#الثائر
- " اكرم كمال سريوي "
فرش بحر صور شاله الحريري على الشاطىء، لاستقبال زواره، لكنه عاد عنه تاركاً فوق رماله، عَبرات من عبير الحرية، الممزوجة بالأسى، عندما شاهد سلوك ضيوفه!!!
زوار الجنوب العابق بأريج البطولة، ورائحة الليمون، ونكهة العنفوان.
ثمانية وزراء شدو الرحيل جنوباً، وقفوا على شاطىء الناقورة، أمعنوا النظر في البحر الواسع، وتوعدوا العدو الطامع بثروات لبنان الغازية، بالويل والثبور وعظائم الأمور، وبعضهم اعترف بأنها أول مرة في حياته، تطأ قدماه أرض الجنوب. ومن أين له أن يصل إلى هذا المكان ؟؟؟!!!
فلا هو ل "جمول" بقريب، ولا له في أرض الجنوب نسيب، وربما لم يخطر بباله قط، أن هذه الصخرة قطعة من لبنان .
كانت الفرحة تغمر قلوب الوزراء السياح، باكتشافهم الحديث لحدود لبنان الجنوبية، وبدأت الرحلة بمباراة زجلية عن الوطنية والتحرير والتضحيات، ثم استكملت بالولائم وتذوّق الكرم الجنوبي، لتُختتم في عديسة، بمبارة رمي الحجارة، نحو السياج الفاصل الذي يختبئ خلفه جيش العدو.
لكن حجارة الوزراء بقيت قاصرة عن بلوغ السور، فلا هم من أصحاب القبض على الزناد، ولا سواعدهم من القصب الرفيع، أسعفتهم في بلوغ الطور، فكانوا أشبه ب "سجيل بلا أبابيل" وراحوا يلتقطون صور "السلفي" قرب الجدار، ويتبارون أمام عدسات المصورين، كصبية ثقلت مثاناتهم، يوم كانت بيوت لبنان من طين، والمرحاض خلف الأكمة، فاصطّفوا على خط، لمعرفة صاحب "القوس" الأبعد.
البلد بألف خير!!!
فالثقافة في أبهى حلّة، وتتطور كل يوم مع نوع جديد من الطوابير ، فمن طوابير البنزين، إلى طوابير الخبز، وطوابير الموت على الطرقات، إلى طوابير الوزراء والنواب نحو حفلات الزجل فوق صخرة الناقورة.
أما الكهرباء فحدّث ولا حرج، فلقد تحقق الوعد الباسيلي، وعلى يد وزرائه المتعاقبين، 24/24 لكن ليس ب "التغذية" بل "مقطوعة" والحق على اللبنانيين الذين يفهمون كل شيء بالمقلوب.
والصناعة في أوج عزّها، فلقد تم وقف الاستيراد (فلا دولار للاستيراد بعد اليوم) وبدأ لبنان بتصنيع كل شيء، واعتمد مبدأ الاكتفاء الذاتي، فبعد انهيار الاتحاد السوفياتي، بتنا نحن القطب الآخر في العالم، (أو هكذا على الأقل يتصور بعض الوزراء) ، و يَا أيها اللبناني "دبّر حالك ب التي هي أحسن" ، فاليوم أصبح السروال الممزق والمرقّع، موضة العصر، ولا حرج على أحد.
والبيئة أيضاً بخير، فلا حرائق سوى المتنقلة منها، وهذه لا حول ولا قوة للوزير بها، وقطع الأشجار هو ضرورة للتدفئة بسبب ارتفاع اسعار المازوت، ومأمورو الأحراج ستُحل أزمة تعيينهم قريباً، عندما يتساوى عدد المسيحيين والمسلمين في لبنان، ويومها بكل تأكيد سيُفرج رئيس جمهورية لبنان المستقبلي العماد ميشال عون (عفواً: الحالي) عن مرسوم تعيينهم.
أما أخبار الاقتصاد فهي في أعماق البحر، تنتظر الترسيم الموعود للحدود، وعندها سيتدفق الخير على بيوت اللبنانيين، ولا تستغربوا !!! فوفق نظريات وزير الاقتصاد، قد تُمطر الغيمة السمحاق وابلاً وبعاقاً، بل ربما الأصح وبالاً على قوم لا يعقلون.
وطبعاً كان طيف رئيس الحكومة حاضراً، سنديانة على اسمه، تكفّل الوزراء بغرسها، لتنبت درراً وياقوتاً، يُغني مزارعي الجنوب، عن زراعة التبغ والتين والزيتون. وشَبَكَ الوزراء الأيدي في حلقة الدبكة، وكان ينقصهم فقط وزير المهجرين، فهو قلبه على عودة اللاجئين الفلسطينين، إلى ديارهم آمنين.
ونظر بعضهم إلى الجبل البعيد، وقال: هذا صنين. ليرد عليه صاحبه مصححاً له الدرس في جغرافيا لبنان: بل هذا جبل الباروك.
عذراً يا جبل الشيخ!!!
فمن أين لهؤلاء أن يعرفوك!!! عذراً يا احمد قصير، وَيَا بلال فحص، وَيَا سناء محيدلي، ويا زهرة الجنوب يا سهى بشارة.
عذراً يا بنت جبيل من؛ الحاج قاسم، وراغب حرب، وعذراً فلسطين؛ من أحمد علي، و ابو ناصر، ويعقوب سمور، وعبد القادر الكحلاني.
عذراً "جمول" عذراً يا أبطال الجنوب وَيَا أجمل الأمهات.
عذراً يا ابو أنيس !!! عذراً من ساعديك ومن هامتك السمراء، وعذراً من قبضة البطولة على الزناد، التي لم تترك الإسرائيلي يهنأ ليلة واحدة في أرض الجنوب.
عذراً أيتها المعاول التي نحتت خلف كل صخرة وفوق كل رابية، من قانا إلى جبل عامل وجبل الشيخ، وغرست رجالاً، رووا الأرض دماً زكياً، وعرقاً تصبب من جبين الأبطال، لتُزهر الحقول مجداً وحرية، ويجمع اللبنانيون النصر أغماراً، ومواسم فرح وكرامة، على بيادر الوطن.
عذراً أيها الجنوب وعذراً أيها الوطن!!! من عقول صبيانية تلهوا اليوم بحجارتك، وتفرح بألعابها كهدايا العيد، لأطفال صف الحضانة.
الوطن بالف خير !!!
ولم يبقَ لدى الوزراء من عمل، سوى السياحة في الوطن.