مقالات وأراء

أحقًّا تريدون الياس سركيس آخَر؟

2022 آب 18
مقالات وأراء

#الثائر

كتب الوزير السابق سجعان قزي النهار:

يُخطِئُ الأعيانُ الّذين يَطرَحون اسمَ الرئيس الياس سركيس نَموذجًا لمرشَّحٍ رئاسيٍّ تِقنيٍّ ومحايدٍ وتَسوويٍّ ومِطواع. مواصفاتُ الرئيسِ سركيس بعيدةٌ من النَموذجِ قيدَ التحرّي عنه. هؤلاءِ الأعيانُ لا يَعرِفون ربّما مسيرةَ هذا الرجل ومواقِفَه وميزاتِه، ولا ظروفَ انتخابِه رئيسًا، ولا العواصفَ التي ضَربت عهدَه (1976 ـــ 1982)، ونالَت من صِحّتِه وخلَّدَت اسمَه. يوم توفِّـيَ الرئيس سركيس في 27 حزيران 1985، كتبتُ تعليقي السياسيَّ في إذاعةِ "لبنان الحر" بعنوان: "مات مغفورًا له، بل غافرًا لنا".

1 ـــــ كان الياس سركيس مرشَّحًا سياسيًّا بامتيازٍ لا مرشَّحًا تقنيًّا، إذ عاش الحياةَ الوطنيّةَ بكلِّ أبعادِها اللبنانيّةِ والعربيّةِ والدُوليّة، وشارك في صناعةِ القراراتِ السياسيّةِ والاقتصاديّةِ والعسكريّةِ مع الرئيسَين فؤاد شهاب وشارل حلو وضبّاطِ المكتبِ الثاني في الجيشِ اللبناني. فاوض جميعَ قادةِ الطوائف والأحزابِ والكُتلِ النيابيّةِ في البلاد، وإليه كان بعضُهم يعود قبلَ اتّخاذِ القراراتِ السياسيّة. ولـمّـا خاض انتخاباتِ الرئاسةِ أوّلَ مرّةٍ سنةَ 1970 كان مرشّحَ "الشهابيّةِ" ضِدَّ سليمان فرنجيه مرشّحِ "الحلفِ الثلاثيِّ" و"الوسَطِ"، وخَسِر على صوتٍ واحد. وجميعُ المناصبِ القضائيّةِ والقانونيّةِ والإداريّةِ والماليّةِ التي شَغلَها سركيس: قاضيًا في ديوانِ المحاسبةِ ثم مديرًا للشؤونِ القانونيّةِ في القصرِ الجُمهوري فمديرًا عامًّا للرئاسةِ فحاكمًا مَصرَفَ لبنان مدّةَ تسعِ سنوات (1967 ـــ 1976)، أعطَته المعرفةَ والخِبرةَ وقوّةَ الدفعِ الإضافيّةَ في مسيرتِه السياسيّةِ والرئاسيّة.

2 ـــــ كان الياس سركيس مرشَّحَ فريقٍ لا مرشَّحًا محايدًا حين فاز بالرئاسةِ سنةَ 1976. دَعمَته، آنذاك، "الجَبهةُ اللبنانيّةُ" وسوريا، وعارضَه تحالفُ "الحركةِ الوطنيّة" بزعامةِ كمال جنبلاط ومُنظمةِ "فتح" بقيادةِ ياسر عرفات الذي ــــ أي التحالف ــــ أيّدَ ريمون إدّه. وفي محاولةٍ لإلغاءِ جلسةِ الانتخابِ المقرَّرةِ في 08 أيّار 1976، فَجّر التحالفُ الوضعَ العسكريَّ في الأوّلِ والثاني من أيّار فسَقط 96 قتيلًا و116 جريحًا. ويومَ الانتخابِ، أعلَنت "الحركةُ الوطنيّةُ" الإضرابَ العامَّ وقاطَع الجلسةَ النوّابُ مؤيِّدو ريمون إده، ولم يَتورَّع تحالفُ فتح/الحركةِ الوطنيّة عن قصفِ مَقرِّ مجلسِ النوّاب الموَقَّت في "قصرِ منصور" بين مِنطقتَي الـمَتحف والبربير، وكادت قذيفةٌ تُصيبُ الرئيسَ كميل شمعون والشيخ بيار الجميّل. وبعد انتخابِ سركيس ظلّ الوضعُ العسكريُّ مضطَربًا حتى تشرين الثاني 1976.

