدر التقرير الاولي في 10 آب 2023 وينقسم الى 14 محوراً ويغطي فترة 2015-2020.

تفضي قراءة هادئة للتقرير إلى وضع الملاحظات الأولية الآتية:

1- كشف التقرير أن حاكم مصرف لبنان السابق وبعد موافقة المجلس المركزي، قام بهندسات مالية مكلفة جدا بلغت قيمتها 76 مليار دولار استفاد القطاع المصرفي منها بما يفوق 20 مليار دولار. شملت الهندسات المالية كلفة الفوائد والعوائد، فروقات سعر الصرف، العلاوات، كلفة شراء سندات الخزينة، تثبيت النقد وعمليات السواب.

2- أظهر التقرير توقيع مصرف لبنان ممثلا بحاكمه رياض سلامة مع شركة "فوري" التي يملكها أخوه رجا سلامة وبعد موافقة المجلس المركزي، عقداً لتسويق منتجات مالية لمصرف لبنان نذكر منها سندات اليوروبوندز وسندات الخزينة وشهادات الايداع مقابل عمولة 0.385% من قيمة العمليات. بلغت قيمة العمولات 333 مليون دولار في فترة 2002-2015 ودفعت من حساب في مصرف لبنان الى حساب في مصرف HSBC في سويسرا بإسم شركة "فوري".

3- أكد التقرير وجود عمولات غير مشروعة دفعها مصرف لبنان في فترة 2015-2020 بقيمة 111 مليون دولار الى أطراف لم تتمكن "ألفاريز" من تحديدها عبر سبعة مصارف منها ستة مصارف لبنانية (الموارد، عودة، مصرف لبنان، BLC، IBL، فرنسبنك) ومصرف أجنبي. ويوضح التقرير أن هذا "يبدو استمراراً لمخطط قيد التحقيق من قبل سلطات الادعاء اللبنانية والدولية".

4- طرح التقرير تساؤلات حول حساب حاكم مصرف لبنان السابق الشخصي في مصرف لبنان الذي بلغ 98 مليون دولار، منها 1.5 مليون دولار رواتب، والبقية هي شيكات أودعت في حسابه في فترة 2015-2020 أي ما يعادل 16.5 مليون دولار سنوياً ثم حوّل منها 75 مليون دولار الى 23 مصرفاً في الخارج.

5- أشار التقرير الى إخفاء حاكم مصرف لبنان السابق الارقام الحقيقية للخسائر في الميزانية العمومية لمصرف لبنان التي تجاوزت 50 مليار دولار عبر استخدام سياسات محاسبية غير تقليدية في إحتساب ما يسمى الـ Seignorage أي القيمة الابرائية للعملة، وتأجيله مصاريف الفوائد في ميزانية مصرف لبنان لاطفائها لاحقاً من ايرادات مستقبيلة. مكنت هذه السياسات المحاسبية الاستثنائية من اخفاء التدهور السريع والكبير للوضع المالي في مصرف لبنان وتقليل الخسائر خلال فترة 2015-2020. أنصف التقرير خطة التعافي المالي التي أعدتها حكومة حسان دياب في تحديد الخسائر التي قدرت حينذاك بحوالي 50.2 مليار دولار لدى مصرف لبنان وحوالي 18.6 مليار دولار لدى القطاع المصرفي وناقض بوضوح الارقام التي قدمت من لجنة المال والموازنة وجمعية المصارف التي أظهرت بأنها ليست دقيقة وليست صائبة. كما جعلنا نتذكر صندوق النقد الدولي عندما قال لمصرف لبنان في احدى جلسات المفاوضات "ان ارقام الخسائر في خطة حكومة دياب دقيقة وان الصندوق لا يعترف بأرقام الخسائر المقدمة من مصرف لبنان ولا بقاعدة الاحتساب المعتمدة لديها.

