#الثائر
تماماً كما لم يلق إعلان رئيس المجلس نبيه بري ترشيح النائب السابق سليمان فرنجية الى رئاسة الجمهورية ارتياحاً في الاوساط المسيحية، كذلك كانت الحال بالنسبة الى موقف الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله المؤيّد والداعم لفرنجية.
الأوساط المسيحية رأت في الإعلان استفزازاً لها، وفقا ل"النهار"، كما لفرنجية نفسه باعتبار أنه لم يعلن ترشحه رسمياً ليصار الى تبنّيه من قبل الفريق المنتمي إليه سياسياً، وليس طائفياً. لكن الإيجابي في الإعلان أن موقف الثنائي حرّك المياه الرئاسية الراكدة منذ أشهر، ولا سيما أن نصرالله فتح الباب واسعاً أمام التفاوض والحوار. كما سرّع الحراك على المقلب المسيحي المشتت والمضعضع بين مختلف مكوناته، في ظل تعذر اتفاق فريق المعارضة على مرشح جديد يحل بديلاً للمرشح الاساسي النائب ميشال معوض، بعد تراجع حظوظ قدرته على لم شمل ٦٥ نائباً للتصويت له، فيما "التيار الوطني الحر" لا يزال متردّداً وعاجزاً عن تسمية مرشحه، بعدما قرر رئيسه لعب دور بيضة القبان المسيحية التي تكون لها الكلمة الفصل في تأمين الأصوات المطلوبة لأي مرشح رئاسي. أما على المقلب الكتائبي، فقد عبّر رئيس الحزب النائب سامي الجميّل بعد لقائه الموفد البطريركي أمس أن جوهر الأمر هو في المشروع وليس في الاسم وأن المشروع الذي سيحمله أي رئيس يجب ألا يغطي النهج القائم منذ ٦ أعوام.
حتى مبادرة بكركي لم تنجح في لمّ الشمل المسيحي، بعدما رفضت القيادات المسيحية التحاور تحت قبة البطريركية، ولكل زعيم حساباته الخاصة، البعيدة كل البعد عن العذر الذي يتلطى وراءه بعض هؤلاء والمتمثل برفض تكرار التجربة الفاشلة للقاء الاقطاب في بكركي قبل سبعة أعوام، للاتفاق على تبني مرشح للرئاسة.
لكن فشل بكركي في جمع الاقطاب لم يثنِ سيدها عن المثابرة انطلاقاً من الهواجس الكبيرة التي تقضّ رأس الكنيسة في لبنان، وتتصل في الدرجة الاولى بالقلق على البلاد والدستور والمؤسسات وصولاً الى التوجّس حيال مواقع الطائفة في توازن التركيبة السياسية، وزيادة الهجرة المسيحية من دون أن يحرك ذلك ساكناً لدى الشركاء على الضفتين السنية والشيعية على السواء.
الى جانب العظات النارية التي يطلقها كل أحد من منبر الصرح، تحرك البطريرك مجدداً بناءً على تفويض القمة الروحية المسيحية له لإجراء ما يجده مناسباً. وما تكليفه لراعي أبرشية انطلياس المطران أنطوان بو نجم إلا من أجل إبقاء المبادرة حيّة، فلا تموت بموت الدعوة الى الحوار، علماً بأن ثمة وعياً حقيقياً في الاوساط المارونية بأن تحرك بو نجم في اتجاه القيادات المسيحية لن يؤدي نتيجته. هذا دفع البطريرك الى الارتقاء الى مرحلة متقدمة من مبادرته عبر تحميل بو نجم مجموعة أسماء، جعلته ينتقل من مرحلة البحث عن مواصفات رئيس الى البحث عن رئيس بالاسم!
لم يكن الاجتماع مع رئيس "القوات اللبنانية" سمير جعجع أو رئيس "التيار الوطني الحر" جبران باسيل على مستوى من شأنه أن يحدث خرقاً، فيما الاجتماع المرتقب مع زعيم المردة مقروءة التوقعات منه، بما أن فرنجية مرشح ولا يمكنه أن يوافق على الأسماء المطروحة عليه. وقد زاده إعلان الثنائي دعمه ارتباكاً وإحراجاً، لكونه جاء من فريق شيعي ينتمي إليه لا من قاعدة مسيحية هي المعنية الأولى في موقع الرئاسة.
لم يساعد موقف السفير السعودي وليد البخاري من بكركي أمس غداة لقائه البطريرك الراعي ضمن سلسلة لقاءات يزمع القيام بها واستهلها من بكركي، فرنجية الذي تحرص أوساطه على تسويقه مرشح توافق، بل على العكس كرّست ما تردّد عن موقف سعودي لا يزال متحفظاً على الرجل بسبب قربه من الحزب، فكيف الحال وقد تبنّى نصرالله ترشيحه ودعمه رسمياً!
لا تعوّل مصادر مسيحية كثيراً على قدرة بكركي على لعب دور فاعل في توحيد الموقف المسيحي، لكن هذا لا يعني أن على سيد الصرح التوقف عن المحاولة، ولو أن التعنّت المسيحي لا يترك شكاً في تعذر الوصول الى توافق.
وترى أن على القوى المسيحية أن تعيد النظر في مقاربتها للاستحقاق الرئاسي وتخرج من حساباتها الضيقة المتصلة بمصالحها، بعدما بات واضحاً أن التشتت على المشهد المسيحي يساعد الفريق الآخر على تجميع صفوفه وتأمين الأصوات المطلوبة لانتخاب رئيس. وهو ما لا يزال غير متوافر حتى الساعة، وإلا لكان هذا الفريق انتخب رئيساً من اختياره، من دون الأخذ في الاعتبار الرأي المسيحي.
قد تكون نقطة الضعف الأساسية لدى قوى المعارضة فشلها في تقديم مرشح تتفق عليه مع القوى المسيحية الأخرى من خارج تحالفاتها، ولا سيما في الوسط العوني، ولكن يقابل ذلك نقطة ضعف مماثلة لدى فريق "حزب الله" الذي يعاني من تعذر تحقيق إجماع على اسم فرنجية.
بالنتيجة، لا يمكن للثنائي أن يأتي برئيس لا يلقى قبولاً في شارعه ووسطه،حتى لو تأمّنت الأصوات الـ٦٥ ببضعة نواب مسيحيين لا يعبّرون عن الوجدان المسيحي الكامل. وهذا الأمر يجب أن يشكل فرصة للطرف الآخر لاستجماع قواه والالتفاف على مرشح، من لائحة بكركي أو من خارجها، علماً بأن هذا الفريق لا يزال يرى حظوظاً لمرشحه معوّض القادر على تجميع نحو ٥٠ صوتاً.. عندها يصبح السباق بين قائد الجيش العماد جوزف عون وشخصية ثالثة من خارج الاصطفاف السياسي، رغم أن عون قد يجد نفسه هو الآخر خارج السباق باعتبار أن انتخابه يحتاج الى تعديل دستوري لم تنضج بعد ظروفه وشروطه.
حتى الآن، قد يبدو أن الفريق الآخر بقيادة الحزب قرّر خوض المواجهة، بدعمه فرنجية، ولكن الثغرة التي خرق بها نصرالله حال المراوحة بطرحه التحاور، تفتح الباب واسعاً أمام التفاوض، بعدما أيقن الفريقان عجز كليهما على الإتيان برئيس بأصواته الصافية. وفي الانتظار، لا بدّ من أن تحسم القوى المسيحية موقفها وتلتف على المبادرة الوحيدة المعروضة في السوق، وهي مبادرة بكركي!