#الثائر
رئيس تحرير موقع "الثائر" اكرم كمال سريوي -
لم تعد مواقف الكتل النيابية خافية، بالرغم من التقية التي يعتمدها البعض، في التعبير عن خياراته لاسم الرئيس المُزمع انتخابه.
لقد أوصل الوفد السعودي رسالة واضحة إلى من التقاهم في لبنان، بأنه يدعم انتخاب قائد الجيش العماد جوزيف عون، وأنه يتحدث باسم الخماسية، وأن المواصفات المطلوبة للرئيس في المرحلة المقبلة تنطبق عليه أكثر بكثير مما تنطبق على الآخرين.
وشدد الوفد السعودي على مسألة المساعدات لاعادة الاعمار والنهوض بلبنان، وربطها بوجود سلطة نزيهة، تتمتع بالشفافية والمصداقية والثقة الدولية.
لم يسمع الموفد السعودي موافقة على اقتراحه، فرئيس المجلس النيابي كما بات واضحاً، بالتنسيق مع حزب الله ،لا يدعم وصول قائد الجيش، الذي على ما يبدو لن يحصل على 86 صوتاً في الجلسة الأولى، ويرغب بري بايصال العميد جورج خوري، وفي حال التعذر لديه خطة "ب" ربما تفضي إلى ايصال سمير عساف، أو جهاد أزعور، اللذين يحظيان بقبول من القوات اللبنانية، والتيار الوطني الحر، واذا فشل ذلك، قد تحصل معركة انتخابية حقيقية، توصل رئيساً ب 65 صوتاً، وهذا ما زال مستبعداً لأن المرجح عندها أن يتم تطير النصاب وتأجيل الانتخابات وهذا هو الخيار الأسوأ .
أما رئيس التار الوطني الحر جبران باسيل، فيرفض بشكل قاطع وصول العماد جوزيف عون، ومستعد للمساومة مع الثنائي الشيعي على ثلاثة أسماء أخرى، طرحها في اجتماعه الاخير مع الرئيس بري.
فيما يرفض قائد القوات اللبنانية سمير جعجع أن يعلن دعمه لترشيح العماد جوزيف عون، ويربط ذلك بانتظار ان يدعم الثنائي الشيعي صراحة ترشيح قائد الجيش، ليفعل هو ذلك.
من الواضح أن جعجع والثنائي يمارسون فعل التقية، فهم لا يريدون "كسر الجرة" مع قائد الجيش، وإعلان رفضه، ولكنهم لا يؤيدون وصوله إلّا إذا توافرت شروط إضافية تلبي مصلحة كل فريق منهما.
فبالنسبة للثنائي الشيعي،وتحديداً حزب الله، لا يريد تقديم هدايا مجانية لأحد، لا للسعودية ولا للأميركيين، خاصة أنه يتعرض في الداخل ومن الخارج، لهجوم غير مسبوق، وهناك محاولات حثيثة من البعض لكسره وتجريده من السلاح وإلغاء دوره، ولذلك يبحث الحزب عن ضمانات حقيقية ولن يغامر في موضوع الرئاسة.
لم يتحدث الأميركيون بشكل واضح أنهم يريدون انتخاب قائد الجيش، رغم أنهم يؤيدون في الخفاء هذا الخيار، لكن الإدارة الامريكية الحالية تُدرك أنها راحلة، ولم يعد بمقدورها تقديم أي ضمانات للبنان، والإدارة الامريكية المقبلة تُفضّل تأجيل انتخابات الرئاسة في لبنان، إلى ما بعد استلام الرئيس ترامب منصبه، على اعتبار أن من انتظر أكثر من سنتين، يستطيع أن ينتظر شهرين كما أوضح مستشار الرئيس ترامب اللبناني مسعد بولوس.
طالب النائب ملحم خلف، أن يتم إلغاء أي ورقة في صندوق الانتخاب، تحمل اسم مرشح لا يملك أهلية الترشح للانتخابات الرئاسية، معتبراً أن قائد الجيش لا يملك هذه الأهلية كونه ما زال في وظيفته، وانتخابه مخالف لنص المادة 49 من الدستور، التي تمنع انتخاب موظفي الفئة الاولى وما يعادلها مدة قيامهم بوظيفتهم، وخلال السنتين اللتين تليان تاريخ استقالتهم وانقطاعهم فعليا عن وظيفتهم، او تاريخ احالتهم على التقاعد.
