#الثائر
أما وقد اتخذت معظم القوى السياسية، في الكواليس، قرارا أحاديا يقضي برفع سعر صرف الدولار الجمركي من 1,500 ليرة إلى 20,000 ليرة، لتأمين إيرادات إضافية من أجل تغطية النفقات الضرورية وتمويل أجور القطاع العام مع تردّي القيمة الشرائية لليرة اللبنانية وفق مراسلة رئيس الحكومة الموجهة إلى وزير المال، وفي انتظار الصيغة الخطابية والقانونية الملائمة التي تبعد كرة النار عن مرمى وزير المال، تتجه أنظار اللبنانيين بحذر وترقب وقلق إلى تداعيات قرار عشوائي وغير مدروس كهذا في ظل انكماش اقتصادي حاد وتضخم مفرط في الأسعار وتآكل في القدرة للشرائية للمواطنين.
وفيما يتحدث البعض عن امكان تعديل السعر لاحتساب الدولار الجمركي على خلفية ارتفاع حدة المعارضة من بعض أعضاء الحكومة، عُلم أنه تم تأليف لجنة مشتركة من وزارتي المال والاقتصاد وممثلين عن التجار والمستهلكين والمستوردين والهيئات الاقتصادية بغية وضع جداول للسلع الغذائية والأساسية التي لا يشملها الدولار الجمركي، والكماليات التي سيصار الى احتسابها بسعر الدولار الجمركي الجديد، علما ان نسبة السلع المعفاة من الضرائب الجمركية في لبنان لا تتجاوز الـ15%. ولكن حتى هذه السلع المعفاة تبقى خاضعة لرسوم أخرى مثل كلفة الشحن ورسوم المرفأ والخدمات الإدارية وكلفة النقل التي سترتفع بدورها، خصوصا بعدما صدر تعميم يُطلب فيه استيفاء كل الرسوم والبدلات المتوجبة على جميع المتعاملين مع مرفأ بيروت من تجار ووكلاء بحريين ومخلّصين جمركيين بالدولار الأميركي نقداً حصراً. وهذا يعني برأي مدير الأبحاث في اتحاد أسواق المال العربية فادي قانصو، أنه "حتى السلع المعفية من الدولار الجمركي، سيزداد سعرها بنسبة وسطية بحدود 15%، عدا عن جشع التجار والتفلت السائد في عملية التسعير منذ بداية الأزمة، في حين أن السلع غير المعفية، والتي تراوح نِسب جمركها ما بين 5% و35%، ستشهد بدورها زيادة على أسعارها قد تصل نسبتها إلى 50%". وهو ما ينذر بتفلت أكبر في الاسعار، خصوصا إذا لم تتفعل الرقابة على آلية التسعير المعتمدة، وكأن المواطنين لا يكفيهم نسبة تضخم تجاوزت الـ1,000% في مقارنة بسيطة لمؤشر أسعار المستهلكين بين شهر حزيران 2022 وشهر كانون الثاني 2019، وفق أرقام الإحصاء المركزي، ما جعل لبنان يحتل المرتبة الأولى عالميا وفق نِسب تضخم الأسعار.
أمام هذا الواقع التضخمي المهول في البلاد، يرى قانصو أن "القدرة الشرائية لدى المواطنين قد تكون آخذة في مزيد من التآكل وتاليا المزيد من الإفقار وذلك في ظل ارتفاع أكبر في أسعار السلع والخدمات وحرمانهم من أي شبكة أمان اجتماعي، من دون أن ننسى مفاعيل الضريبة على القيمة المضافة والتي ستُحتسب بعد إلحاق الدولار الجمركي بتركيبة سعر أي سلعة. في هذا السياق، وفي حين أن من المرتقب أن ترتفع الرسوم الجمركية بنحو 13 ضعفاً في وقت لا تزال الودائع المصرفية بالدولار تسدد على أساس سعر صرف 8,000 ليرة، فإن أجور القطاع الخاص في لبنان لم ترتفع في المتوسط أكثر من 3 أضعاف، في حين أن أجور القطاع العام لن ترتفع في المدى المنظور أكثر من الضعف، إذ إن زيادة كتلة أجور القطاع العام بثلاثة أضعاف على سبيل المثال تقدر قيمتها بنحو 36 ألف مليار ليرة سنويا (على أساس كلفة رواتب ومساعدات بقيمة 1,000 مليار ليرة شهريا)، أي 73% من النفقات الإجمالية للدولة المقدرة بـ49 ألف مليار ليرة وفق مسودة الموازنة العامة، وهو أمر غير منطقي على الإطلاق".
