#الثائر
بقلم عدنان القاقون
ترددت كثير قبل كتابة هذه الأسطر، لأسباب عديدة أبرزها خصوصية العلاقة التي تربطني بأطراف الأزمة التي تعصف ببيت التوحيد الدرزي، والتي تمسّ بجوهرها كل بيت من بيوتنا. لكنني وجدت نفسي مجبراً على تجاوز هاجس صمت الكلمة رغم حساسية الامر في عرضه على المنابر الاعلامية لذا قررت الكتابة بتأنٍّ ودقة شديدتين مع الاكتفاء بالعناوين العريضة للازمة.
حباني الله بأن أكون من المقربين جداً من المرجع الروحي لطائفة الموحدين الشيخ أبو يوسف أمين الصايغ ،وكلما زرته في دارته الطاهره في سفوح جبل شارون كلما شعرت كم هي بالية هذه الحياة، واستقي من سماحته الحرص ثم الحرص على المضي في درب الحق، حفاظاً على وحدة الصف حتى وإن كان موحشاً لقلة سالكيه.
تماماً كما تربطني بالصديق الكبير، كما أسميه في حواراتنا الهاتفيه، الزعيم وليد جنبلاط، علاقة لم تُنسج يوماً لغاية هنا أو منفعة خاصة هناك، وليس سراً أن هذه العلاقة ينخفض منسوبها ويعلو تبعا لنصيحة هنا أو رأي سياسي مغاير هناك، لكن الحقيقة التي يجهلها كثيرون هي أن داخل هذا الرجل ثمة إنسان بكل معنى الكلمة.. ولعله من قلة قليلة جداً من الذين يؤمنون بمعنى الجدارية التي تزين مدخل المختارة.
من هنا، ومن هذه المعطيات سمحت لنفسي أن أخرج من دائرة الصمت وأنا المعني في نقل أكثر من رسالة بين الطرفين.
وإني لاجزم بأن ما حصل في الأول من ديسمبر من تجاهل لدور المرجعية الروحية، الشيخ امين الصايغ، هو تعدٍّ مرفوض على مقامات روحية، ويكاد يكون الخطوة الأولى نحو تكريس مفهوم دخيل على آلية وعرف "تلبيس العمامة المكولسة". وبالتالي تفكيك وحدة الخلية العقائدية الطاهرة، والتي هي سر بقاء طائفة الموحدين وديمومتها، وبالتبعية قياداتها السياسية، وسط هذا البحر الهائج من المتغيرات.
لست في وارد الدفاع عن موقف سماحة الشيخ أمين الصايغ فأنا أصغر من القيام بهذا الدور، إلّا أن قربي من سماحته وتواصلي الدائم معه في مناقشة مختلف القضايا، تدفعني لتوضيح بعض، وهنا أركز على كلمة بعض، القضايا والحقائق .
جل اهتمام سماحته كان وما زال عدم إقحام رجال الدين في بازار السياسة، وعدم تلويث العمامة البيضاء، وأيضا وأيضا عدم إهدار أرواح شبابنا، بخلافات سياسية، كما حصل في الشويفات وقبرشمون وغيرها من المناطق، وجميعنا يتذكر البيان الشهير لسماحته وصرخة الضمير لوقف "اكل لحمنا بايدينا".
كما حافظ سماحة الشيخ أمين على موقفه الرافض لتقسيم المجتمع التوحيدي، من خلال شيخ عقل يتبع المختارة وآخر يتبع خلده، هذه القضية محورية بالنسبة لسماحته، فاذا ما انقسم المجتمع سياسياً فمن حق الأموات على الأقل أن يحظوا بصلاة موحّدة، فكان أن تمنّى على القيادات السياسية، الاتفاق واختيار شيخ عقل جامع . وهنا لابد من الإشارة إلى وجود كمٍّ من التفاصيل، لست في وارد الخوض فيها الآن، وللتاريخ، في حواراتي الدائمة مع الشيخ أمين اعرف أنه لا يكنُّ إلّا كل تقدير لشخص شيخ العقل سامي ابي المنى، ولكن القضية الأساس كانت، هي الوصول إلى شيخ جامع يطوي صفحة الانشقاق..وهذا ما لم يتحقق .
كما الشيخ أمين الصايغ، فمن الجرم الظن للحظة واحدة أن وليد جنبلاط أو طلال أرسلان أو وئام وهاب، (مع فارق التمثيل)، لا يريدون وحدة الصف، ولكن أسمح لخبرتي الممتدة لثلاثة عقود من العمل الإعلامي والسياسي أن أضع ملاحظات تصل حد الاتهام للبطانة المغرضة التي عادة ما تعتاش كالفطريات على مياه الخلاف العكرة، وتقدّم النصيحة التي تُسعد آنياً سامعها وتُحمّله أعباء المضي بها.
وكم كنا قد وفرنا على المجتمع التوحيدي المنهار معيشياً واقتصادياً لو تم الحوار بشكل مباشر في مختلف القضايا، بعيداً عن سياسة الموفدين، وإني لأضع هنا الف علامة استفهام أمام سلامة مقصد وغايات البعض منهم.
أيها الصديق الكبير، اتذكر حين قلت لك في كليمنصو بعد أحداث قبرشمون :خارج هذه البوابه هناك عشرين وليد جنبلاط وربما أكثر يبطشون باسمك .
نعم قد أخالفك الرأي في بعض المواقف السياسية، وهذا أمر صحّي، لكن الحقيقة هي أننا لا نملك إلّا وليد جنبلاط واحد، إنساناً خالداً بمواقفه، وحدك قادر على تصحيح الإعوجاج ونبذ المرتزقة، وفتح صفحة جديدة من التعاطي الاجتماعي قبل السياسي، بروح اعمدتها روح الشباب واندفاعتهم، وسياجها حكمة اجاويدنا وبركاتهم .
ان صفحات التاريخ لا يمكن إلّا أن تُنصف الرجل الذي قاد الوطنيين في لبنان كل لبنان، في أصعب المحطات، والتاريخ نفسه يؤكد تمسك أهل الجبل بعقيدتهم كما عروبتهم وأصالتهم وقياداتهم. ومن حق مراجعنا الدينية أن تدلي بدلوها في قضاياها الدينية، ومن حقها أيضا أن تحكم صوامعها، وهي لم تكن يوماً إلّا داعماً ومسانداً لقياداتها السياسية في المحطات الكبرى.
الصديق الكبير وليد جنبلاط
وحدة الصف في خطر حقيقي، ووحدك القادر على حسم الأمور ووقف هذا الاعتداء الصارخ على مرجعيتنا الروحية الطاهرة المخلصة .
ختاما ، اني لاستسمح مرجعنا الروحي الشيخ امين الصايغ في تكرار مقولة "رجل السياسة إذا ما انحنى للعاصفة بتكسرو، أما رجل الدين إذا انحنى للعاصفة بينكسر ".