#الثائر
- " اكرم كمال سريوي "**
تعاطف عالمي واسع مع مأساة انسانية عاشها ابن الخمس سنوات الطفل المغربي ريان، عالقاً على عمق ٣١ متراً داخل بئر ضيق لا يتجاوز قطره ٤٠ سم وعمقه الأقصى ٦٠ متراً.
في بئر مظلمة دون طعام ولا شراب، وأنين يكاد لا يُسمع، جراء آلام كسور في العنق والرأس، وأوجاع لمدة خمسة أيام متتالية، عانى منها ريان ليتم إخراجه بعد فوات الأوان جثة هامدة .
قصة مغربية حرّكت مشاعر العالم من أقصاه إلى أقصاه، وعلى مدار الساعة واكب الإعلام عمليات الإنقاذ، التي قادها عبد الهادي التمراني، بدأت بحفر خندق من مسافة ١٥٠ متراً عن البئر، وبانحدار ٤٥ درجة، بواسطة الجرافات، حتى تم الوصول إلى عمق ٣٣ متراً، ثم تم بعدها حفر نفق أفقي نحو البئر، وتمت الاستعانة ب العم علي الصحراوي (٦٨عاماً) خبير حفر الآبار يدوياً، الذي تمكّن مع ثلاثة آخرين من حفر الآمتار الأخيرة، التي أوصلت فرق الإنقاذ إلى جثة الطفل ريان.
رغم تزايد الاهتمام وما أولاه الملك المغربي محمد السادس شخصياً من اهتمام لإنقاذ الطفل، حيث تم إرسال طوافة، وفرق طبية خاصة، استعداداً لمساعفة ريان ونقله إلى المستشفى فور إخراجه من البئر . ورغم تغريدات كبار قادة العالم ومسؤوليه، وتعبيرهم عن حزنهم للنهاية المأساوية لعملية الإنقاذ، فإن كل ذلك جاء متأخراً ولا يبرر الأخطاء المرتكبة خلال خمسة أيام مضت .
في عام ٢٠١٩ غربي الهند سقط طفل بعمر ١٨ شهراً في بئر ضيقة، وعلق على عمق ١٧ متراً، لكن فرق الإنقاذ تمكنت من انتشاله حياً بعد ٤٧ ساعة فقط، وبعد أن قاموا بحفر بئر موازي على مسافة ٦ أمتار من البئر الذي علق به الطفل، ثم حفروا نفقاً أفقياً ويدوياً وتمكنوا من إخراجه.
يوجد اليوم آلات حفر متطورة جداً، خاصة لدى شركات النفط، وهي قادرة على الوصول إلى عمق ٣٠ متراً في أقل من يوم واحد. كان يمكن الاستفادة من التجربة الهندية وحفر بئر موازي بقطر متر أو أكثر، يسمح بدخول رجال الإنقاذ، وعلى مسافة قريبة من البئر الذي علق بداخله ريان، ثم يتم حفر نفق أفقي يدوياً للوصول إلى مكان الطفل وانقاذه.
لماذا لم تطلب السلطات المغربية المساعدة من الدول الصديقة، وشركات حفر آبار البترول؟ وهل قدّر المسؤولون عن عمليات إنقاذ ريان، الوقت اللازم للوصول إليه، باستعمال الجرافات والطريقة التي حصل بها الحفر؟
لا شك أن العملية فشلت وهذا يؤكد خطأ نظرية أصحابها من مهندسين وتقنيين ومنقذين، في اعتمادهم هذا الأسلوب بالحفر. ولا بد من التفكير بطريقة أُخرى، ووضع خطط انقاذ صحيحة، تقوم على فرضيات واحتمالات. وربما يمكن الاستفادة هنا من العلوم العسكرية، التي تدرس الفرضيات في أوقات السلم ، وتضع الخطط والحلول للمعالجة، وتُجري تدريبات ومناورات عديدة لإكساب رجالها ما يلزم من خبرات، فلا مجال للدرس أثناء القتال. وهذا ما يجب أن تفعله فِرق الإنقاذ لرفع جهوزيتها في التعامل مع أي حدث طارئ.
لقد تأخر الوقت وفات الآوان ، ولن يفيد ريان وأهله الآن كلمات التعاطف، وظهور المسؤولين بخطابات المواساة وإبداء مشاعر الحزن.
ومن أجل ريان وحفاظاً على حياة كل طفل، يجب اتخاذ اجراءات وقائية عدّة، خاصة فيما يتعلق بإعطاء رُخص حفر الأبار، إضافة إلى توثيق عمليات الأنقاذ، وتبادل الخبرات بين دول العالم، وتجهيز فِرق الدفاع المدني في كل دولة بالمعدات اللازمة لذلك.
وما زلنا في لبنان نذكر رجال الإطفاء والدفاع المدني، وهم يحاولون قرابة ٢٠ دقيقة أو أكثر فتح باب العنبررقم ١٢ قبل انفجار نترات الأمونيوم في مرفأ بيروت، و لو كان لديهم ما يكفي من وسائل وخبرة، للدخول بسرعة وإطفاء الحريق، لربما كنّا تجنّبنا حدوث تلك الكارثة المدمِّرة.
الرحمة لريان ولكل الأطفال الأبرياء الذين يقعون ضحايا الإهمال والحروب والتعسف، ولتكن هذه الدروس القاسية حافزاً لدى كل مسؤول وكل إنسان، لفعل ما يلزم، دعماً لفرق الدفاع المدني، التي لا يذكرهم معظم الناس سوى في أوقات الشدائد.
** رئيس النحرير