وفي انتظار زيارة الهيئات الاقتصادية برئاسة الوزير السابق محمد شقير رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي في السرايا اليوم الإثنين، لتسجل ملاحظاتها بالأرقام حول رفع سعر الدولار الجمركي الى 20 ألف ليرة، وما يمكن أن تكون له من تأثيرات على القطاعات الاقتصادية والتجارية وسوق الاستهلاك… مع طرح الحلول البديلة على نحو "لا يموت الذئب ولا يفنى الغنم"، يقدر الباحث في "الدولية للمعلومات" محمد شمس الدين الايرادات من الرسوم الجمركية بنحو 470 مليار ليرة، ويتوقع ان تصل الى3200 مليار ليرة مع رفع قيمة الدولار الجمركي الى 20 ألف ليرة. في حين تقدر الايرادات من الضريبة على القيمة المضافة بنحو 6700 مليار ليرة، لافتا الى أن المشكلة الاكبر تتعلق بالضريبة على القيمة المضافة (TVA)، على اعتبار أن رفع الرسم الجمركي الذي سيرفع قيمة السلعة، سيرفع ايضا الـ TVA بشكل كبير. لذا يعتبر قانصو ان "إقرار الدولار الجمركي بهذا الشكل الصاروخي والعشوائي من دون أي تدرج ومع غياب فاضح لأي دراسات كافية من قِبل المعنيين لتقييم تداعياته المرتقبة على كل جوانب الاقتصاد الوطني، يبدو أنه لا يتوافق مع مفهوم جدوى الضرائب عموما من حيث تحقيق مبدأ العدالة الاجتماعية، كما أنه يشكل بحد ذاته جريمة اقتصادية في وقت يعاني الاقتصاد الوطني من انكماش حاد، إذ إن تآكل القدرة الشرائية سيخفض حكماً من مستوى الاستهلاك، ما يعني تراجعا إضافيا في حركة الاستيراد الذي سيزيد بدوره من حدة الإنكماش الاقتصادي، ذلك أن تهريب السلع نحو الداخل سيتفعل أكثر خصوصا في ظل تفلت المعابر غير الشرعية، وهو ما سينعكس سلبا على جودة البضائع وعلى المؤسسات اللبنانية ويوقعها في خسائر قد تؤدي بها إلى الإقفال". من هنا، يؤكد قانصو أن "عائدات الخزينة من الإيرادات الجمركية قد تكون أقل من المتوقع بالمقارنة مع ما تعوّل عليه الدولة من إيرادات عامة في موازنتها لتمويل نفقاتها وذلك مع تعزز التهرّب الضريبي عموما".
الى ذلك، يرى قانصو عبر "النهار" ان "من شأن إقرار الدولار الجمركي أن يساهم في تضخيم الكتلة النقدية بالعملة الوطنية، لأن التحصيل والدفع سيكون كله بالليرة اللبنانية على أسعار متضخمة، بما سيغرق السوق من جديد بأحجام كبيرة من الكتلة النقدية بالليرة اللبنانية، ما من شأنه أن يرخي بثقله على سعر الصرف في السوق الموازية. وهو عامل جديد يضاف إلى الاختلالات الاقتصادية البنيوية، كنِسب المديونية المرتفعة والعجوزات في ميزان المدفوعات ونسب التضخّم والشحّ في سيولة المصارف وفي احتياطات مصرف لبنان، إلى عوامل سياسية أمنية كالفراغ الحكومي والسجال السياسي بين مختلف الأفرقاء، ناهيك عن فقدان الثقة والمضاربات من قِبل التجار والمحتكرين أو غيرهم من المستفيدين، أضف إلى ذلك قدرة مصرف لبنان المحدودة نسبيا على تمويل التعميم 161، ما يعني ان سعر الصرف قد يتّبع مساراً تفلتيا جديداً إن لم يترافق مع إجراءات تصحيحية بنيوية هي وحدها كفيلة بتغيير مسار سعر الصرف في المدى المتوسط".
في حال اعتُمد الدولار الجمركي على 20 ألف ليرة، فإن ذلك سيزيد أسعار السلع بنحو 13 ضعفا، وهذا برأي مصادر اقتصادية متابعة "قد يدفع الشركات التي تدفع ضرائبها بشكل قانوني الى أن تحذو حذو الشركات التي تلجأ الى التهرب الضريبي، وتاليا فإن اكبر المستفيدين من زيادة الدولار الجمركي هم أولئك الذين يمتهنون المساعدة بالتهرب الضريبي، كما سوف يزيد التهريب عبر المرافق غير الشرعية من دون دفع الرسوم الجمركية". وتتخوف المصادر من أن زيادة الدولار الجمركي، ستؤثر سلبا على المنتجين المحليين وتضعف قدرتهم التنافسية. ومع انعدام القدرة الشرائية للمواطنين، فإن الايرادات ستكون أقل من المتوقع، فيما الحكومة بدأت بزيادة الانفاق عبر تصحيح الرواتب التي قد تفيد موظفي القطاع العام مرحليا، ولكن بعد فترة وجيزة سيضرهم من جراء التضخم والارتفاع الإضافي في سعر الصرف. وتؤكد المصادر أن "الرواتب لن تمول حتما من الدولار الجمركي كونه لن يرفد الخزينة بإلإيرادات التي تعول عليها الدولة، بل سيزيد التضخم ويعمق الركود توازيا مع تراجع قيمة الليرة".