6- انتقد التقرير دور حاكم مصرف لبنان كشخصية رئيسية في صنع القرار "وقال انه مارس سلطة مركزة، غير خاضعة للرقابة، واحتكر المناقشات والقرارات في المجلس المركزي خلافا لما هو معمول ضمن المعايير الدولية". وأشار الى عدم فعالية المجلس المركزي الذي وافق اعضاؤه على القرارات كافة التي صدرت عن المجلس المركزي دون تسجيل اي اعتراض. كما أبرز التقرير عدم وجود رقابة فعّالة لمفوض الحكومة في مصرف لبنان. في المقابل، ذكر التقرير انه لاحظ في النصف الثاني من العام 2020 بداية اعتراضات من قبل اعضاء المجلس المركزي على سياسات الحاكم السابق رياض سلامة. 

7- أظهر التقرير عدم وضوح وسوء ادارة حاكم مصرف لبنان للمصاريف التشغيلية البالغة 62 مليون دولار والمتعلقة بالمساعدات والتبرعات التي بلغت 20 مليون دولار ومنحت بشكل استنسابي ومن دون شفافية الى مقربين منه أو من نواب الحاكم. الدعايات والنشر التي بلغت 8 ملايين دولار. شراء لوحات ورسوم بقيمة 1.8 مليون دولار، شراء الاثاث والتجهيزات لمكتب الحاكم في مبنى الاسواق المالية بقيمة 1.1 مليون دولار، أتعاب خبراء واستشارات ومحامين بقيمة 7.8 مليون دولار.

8- أشار التقرير الى المصاريف المرتفعة للحاكم في أسفاره اذ قاربت 1.6 مليون دولار في فترة 2015-2020 اي ما يعادل 250 الف دولار سنوياً.

9- أشار التقرير إلى هدر للمال في مصرف لبنان عند استئجاره مكتبا في باريس ليس بحاجة اليه ولكنه يخص صديقة الحاكم السابق رياض سلامة بقيمة 4 ملايين دولار لفترة 2015-2020، ما أدى إلى لفت انتباه السلطات النقدية والضريبية في فرنسا.

10- ذكر التقرير انفاق الدولة من احتياطات مصرف لبنان بالعملات الأجنبية التي بلغت في فترة 2010-2021 حوالي 48 مليار دولار، منها حوالي 24.5 مليار دولار لوزارة الطاقة ومؤسسة كهرباء لبنان، وحوالي 8.1 مليار دولار لنفقات الدولة الخارجية، وحوالي 7.6 مليار دولار لسياسة دعم السلع.

11- أشار التقرير الى تدهور سريع لاحتياط مصرف لبنان بالعملات الاجنبية في فترة 2015-2020 اذ انتقل من فائض للعملات الاجنبية يقارب 7.2 مليار دولار في عام 2015 الى عجز قدره 50.7 مليار دولار عام 2020.

12- أشار التقرير الى عدم التعاون الكامل لمصرف لبنان مع شركة التدقيق (الفاريز) بذريعة السرية المصرفية، وعدم تسهيل عملها اذ لم يتح لها الحصول على جميع البيانات المطلوبة، ورفض اعطاءها مكاتب عنده لمتابعة اعمالها ما دفع وزارة المالية في حكومة حسان دياب الى تخصيص مكاتب لها في مبنى وزارة المالية في وسط العاصمة. كما لم يسمح لها اجراء المقابلات مع المسؤولين في مصرف لبنان المركزي. لذا لا يمكن اعتبار التدقيق منجزاّ بل هو ناقص وعلى الحكومة الحالية استكماله للتدقيق في الامور العالقة ولتغطية فترة 2021-2023.

فــي الخلاصــة:

أظهر التقرير بوضوح مسؤولية حاكم مصرف لبنان السابق في اخفاء الارقام الحقيقية للخسائر في مصرف لبنان التي فاقت 50 مليار دولار عبر استخدام سياسات محاسبية غير تقليدية، وهي سياسات رفضها صندوق النقد الدولي ولم يعترف بها كما رفضتها الحكومة، وأدت الى تعليق المفاوضات مع صندوق النقد الدولي واجهاض خطة التعافي المالي لحكومة حسان دياب وتعمّق الازمة المالية وتزايد خسائر المودعين لاحقاً.