3 ــــــ كان الياس سركيس مرشَّحَ معادلةٍ سياسيّةٍ وعسكريّةٍ، عربيّةٍ وأميركيّةٍ، أُقِرّت في قِمتَي الرياض والقاهرة (تشرين الأول 1976)، وتَقومُ على وقفِ الحربِ في لبنان ودخولِ قوّاتِ الردعِ العربيّةِ. احترم سركيس المعادلةَ وتعايَشَ معها وأعطى كلَّ الفرصِ لتعزيزِ العَلاقاتِ اللبنانيةِ/السوريّة، لكنَّ السوريّين تَصرّفوا بعدَ أشهرٍ كقوّاتِ احتلالٍ فقاومَها بشير الجميّل. وإذا كان هذا الصراعُ آلَــمَ الرئيسَ سركيس وأنهكَ عهدَه وأساءَ إليه، فما لبِثَ أن تَفهَّمَ موقِفَ المقاومةِ اللبنانيّةِ، حتى أنّه، لدى تَوسّعِ الاعتداءاتِ السوريّةِ وتغييرِ المعادلةِ السابقةِ، طالَب بانسحابِ القوّات السوريّةِ في قِمّةِ فاس المغرِبيّة (06 أيلول 1982). بذلك يُوجدُ وَجهُ شَبهٍ بين عهدَي الرئيس الياس سركيس وميشال سليمان (أطالَ الله بعمرِه). فالأخير أتى أيضًا على أساسِ معادلةٍ عربيّةٍ/دوليّةٍ في "اتفاق الدوحة" سنةَ 2008، لكنّه اضْطُرَّ لاحقًا إلى إسقاطِ معادلةِ "الجيشِ والشعبِ والمقاومة" حين أراد حزبُ الله التفرّدَ بالقرارِ اللبنانيِّ، والانقلابَ على "إعلانِ بعبدا"، والتورّطَ في حربِ سوريا، وتعكيرَ علاقاتِ لبنان العربيّة، وعرقلةَ تنفيذِ القراراتِ الدُوَليّةِ. في هذا السياق، إذا كان الحنينُ إلى الرئيس سركيس صادقًا، فَهَاكُم الرئيس ميشال سليمان حيٌّ يناضِل من أجل السيادة والاستقلالِ والحِياد.

4 ـــــ كان الرئيس الياس سركيس رئيسًا صبورًا لا مِطواعًا. رَفضَ التنازلَ عن حقوقِ الشرعيّةِ وواجَه القوى المسلّحةَ في الداخل، بما فيها الأحزابُ المسيحيّة، وأبى الاعترافَ حتّى بسلاحِ المقاومةِ مع أنّها كانت مقاومةً لبنانيّة. امتنعَ عن توقيعِ اتّفاقاتٍ ثُنائيّةٍ مع النظامِ السوريِّ رغمَ إلحاحِ الرئيس حافظ الأسد ووجودِ القوّاتِ السوريّةِ في لبنان. ولـمّا اجتاح الجيشُ الإسرائيليُّ بيروت سنةَ 1982 انتفضَ لدى تَبلُّغِه أنَّ الإسرائيليّين وصلوا إلى بلدةِ بعبدا، وأجرى اتصالاتٍ دوليّةً سريعةً فانسحَبوا من محيط القصر فورًا. لم يتوانَ الرئيس سركيس عن رفعِ الصوتِ بوجهِ ياسر عرفات وإدانةِ ممارساتِ المنظّماتِ الفِلسطينيّةِ. وقال عبارتَه الشهيرة: "ليس بخلقِ قضيّةٍ لبنانيّةٍ تَـحُلّون قضيّةَ فِلسطين". وحين سافر الرئيس سركيس إلى باريس في زيارةٍ رسميّةٍ (28 كانون الأول 1978)، اعترضَ على اقتراحِ الرئيسِ الفرنسيِّ ڤاليري جيسكار ديستان بتوطينِ الفِلسطينيّين في لبنان، وعاد من دونِ صدورِ بيانٍ لبنانيٍّ/فرنسيٍّ مشترَك.

