#الثائر
- " اكرم كمال سريوي "
لعل أبرز مساوئ قانون الانتخاب الحالي، أنه يحدُّ من حرية الناخبين في اختيار ممثليهم، فبات تشطيب الأسماء داخل اللائحة ممنوعاً، وعلى الناخب أن يصوّت للّائحة كاملةً، أي "الجَمل بما حَمل"، كما أوضحنا في مقال سابق.
أمّا السيئة الثانية في قانون الانتخاب، فهي أنه كرّس الطائفية، ليس في توزيع المقاعد وحسب، بل في تقسيم الدوائر، وتحديد حدودها مذهبياً. ومَن يُدقّق في نتائج انتخابات 2018 سيجد أن اللبنانيين صوّتوا غرائزياً، كل ناخب أعطى صوته، للمرشح الذي ينتمي لمذهبه، وقلّة هم الذين خالفوا هذه القاعدة. وبشكل أوضح، فلقد رفضت القوى السياسية القانون الأرثوذكسي، الذي طرح أن تنتخب كل طائفة لنوابها، لكن في الحقيقة تم في هذا القانون، فرز اللبنانيين مذهبياً، مع الغاء لمفاعيل أصوات بعض الأقليات، عن طريق تذويبها في دوائر كبيرة، ذات أغلبية مذهبية معيّنة. وذلك خدمة لمصلحة بعض الزعماء والأحزاب القوية، المسيطرة طائفياً، على هذه الدوائر.
أما السيئة الأبرز في قانون الانتخاب، فهي أن بعض المقاعد النيابية، أصبحت أشبه بتعيين قائمقام، لا يملك الناخبون في المنطقة في اختياره أي دور.
وهذا ما يحصل في دوائر عديدة خاصة الكبرى التي تضم أكثر من دائرة صغرى . فلو أخذنا منطقة حاصبيا ومرجعيون مثلاً ، سنجد أن النواب عن المقاعد؛ السني، والأرثوذكسي، والدرزي، يتم تعيينهم وفرضهم على أهالي المنطقة فرضاً، بأصوات الناخبين الشيعة، حيث يتجاوز الحاصل الانتخابي في هذه الدائرة 17 الف صوت، في حين يقترع فيها وفي أفضل الحالات؛ من الناخبين الدروز حوالي 7 آلاف فقط، ومن المسيحيين أقل من 5 آلاف، ومن السنة حوالي 13 ألف، مع العلم أن هذه الطوائف هي منقسمة أيضاً فيما بينها.
وهذا الأمر يتكرر مع مرشحين آخرين؛ كالمقعد السني في البقاع الثالثة، والمقعد الدرزي في بيروت الثانية، ومع المرشحين المسيحيين في عدة دوائر ، كلمقعدين المسيحيين في دائرة البقاع الثانية، والجنوب الأولى، والجنوب الثانية، وبيروت الثانية والشمال الأولى، والشمال الثانية، فيصبح اختيار هؤلاء النواب، بمثابة تعيين قائمقامين في هذه المناطق، دون أي اعبتار لرأي الناخبين وحقيقة تمثيلهم.
ولا يخفى طبعاً طريقة تعيين الزعماء الأقوياء للنواب داخل أحزابهم وكتلهم، والتي جاءت بقسم كبير منها مخالفة لرغبة القاعدة الشعبية لهذه الأحزاب نفسها.
فعملية فرض بعض الأسماء داخل هذه الكتل، لاقت اعتراضاً شديداً من المحازبين، وستنعكس سلباً على مشاركتهم في عملية الاقتراع، خاصة أن بعض هؤلاء المرشحين يملك سجلاً حافلاً بالفساد، أو أن تاريخهم في العمل السياسي سيّء للغاية، وبعضهم مغمور كلياً وليس لديه ما يُقنع الناس للثقة به وإعطائه صوتهم، وغالباً لا يملك سوى بعض الثروة، التي تقاسمها مع أسياده للحصول على لقب "سعادة النائب".
باتت النتائج شبه معروفة، ومن المرجّح أن يحصل حزب الله وحلفاؤه على أغلبية يطمح بأن تفوق 75 نائباً. بينما تشير بعض التقديرات واستطلاعات الرأي أنها ستكون حوالي 65 نائباً او اكثر بقليل، فيما سيحتفظ اللقاء الديمقراطي بمقاعده وقد تزيد كتلة القوات حوالي ثلاثة مقاعد ومع الغياب الرسمي لتيار المستقبل سينخفض العدد لتجمّع ما بقي من المحسوبين على قوى 14 آذار إلى حوالي 40 نائباً، والباقون سيتوزعون بين مستقلين ومجتمع مدني وسيشكّلون مجموعة لا بأس بها داخل المجلس الجديد.
عندما سنعدُّ بعد أيام، مجموع الأصوات التي منحت ثقتها لنواب لبنان، سنجد أنهم أقل من ثلث الشعب اللبناني، وبالتالي هم أقلية حاكمة ومتحكمة، بسطوة المال والتعصب الطائفي، وأن ديمقراطيتهم المزعومة، أفسدها قانون انتخاب سيّء، وممارساتهم السياسية المقيتة، للاستحواذ على السلطة. وكما قال سقراط: "فإن الأوليغارشية لا بد أن تتحول إلى الاستبداد"، ولا شك أن "الأنا" والاستبداد، هم أكثر ما يميّز حكام لبنان اليوم.
كُثر هم المرشّحون الذين لا يملكون قاعدة شعبية، ويشترون بمالهم الوجاهة والمقعد النيابي. فالأمر طبعاً ليس له علاقة بشغفهم بالدفاع عن الوطن، و لا باهتمامهم بمنطقتهم، التي بالكاد يعرفها بعضهم، ولا يعرف أهلها ولا حاجاتهم ولا تطلعاتهم، فهم يتم تعيينهم لحسابات مالية بالدرجة الأولى، وهذا يمثّل قمة التزوير لإرادة الشعب، واستغلال للسلطة، في تركيب قانون انتخاب مفصّل على قياس مصالح قوى سياسية، ما زالت تتحكم بلبنان، وتقود اللبنانين وفق مصالحها، كمجرد اتباع وعبيد لا رأي لهم ولا حقوق بالتعبير عن ارادتهم المسلوبة منذ سنوات.
فمرّةٌ باسم الحفاظ على حقوق طائفية مزعومة، ومراراً باسم الوطنية والإصلاح ومحاربة الفساد، وغيرها من شعارات كاذبة، وغالبيتهم ممن عاثوا في الأرض فساداً، ودمروا اقتصاد لبنان، وسرقوا ثرواته، وأفقروا شعبه، ثم يقولون لنا: نريد الإصلاح والعمل لإنقاذ لبنان .
مبروك عليكم المقعد النيابي، لكن ذلك لا يعني أنكم أصحاب شرعية تمثيل حقيقي لأبناء شعبكم، ولا بد أن يأتي يوم يستعيد فيه الشرفاء تمثيلهم الصحيح، وحقهم بمن يمثّل إرادتهم بكل صدقية وجدارة.
في علم الكيمياء والمنطق: مَنْ أعاد التجربة بنفس العناصر ونفس الظروف سيحصل على ذات النتيجة.
أعيدوا التجربة أيها اللبنانيون إذا شئتم!!! لكن لا تتباكوا على مصيركم بعد 15 أيار، لأن النتيجة معروفة سلفاً.