#الثائر
في رسالته الاستقلالية الأخيرة، التي وجهها رئيس الجمهورية ميشال عون الى اللبنانيين، كما في تصريحات له قبلها، تأكيد على وجوب دعوة مجلس الوزراء للانعقاد، ومثله رئيس الحكومة نجيب ميقاتي أكد دوما ويؤكد عزمه دعوة مجلس الوزراء إلى الاجتماع قريبا، على الرغم من الأجواء السياسية غير المشجعة، مما يوحي بأنه ما يقال في هذا السياق، تطمينات للمجتمع الدولي، الذي يلح على المسؤولين في لبنان مساعدة أنفسهم كي يساعدهم. وآخر الإشارات الدولية وردت على لسان وفد الكونغرس الأميركي، الذي حث الرئيس عون على لعب دوره في تصحيح المسار فيما تبقى من ولايته، 11 شهرا و10 أيام. ويبدو أن التأكيد على دعوة مجلس الوزراء للانعقاد ضرورة رئاسية، فالرئيس عون سيكون في قطر نهاية الشهر، وسيكون هناك من يسأله عما فعل، وهو «الرئيس القوي» كما يصفه تياره، في لبنان وللبنان، على هامش افتتاح الدورة الرياضية في الدوحة، ومثله رئيس الحكومة ميقاتي، الذي لا يرى ملائما لقاء البابا فرنسيس في الفاتيكان الأربعاء، كرئيس حكومة مشلولة وممنوعة من الانعقاد، فكان القرار المبدئي بالدعوة الى عقد جلسة لمجلس الوزراء، بمعزل عن القدرة على مواجهة قرار التعطيل.
طبعا قد يكون هذا ممكنا في حال توصلت المنظومة الحاكمة الى الالتفاف على الموقف القضائي الرافض أي افتئات على حصرية ملف التحقيق بجريمة تفجير مرفأ بيروت، عبر تجزئة الملف او حتى سحبه من يد القاضي طارق البيطار، علما ان السلطة التنفيذية مازالت ترفض إدخال الملفات القضائية في سوق النخاسة السياسية. لكن المصادر المتابعة تنظر بعيون مفتوحة الى مسار الصور الفضائية التي وافقت موسكو على تسليمها للبنان، بناء على طلب الرئيس عون، والتي يفترض ان يعود بها وزير الخارجية عبدالله بوحبيب من موسكو التي غادر إليها أمس.. ومصدر الاستغراب ما جرى تسريبه من ان هذه الصور ستسلم إلى رئيس الجمهورية مباشرة، ودون المرور بالمعبر القضائي، كما هو مفترض. ومعنى ذلك انها لن تبقى بعيدة عن الاستثمار السياسي، ان على حساب المحقق العدلي والاستقلالية القضائية، أو لمساومة حزب الله، القلق حيال كل ما يتناول التحقيق بتفجير المرفأ.
وتتحدث المصادر عبر "الأنباء" الكويتية" عن اتصالات للرئيس عون مع حزب الله لتليين موقفه، وعدم مقاطعة الجلسة المرتقبة لا من وزراء الثنائي ولا من وزير الإعلام جورج قرداحي، الذي عليه الاستقالة داخل الجلسة.
وعلى أية حال، إذا ما وجهت الدعوة الى مجلس الوزراء للانعقاد فلن يحصل ذلك قبل مطلع الشهر المقبل، أي بعد عودة الرئيس عون من الدوحة، والرئيس ميقاتي من الفاتيكان، وكلاهما يراهن على وضع ثلاثي حزب الله، أمل، والمردة، أمام الأمر الواقع، في حال عدم التجاوب، فإما أن يشارك وزراؤهم في الاجتماع الوزاري، بمعزل عن الشروط، وإما تعقد الجلسة بمن حضر، ولهم أسوة بالرئيس عون الذي حكم البلد عام 1988 بـ 3 وزراء مسيحيين زمن رئاسته الحكومة العسكرية بعد استقالة الوزراء المسلمين.
الى ذلك، أشار مصدر وزاري ل"الشرق الأوسط" إلى إن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، وإن كان يقاتل على أكثر من جبهة سياسية في محاولة لإخراج لبنان من التأزّم الاقتصادي والمعيشي والاجتماعي، يسعى جاهداً إلى إعادة تعويم حكومته بمعاودة جلسات مجلس الوزراء لأن هناك ضرورة ملحّة لإنهاء فترة التمديد القسري لتصريف الأعمال الذي يحاصرها على خلفية إصرار «الثنائي الشيعي» على تنحية المحقق العدلي في انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار بذريعة اتباعه الاستنسابية والانتقائية في ادعاءاته التي طاولت الوزراء السابقين النواب الحاليين علي حسن خليل ونهاد المشنوق وغازي زعيتر، إضافة إلى رئيس الحكومة السابق حسان دياب والوزير الأسبق يوسف فنيانوس.
وأكد المصدر الوزاري لـ«الشرق الأوسط» أن ميقاتي ليس في وارد التدخّل في شؤون القضاء إيماناً منه بضرورة الفصل بين السلطات، فإنه في المقابل يترك للجسم القضائي تصحيح الخلل بتصويب مسار التحقيق في انفجار مرفأ بيروت لإعادة الأمور إلى نصابها بتحييده عن التجاذبات والسجالات السياسية.
ومع أن دعوة ميقاتي، كما يقول المصدر الوزاري، لمعاودة جلسات مجلس الوزراء التي يتعامل معها بجدّية رئيس الجمهورية ميشال عون اصطدمت مجدداً بشروط «الثنائي الشيعي» وتحديداً «حزب الله»، الذي اشترط بلسان نائب أمينه العام الشيخ نعيم قاسم معالجة الأسباب التي أدت إلى توقّف جلساته على قاعدة التخلُّص من المنظومة القضائية، فإنه يستقوي بالواقع المأساوي غير المسبوق الذي أصاب السواد الأعظم من اللبنانيين، لعل الحزب يضطر لمراجعة موقفه باتجاه الإفراج عن تعطيله جلسات مجلس الوزراء.
ورأى المصدر نفسه أنه من غير الجائز الإبقاء على الحكومة، بعد مرور شهر على ولادتها، في دائرة تصريف الأعمال، أُسوة بالحكومة السابقة التي أصدرت فور استقالتها المئات من القرارات والمراسيم التي أخذت الحكومة الميقاتية علماً بها من دون أن يتمكن مجلس الوزراء من مراجعتها والتدقيق فيها. وقال إن الفرق بين الحكومة الحالية وسالفتها يكمن في أنها تحظى بدعم دولي وبتأييد من معظم الكتل النيابية بخلاف حكومة دياب.
واعتبر أن تعطيل جلسات مجلس الوزراء قوبل بامتعاض واستغراب من قبل المجتمع الدولي، الذي أبدى كل استعداد لمساعدتها لإخراج البلد من التأزُّم، مع أن ميقاتي استعاض عن تعطيلها بتفعيل عمل اللجان الوزارية لملء الفراغ بشكل موقت شرط ألا تدوم فترة تصريف الأعمال بواسطة الاعتماد على «المراسيم الجوالة»، التي كان آخرها المرسوم الذي وقّعه عون وميقاتي ووزير المالية يوسف الخليل والرامي إلى صرف منحة اجتماعية للعاملين في القطاع العام قُدّرت بنصف راتب شهري.