#الثائر
تتوالى القراءات المتشائمة للمشهد اللبناني، وآخرها ما ورد في تقرير أعدّه خبراء اقتصاديون، وتلقّاه أحد كبار المسؤولين، حصلت «الجمهوريّة» على خلاصة له، وفيها:
- اولاً، أزمة لبنان: تدرّجت في مخاطرها وآثارها الاجتماعية، من كونها اكثر ازماته التي شهدها في تاريخه خطورة، لأن تصبح أزمة كيانية تهدد بقاءه.
- ثانياً، إن ما يزيد عن 90 % من الشعب اللبناني، بحسب الاحصاءات الحديثة لمؤسسات دولية وأممية، باتوا فعلياً تحت خط الفقر.
- ثالثاً، انّ مالية لبنان، وخصوصاً ما يتصل بالاحتياط في مصرف لبنان، وصل فعلاً الى حد الافلاس. ولن يكون في استطاعة مصرف لبنان في هذه الحالة أن يُلبّي الحاجة لتوفير وتأمين حتى أبسط الاساسيات.
- رابعاً، إن المؤشرات تُظهر واقعاً مظلماً للبنان، حيث تؤكد هذه المؤشرات، بناء على تطورات الداخل ومعطيات الخارج، أن لبنان ذاهب الى الأسوأ، والاشهر القليلة المقبلة حاسمة في تحديد مسار الامور.
- خامساً، انّ أزمة لبنان المالية والاقتصادية والاجتماعية، تفرّعت عنها ازمة هي الأخطر على وجوده، وتتمثّل في الهجرة المتفاقمة، وفي مقدمها هجرة الشباب والكفاءات واصحاب الاختصاصات العالية في شتى المجالات، حيث ان لبنان في هذا الوضع مرشّح لأن يكون مواجهة إفلاس فاضِح في شبابه وكفاءاته وطاقاته، مع ما لذلك من آثار اجتماعية كارثية.
- سادساً، انّ النظام الحاكم القائم بات أعجَز من قدرته على تقديم حلول، مع عقلية استئثارية في السلطة، تجاوزت الدستور ومؤسساته.
ويخلص التقرير الى اعتبار «انّ كسر القالب والخروج من أسر هذا النظام وعقليته، أصبح ضرورة وجودية واقعية لمستقبل لبنان. اذ يستحيل بناء دولة في ضوء الواقع القائم وانهياراته التي بدأت تُسقط ما تبقّى من مؤسسات الدولة واحدة تلو الأخرى».
علاجات جراحية
واذا كان من المُسلّم به انّ تفاقم الأزمة، هو نتيجة موضوعية لادارة فاشلة حكمتها منذ البداية، ولعدم التقاط اسبابها وبلورة علاجاتها قبل استفحالها، فإنها على ما يقول خبير اقتصادي لـ«الجمهورية»، كشفت عجز وفشل الادارة السياسية التي تناوبت على ادارة هذه الازمة، ومسؤوليتها وشراكتها او بالأحرى تَشاركها في التسبّب بهذا الانهيار. وهو الامر الذي يجعل من المستحيل لاحقاً إمكان الرهان على علاجات للازمة مع اطراف وجهات كانت شريكة في هدم اسس الهيكل الاقتصادي والمالي للبنان، ناهيك عن أنّ هذه الازمة باتت في تشعّباتها وتفاعلاتها أعمق من أن تعالج على الطريقة التقليدية التي كانت متّبَعة بالمسكنات، بل بما تفرضه المؤسسات المالية الدولية، من علاجات جراحية موجِعة في مختلف مفاصل مريض فاقِد لكل شيء ويعاني في كل شيء. وأما نتيجة هذه العلاجات فبالتأكيد لن تكون بشفاء عاجل، بل سيتطلّب العلاج وقتاً طويلاً، بل طويل جداً، والوجع، حتى مع العمليات الجراحية سيستمر لسنوات طويلة.
يَتأيّد هذا الكلام بقراءة لأحد كبار المسؤولين حيث قال لـ«الجمهورية»: منذ بداية الازمة، وحتى منذ ما قبل تشرين الاول 2019، كانت امام لبنان فرص كثيرة وَفّرها له المجتمع الدولي، ليتجاوز أزمته وآثارها السلبية على اللبنانيين، وحدّد المسارات في مؤتمرات باريس وصولاً الى «سيدر» ومجموعات الدعم للبنان، شاء بعض اصنام السياسة والمُتحجّرين في مواقفهم ان يضيّعوها في مكابراتهم وحساباتهم الشخصية والحزبية، وتوجهاتهم ومصادماتهم لكل الناس، ان يهدموا الهيكل، وفوّتوا الفرص المتتالية، وحَصدَ جميع اللبنانيين نتيجة ذلك».
واضاف: فلنعترف، لقد خَذلْنا العالم كلّه، الشقيق والصديق وكل من مدّ يده لمساعدتنا، حتى وصلنا الى تخلي العالم كلّه عن لبنان، ولبنان اصبح وحده لا نصير له، لأن حكّامه لم ينصروه، وهذه حقيقة تبلّغناها صراحة من كل الزوار الاجانب الذين نلتقي بهم. ويقولون لنا نحن معكم إن كنتم مع انفسكم، ونحن لم نثبت للعالم اننا مع انفسنا، فهل نستغرب في هذه الحالة إن تخلّوا عنا؟
خارج دائرة الاهتمامات
وسط هذه الاجواء، ورداً على سؤال لـ«الجمهورية»، قال مصدر ديبلوماسي عربي: كان المنتظر من الاخوة في لبنان ان يدخلوا من مجموعة الابواب التي فتحت امامهم خلال السنتين الماضيتين لبلورة علاجات وإصلاحات لوضعه الداخلي، ولكن مع الأسف لم يحصل ذلك.
والمُستغرب، كما يضيف المصدر الديبلوماسي، انّ الاخوة في لبنان يطلبون مساعدة الاصدقاء والاشقاء، ولكن من دون ان يُقرنوا ذلك بجدية وخطوات داخلية تستعجل وصول هذه المساعدة، والمسؤولية هنا لا تقع على اصدقاء لبنان واشقائه، بل على لبنان، الغارق في صراع مع نفسه، وكل العالم يلاحظ التخبّط والتصادم بين السياسيين.
وكشف المصدر انه تِبعاً للأجواء العامة، وكذلك للاجواء السائدة في لبنان، وخصوصا ما يتعلق بما وصفه «التعطيل غير المفهوم لتشكيل حكومة، والارباك الذي نشهده على مسافة اشهر قليلة من استحقاق انتخابات رئاسة الجمهورية في لبنان»، فإنّ ما يقرأ في المناخ العربي والدولي هو أن الجميع يريدون الخير للبنان وخروجه من ازمته، لكنه لا يقع حالياً في دائرة المتابعات والاهتمامات الخارجية الصديقة والشقيقة، وبمعنى أدق لم يعد في خانة الأولويات، ذلك انّ التطورات الاقليمية والدولية أرخَت بظلالها على كلّ العالم، وتُنذر بمخاوف وتداعيات على اكثر من ساحة دولية واقليمية قد تبرز في الاشهر المقبلة، حتى لا نقول في الاسابيع المقبلة. ومن هنا تتجدد دعوتنا الى الاخوة في لبنان ليُسارعوا في اعادة ترتيب ما تسمّونه في لبنان «بيتكم الداخلي».