هذا الموقف للنائب خلف ليس يتيماً، وربما هناك من أوحى له بذلك، وهناك عدد من النواب والمسؤولين يؤكدون أن انتخاب قائد الجيش يحتاج الى تعديل الدستور.
وفي الحقيقة المشكلة ليست في تعديل الدستور أو عدم احترامه وتطبيقه، فلو احترم النواب الدستور لما حصل الفراغ الرئاسي في لبنان. لكن كما يقال "خلف الأكمة ما خلفها" فهؤلاء يرفعون "فيتو" بوجه قائد الجيش متسلحين بنص الدستور.
أما بالنسبة لقائد القوات اللبنانية فهو لا يحبذ وصول شخصية عسكرية، ولم يكن يوماً على وئام مع الجيش، وتلميحه بامكانية القبول بجوزيف عون، وربطه ذلك بإعلان الثنائي الشيعي ترشيحه، هو محاولة للامساك بورقة الرئاسة، بحيث يصبح بعد ذلك، وحده القادر على ايصال عون، أو المساومة على شخص آخر. كما أن هذا التلميح هو أيضًا من باب إحراج أخصامه المسيحيين، خاصة جبران باسيل.
ولكن جعجع يراهن على المتغيرات الدولية والاقليمية، التي وإن لم تدفع به إلى سدة الرئاسة، لكنها قد تجعله القائد الأعلى للمسيحيين، والقادر على تحديد ليس اسم رئيس الجمهورية وحسب، بل الشخص الذي لا يمكن تجاوزه في انتخاب أو تعيين أي شخص ماروني، في مراكز الفئة الأولى في الدولة.
هذا الطموح لجعجع، لا يتوافق مع شخصية قائد الجيش جوزيف عون، المعروف عنه أنه شخصية قوية لا يخضع للابتزاز أو للإملاءات، وهو الذي رفض أوامر القصر بقمع المتظاهرين، ورفض وضع الجيش في مواجهة الشعب الثائر على الفساد، والمطالب بالتغيير.
بعد سنتين وأكثر من شهرين على الفراغ في سدة الرئاسة، يتحدث البعض عن انتخاب رئيس بالنصف زائد واحد، أي 65 صوتاً، وأن هذا الأمر ديمقراطي ويتوافق مع نصوص الدستور، وهذا يدل على أن الاتفاق على رئيس ما زال بعيد المنال، وطالما الأمريكي لم يتدخل بشكل فاعل في هذه الانتخابات، فما يسمى ب "التهريبة" بات ممكناً.
وفق الدستور يمكن عُقد جلسة انتخاب الرئيس بوجود ثلثي اعضاء المجلس فقط (أي 86 نائباً)، وانتخاب الرئيس وفق المادة 49 من الدستور " يُنتخب رئيس الجمهورية بالاقتراع السري بغالبية الثلثين من مجلس النواب في الدورة الاولى، ويكتفي بالغالبية المطلقة في دورات الاقتراع التي تلي".
وصحيح أن الغالبية المطلقة تعني نصف الحاضرين زائد واحد، لكن المقصود في المادة 49 (رغم عدم دقة النص)، هو الغالبية المطلقة من مجلس النواب، أي 65 صوتاً في المجلس الحالي، وليس الغالبية المطلقة من الحاضرين (أي 44 صوتاً).
الكل يُجمع على أن هناك فرصة تاريخية لانتخاب رئيس، يكون قادراً على قيادة مسيرة الانقاذ، وما زال الوقت متاحاً ليراجع الجميع حساباتهم، والتعالي على المصالح الخاصة والشخصية والصغيرة، وأن ينتخبوا رئيساً للجمهورية، يكون قادراً على انقاذ لبنان. فالمرحلة تحتاج إلى توافق، وإلى رئيس بغالبية تفوق المئة صوت نيابي، يلتف حوله اللبنانيون، ويشكل مصدر ثقة للداخل والخارج، كي يتمكن من انقاذ لبنان.