مَن يريدُ "سركيسًا" آخَر اليوم، فلْــيتَعرّف على سركيس الأوّل، فهو لا يُشبه المرشَّحين الّذين تَلهَجُ بهم السفاراتُ خِلْسةً وتَشتَهيهِم أطرافٌ لبنانيّةٌ تُفضِّلُ رئيسًا مارونيًّا ضعيفًا وأليفًا. الواقعيّةُ تَفرِضُ الإقرارَ بأنَّ البحثَ عن رئيسٍ تِقنيٍّ ومحايدٍ مشروعٌ مَجازيٌّ، فالرئيسُ التقنيُّ سيُضطَّرُ إلى أن يُصبحَ سياسيًّا، لأنَّ الرئاسةَ حُكمٌ وسلطةٌ وقرار، وهنا التحدّي. والرئيسُ المحايدُ سيُجبَرُ على اتّخاذ موقفٍ معارضٍ كلَّ طرفٍ يَـمَسُّ بالشرعيّةِ والسيادةِ، وإلّا يَرتكبُ خيانةً بحقِّ قَسَمِه ولبنان، وهنا الامتحان.

بالمقابل، البحثُ عن رئيسٍ قويٍّ، بمفهومِ الشخصيّةِ المحترمَةِ والوطنيّةِ والسياديّةِ والأخلاقيّةِ والشُجاعة، هو الخِيارُ الأفضل لأنّ أيَّ رئيسٍ يأتي سيكون محكومًا بالتعدّديّةِ اللبنانيّةِ المتفجِّرةِ وبالصلاحيّاتِ الدستوريّةِ المحدودةِ وبصعوبةِ الحلولِ الجذرية، وسيكون مَدعوًّا فور تَسلُّمِه الحكم إلى إعادةِ النظر بالدولةِ المركزيّةِ علَّ حكمَ لبنان يُصبح ممكنًا. وهنا يَبرزُ الفارقُ بين جميع نماذج الرؤساء. الضعيفُ يسعى إلى إنقاذِ نفسِه والقويُّ إلى إنقاذِ لبنان. الرئيسُ ذو الموقفِ السياديِّ والشخصيّةِ القويّةِ يُبقي التغييرَ في إطارِ الثوابتِ اللبنانيّةِ التاريخيّةِ، يُثبِّتُ السيادةَ والاستقلال، ويُـميّزُ بين التسوياتِ الوطنيّةِ والمساوماتِ السياسيّة. أمستحيلٌ هذا الطموحُ الطبيعيُّ؟ أمستحيلٌ أن يكونَ لنا رئيسٌ يَعرِفُ، على الأقل، من كان الرئيسُ الياس سركيس؟

اخترنا لكم
عودةٌ إلى الوراءِ!
المزيد
هل نحن مقبلون على حرب شاملة؟
المزيد
خوفًا من الصراع... شركات طيران تعلّق رحلاتها إلى الشرق الأوسط
المزيد
"شُحنَت في صيف 2022".. شركة "البايجر" وهمية؟
المزيد
اخر الاخبار
"خطواتٌ جديدة" على الحدود!
المزيد
بزشكيان: ندعو إلى وحدة المسلمين لوقف المجازر الإسرائيلية
المزيد
تعليق للشركة اليابانية حول انفجارات أجهزة اللاسلكي
المزيد
الحزب ينعى مؤسّس قوة الرضوان ابراهيم عقيل وهيئة أركانها
المزيد
قرّاء الثائر يتصفّحون الآن
أدرعي: دمّرنا بنى تحتية لحزب الله ردًا على اطلاق قذائف نحو إسرائيل
المزيد
منظمة الصحة تعلن دخول "مرحلة جديدة وخطيرة" من كورونا
المزيد
بوحبيب من السراي: تكليف الهيئة العليا للاغاثة إجلاء الرعايا اللبنانين المقيمين في أوكرانيا
المزيد
كيف أقفل دولار السوق السوداء مساء اليوم؟
المزيد
« المزيد
الصحافة الخضراء
اتفاقية تعاون بين جمعيّتي "غدي" و"الملكية الاردنية لحماية الطبيعة" الناصر: حماية الطبيعة لا تعرف حدود، فهي مثل الطائر الذي يطير وينتقل من مكان إلى آخر غانم: نؤمن أن التعاون هو أرقى أشكال التطور
بيان للدفاع المدني بعد الانتهاء من عمليات إطفاء مطمر برج حمود
شكوى بجرائم بيئية ضد الدولة اللبنانية امام مجلس حقوق الانسان الدولي
محمية أرز الشوف في المنتدى الإقليمي للحفاظ على الطبيعة لدول غرب آسيا، هاني: نعمل مع شركائنا لزيادة المناطق المحمية
لجنة البيئة تواكب حريق المكب وتدعو لإقفال المطامر الشبيهة.. وياسين يعتذر
فياض: تنظيف مجاري الأنهر بمزايدات لتفادي الفيضانات وحماية البنى التحتية