#الثائر
بعد إحدى عشرة سنة وجد لبنان انه من غير الممكن في ضوء تبدل اهتمامات الدول عالمياً ان يدفع ثمن فوضى وجود النازحين السوريين على أرضه فحرك عبر وزارة الخارجية والمغتربين ووزارة الشؤون الاجتماعية المنظمات المعنية بشؤونهم والدول المانحة محذراً من مغبة انفجار هذا الملف الاجتماعي ومطالباً بحصره بيد الدولة او من خلالها. وأخيراً وضع ملف النازحين السوريين على سكته الصحيحة وفاتحت الحكومة الهيئات الدولية المانحة بضرورة وضع الضوابط والحد من الفلتان المستشري في صفوف الجمعيات والمنتفعين على حساب الدولة ومؤسساتها. وأعدت ورقة طروحات بمثابة منهجية تعاون جديدة لتأمين المعالجة الملحة لملف النازحين.
منذ بدأت الازمة في سوريا اكتفت الدولة بدور المتفرج على تدفق أعداد النازحين ومعهم تدفق المساعدات من المنظمات والدول المانحة خارج الاطر الرسمية، فانتشرت الجمعيات المعنية المهتمة بأمورهم وتزايد اعداد النازحين من دون وجود احصاء رسمي يؤشر اليهم أو يحدد اماكن اقامتهم. وكان التعاطي السلبي من قبل المفوضية العليا لشؤون النازحين في لبنان مع المؤسسات والوزارات المعنية سبباً للبرودة في العلاقة بين الجهتين وعبرت وزارة الخارجية عن امتعاضها من غياب التنسيق في الملف وهي نبهت عبر وزير الخارجية عبدالله بو حبيب منذ مؤتمر النازحين في بروكسل من استحالة بقاء وضع النازحين على حاله في لبنان.
وقبل أيام استدعى بو حبيب ووزير الشؤون الاجتماعية هكتور حجّار، ممثّل مكتب المفوضيّة السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في لبنان (UNHCR) أياكي إيتو، لبحث آلية تعاون مختلفة بخصوص النازحين السوريين المتواجدين على الأراضي اللبنانية. وخلال الاجتماع صارح بو حبيب رئيس المفوضية بالمآخذ التي يسجلها لبنان على التعاطي الدولي مع النازحين مستعرضاً الواقع الحالي لازمة النازحين والتي تجاوزت قدرة لبنان على تحملها. التسليم الدولي بإبقاء النازحين في لبنان استنفر الوزارات المعنية وصوب خطواتها باتجاه المنظمات المعنية لتحميلها رسالة الى الدول المانحة مفادها ان لبنان لن يلتزم الصمت بعد اليوم ازاء أزمة النازحين.
مصادر المجتمعين قالت، حسب "نداء الوطن" ان الهدف من الاجتماع كان تطوير التعاون مع المفوضية ووضع سكة جديدة للتعاطي بملف النازحين. وكشفت ان الحكومة وعبر وزارة الخارجية اتخذت قراراً بوضع اليد على ملف النازحين والتعاطي معهم على غرار ما تتعاطي دول عربية أخرى. اذ ليس من المنطق او المقبول ان يستمر ملف النازحين مشرع الابواب على الفوضى بينما يتحمل لبنان اعباءهم، وقد استقبل ما يزيد على مليون ونصف مليون نازح سوري يضافون الى نصف مليون فلسطيني موجودين على اراضيه اي بما يعادل نصف عدد سكان لبنان ما يجعل من غير الممكن ربط قضية النازحين بالحل السياسي في سوريا بينما العالم مشغول بقضايا اخرى، ولم يعد الوضع في سوريا يحتل اولوية الاهتمامات كما في السابق. واقع يفرض على الحكومة من خلال الوزارات المعنية التحرك واخذ المعالجة على عاتقها تلافياً لإنفجار اجتماعي وشيك.
يحصل كل ذلك بينما يرزح لبنان تحت وطأة انهيار مالي، وتسود الحساسية بين النازح والمواطن اللبناني ويتزاحمان على لقمة العيش في بلد باتت غالبية شعبه تحت خط الفقر، ويرتفع معدل الجريمة والاحداث الامنية التي يتسبب بها النازحون وفي مناطق مختلفة من لبنان، في وقت ترتفع اعداد الزوارق غير الشرعية التي تغادر عبر البحر نتيجة المزاحمة مع النازحين. مقاربة المسألة بهذا الشكل ليس القصد منها اثارة النعرات او الحساسية بقدر ما بات توصيفاً للواقع الذي تتغاضى عنه المنظمات الدولية والجهات المانحة والتي تصر على رفض عودتهم الى بلدهم الا بموجب حل سياسي لا يلوح في الافق.
وخلال الاجتماع اكدت وزارتا الخارجية والشؤون الاجتماعية على ان الدستور اللبناني يرفض مبدأ التوطين وان الكل بات يتحدث بلغة واحدة ويتفق على رفض اي وجه من وجوه ابقاء النازحين على الاراضي اللبنانية وصعوبة ان يكمل ملف النازحين في مسار الفوضى الذي يسوده. وطالب لبنان باعتماد منطق جديد في التعاطي والتعاون مبني على ادبيات تستعملها المنظمات الدولية والتي تقوم على اعتماد مبدأ الشفافية والحوكمة الرشيدة وهما حجر الأساس في مبادئ عمل المنظمات الدولية والإقليمية.
وابلغ لبنان المعنيين انه بصدد اجراء مراجعة وتدقيق حول كيفية صرف أموال الدول المانحة التي تنفق على النازحين لوجود علامات استفهام على طريقة صرفها على ان تقوم بعملية التدقيق شركة دولية محايدة ومتخصصة، ورغبته في ان يعرف ايضاً ومن ضمن مبدأ الشفافية كيف تتوزع المساعدات ومن هي الجمعيات الاهلية التي تستفيد وهل هي تلتزم بسقف قانوني وحسب الاصول او ان كل من يخطر في باله بات يخصص جمعية للعناية بالنازحين.
وضمن ورقة رسمية طالبت الدولة بتعويض مؤسساتها بصورة عادلة وفقاً لما يتم في الاردن مثلا، حيث مفوضية النازحين تقدم للدولة ملفات النازحين وتساعدهم من ضمن آلية تعاون وتنسيق متفق عليها معها.
ويركز لبنان في طرحه الجديد مع المفوضية على أن أعدادا من النازحين في لبنان ليسوا في عداد المطلوبين وليسوا ملاحقين وأن بقاءهم في لبنان مرتبط بتلقيهم مساعدات من هيئات دولية ولذا على لبنان ان يعرف من هو النازح المسجل والذي يحصل على المساعدات بالدولار الاميركي بينما يمضي وقته ذهابا وايابا باتجاه سوريا، لاتخاذ الاجراءات القانونية المناسبة بحقه. كل ما تقدم وزيادة ضمنته وزارة الخارجية ورقة اقتراحات لمعالجة موضوع النازحين الى المفوضية العليا لشؤون النازحين على ان تكون موضع دراسة قبل ان يتسلم لبنان الاجابة بشأنها ويبني على الشيء مقتضاه.
مصادر المجتمعين ختمت بالتأكيد على الاجواء الايجابية التي سادت الاجتماع وقد لمس الوزيران تفهماً دولياً للواقع وتوافق الجانبان على أهمية تفعيل التنسيق بين المفوضيّة والسلطات اللبنانية على أن تُعقد اجتماعات لاحقة بغية وضع خطوات عمليّة وملموسة موضع التنفيذ.