#الثائر
- " اكرم كمال سريوي "
بينما كانت الطائرة تقترب من المطار، رُحتُ أنظرُ مِن النافذة، يدفعني فضولُ الاستكشافِ، لهذه القطعةِ الفريدةِ من العالم!!!
إنها "الكويت"
بحرٌ من الرمال، تناثرت فيهِ بعضُ جُزُر الأبنية الحديثة، والقليلُ القليلُ من الأشجارِ، والمساحاتِ الخضراء.
ما إن تخرجَ من باب الطائرة، حتى تصفعُك حرارةُ الهواء، فتُنبِئُك، بأنك تطأُ أرضاً قاسيةً خَشِنةَ المِراس، لا يقوى على العيشِ فيها سوى الرجال الشجاعان.
مرّت على أرض الكويت قوافلٌ عديدة من الجيوش والقبائل، لكن لم يَقوَ على الصمودِ فيها سوى عدد قليل من بني البشر .
بنى فيها البابليون مدينة "الكوت" (القلعة أو التل)، ثم جاء الاسكندر الكبير، واتّخذ من جزيرة إيكاروس (فيلكا) مركّزاً لعبادة الإله اليوناني "أبولو"، وما زالت آثارُ ذاك المعبدِ شاهداً على ذلك، حتى اليوم.
ثم مُنيَ جيشُ الفرس بالهزيمة هناك في منطقة "كاظمة" في معركة "السلاسل" على يد القائد العربي خالد بن الوليد، لكن أحداً لم يستوطن الكويت بشكل دائم، إلى أن وصل إليها في بداية القرن الثامن عشر، جماعةٌ من أشجع الرجال والفرسان العرب من قبائل العتوب، بقيادة صباح بن جابر، أول حاكم للكويت.
ركِب فرسان الكويت البحرَ وغاصوا في أعماقهِ بحثاً عن اللؤلؤ، فاستخرجوه وباعوه إلى تجار الهند، حتى أصبحت بلادهم مشهورة ب "أرض اللؤلؤ". وبعد أن تسلّم مبارك الصباح الحكم، رفض تسميته ب "قائمقام" وراسل العثمانيين باسم حاكم الكويت، وقاد وساطته الشهيرة بين العثمانيين وفرسان آل سعود، ثم حول الكويت إلى دولة حقيقية.
وصلنا إلى الكويت، وعندما أنهينا إجراءاتنا في المطار، وقفت مع رفيقي ننتظر من يلاقينا، لكن للمصادفة كنّا قد وصلنا مساء يوم عطلة، وقبل الموعد المحدد لوصولنا، ولم نكن نعلم إلى أين علينا الذهاب، وبعد ساعات من الانتظار، اتصلت بصديق لي، كنت أعرفه وكان برتبة رائد في الجيش الكويتي، وفي الحقيقة لم أكن قد التقيته من قبل، فصداقتنا كانت عبر الهاتف فقط، لكنه مثال الصديق المخلص الطيب.
رحّب صديقي بوصولي إلى الكويت، وقام بإجراء اتصالاته وابلغ من يعنيهم الأمر، بأن هناك ضابطان من لبنان وصلا إلى المطار قادمان لمتابعة دورة عسكرية "الدورة التقدمية البرية للضباط"، وما هو إِلَّا وقت قصير، حتى وصلت سيارة، أقلّتنا إلى ثكنة عسكرية، قرب مدينة الجهراء (تيماء قديماً) ، وهي مشهورة في التاريخ بيانبيعها العذبة، وواحات النخيل، التي لم يبقَ منها اليوم سوى القليل، وأشهر معالمها القصر الأحمر، الذي بناه مبارك الصباح، والسور القديم الذي بناه أهلها للدفاع عن المدينة الصغيرة .
كان انطباعي الأول في تلك الصحراء القاحلة، أننا سنواجه أشهراً من الصعاب والمعاناة، فكل شيء من حولنا، كان جافاً وقاسياً، ويشكّل تحدياً للحياة، ولكن اللقاء الأول مع رفاق الدورة، بدد تلك المشاعر، وما هي إِلَّا أيام قليلة، حتى باتت الصداقة تجمعنا بهم جميعاً، وأصبحت الكلية العسكرية بيتنا الكبير.
فالكويتي بالإضافة إلى شجاعته، وعادات الكرم، وحسن الضيافة، والذكاء، التي يتميّز بها أهل البادية، كان من تعرّفت إليهم، نخبة من الضباط الودودين، الذين يتحلّون بالرفعة، وحسن الأخلاق، والصدق، وما أعجبني أكثر، هو ثقافتهم العالية، وسعة اطلاعهم، فهم زاروا بلاداً عديدةً في هذا العالم، وتعرّفوا إلى حضارات شعوبها، واكتسبوا الكثير من المعارف والخبرات، مما جعل الحديث معهم ممتعاً وغنياً، وأصبحت اللقاءات والنقاشات مع بعضهم، عادة شبه يومية، وموعداً ننتظره بشغف.
أمّا اللبنانيون في الكويت، فهم عائلة كبيرة، فهناك اختفت كل أشكال التفرقة، وبات حب الوطن يجمعهم ويوحّدهم، ولكَم شعرتُ معهم بجمال هذا الوئام، الذي يفتقده اللبنانيون في أرض الوطن.
هي أشهر عدّة قضيتها مع إخوة هناك، يصعب عليّ نسيانها، لا بل أنا اليوم شاكراً لله الذي جمعني بهم، وما زلت احتفظ بهديتهم الغالية لي، في نهاية الدورة، حيث كتبوا عليها " إخوانك منتسبي الدورة" ، فما أجمل هذه العبارة وما أصدقها .
إخواني الأعزاء في الجيش الكويتي،
أطيب تمنياتي لكم بالصحة والسعادة والنجاح المستدام، وكل عام وأنتم بالف خير، في أرض "اللؤلؤ والفرسان الشجعان"
أخوكم اكرم كمال سريوي