وأشار التقرير الى الكلفة الهائلة للهندسات المالية التي قاربت 76 مليار دولار، وتناول المصاريف التشغيلية في مصرف لبنان وسوء ادارته لها، وتوزيعها استنسابيــاً على المقربيــن منه. كما أضاء على المصاريف غير الضرورية التي دفعها المصرف المركزي لاستئجار مكتب في باريس، وركز خاصىة على توقيع مصرف لبنان ممثلا بالحاكم السابق على عقد مع شركة "فوري" المملوكة من أخيه رجا سلامة لتسويق الاوراق المالية لمصرف لبنان مقابل عمولات وصلت قيمتها الى 333 مليون دولار. كما انتقد ممارسة الحاكم السلطة في مصرف لبنان بشكل مركز وأحادي ودون رقابة، وطرح تساؤلات حول حساب الحاكم السابق في مصرف لبنان الذي بلغ 98 مليون دولار تمّ تحويل 75 مليون دولار منه الى الخارج.

في الموازاة، أظهر التقرير مسؤولية الدولة في انفاق 48 مليار دولار من احتياطات مصرف لبنان بالعملات الاجنبية، ومسؤولية القطاع المصرفي في الافادة بما يفوق 20 مليار دولار من الهندسات المالية وتسهيلات مصرف لبنان والفوائد المرتفعة.

في الختام، يمكن القول ان تقرير التدقيق الجنائي هو أولي، غير كامل، يحتاج الى استكماله في المرحلة القادمة للحصول على كامل الحقائق للعمليات المالية المشبوهة التي قام بها مصرف لبنان لا سيما ان شركة التدقيق استلمت فقط اقل من 70% من المستندات المطلوبة من مصرف لبنان.

(*) وزير المالية السابق

اخترنا لكم
عودةٌ إلى الوراءِ!
المزيد
هل نحن مقبلون على حرب شاملة؟
المزيد
خوفًا من الصراع... شركات طيران تعلّق رحلاتها إلى الشرق الأوسط
المزيد
"شُحنَت في صيف 2022".. شركة "البايجر" وهمية؟
المزيد
اخر الاخبار
"خطواتٌ جديدة" على الحدود!
المزيد
بزشكيان: ندعو إلى وحدة المسلمين لوقف المجازر الإسرائيلية
المزيد
تعليق للشركة اليابانية حول انفجارات أجهزة اللاسلكي
المزيد
الحزب ينعى مؤسّس قوة الرضوان ابراهيم عقيل وهيئة أركانها
المزيد
قرّاء الثائر يتصفّحون الآن
“اليونيفيل”: نحضّ جميع الأطراف على خفض التصعيد فوراً
المزيد
المالية: 50 مليارا لمتضرري انفجار المرفأ
المزيد
الرئيس عون اطلع من وزير الشؤون الاجتماعية على آخر مستجدات البرامج الاجتماعية وعملية الدفع للمستحقين
المزيد
عون ترأس اجتماعا ماليا وعرض مع حب الله واقع القطاع الصناعي
المزيد
« المزيد
الصحافة الخضراء
اتفاقية تعاون بين جمعيّتي "غدي" و"الملكية الاردنية لحماية الطبيعة" الناصر: حماية الطبيعة لا تعرف حدود، فهي مثل الطائر الذي يطير وينتقل من مكان إلى آخر غانم: نؤمن أن التعاون هو أرقى أشكال التطور
بيان للدفاع المدني بعد الانتهاء من عمليات إطفاء مطمر برج حمود
شكوى بجرائم بيئية ضد الدولة اللبنانية امام مجلس حقوق الانسان الدولي
محمية أرز الشوف في المنتدى الإقليمي للحفاظ على الطبيعة لدول غرب آسيا، هاني: نعمل مع شركائنا لزيادة المناطق المحمية
لجنة البيئة تواكب حريق المكب وتدعو لإقفال المطامر الشبيهة.. وياسين يعتذر
فياض: تنظيف مجاري الأنهر بمزايدات لتفادي الفيضانات وحماية البنى التحتية