#الثائر
- " د. ميشال الشمّاعي "
ما كادت أن تنتهي غزوة عين الرمانة ذلك الخميس الأسود حتّى بدأت تتكشّف النوايا المبيّتة؛ وعرف الصغير والكبير في لبنان والعالم كلّه، بالطبع إلا أشباه البشر، بأنّ أهداف التظاهرة التي كانت أمام قصر العدل للإعتراض على أداء القاضي طارق بيطار، والمطالبة ب "قبعه" بكلّ حضارة، إنّما كانت أهدافها " قبع" مَن يحمي العدالة ويصون الدّولة، كي لا نقول الحصن السياسي الوحيد المتبقي لحماية الدّولة لا المنظومة والدّويلة. أي حزب القوّات اللبنانيّة.
لم تنتهِ الغزوة حتّى بدأت الهجمة الإعلاميّة على القوات اللبنانيّة وسمير جعجع رئيسها. واستُعِيدَ خطاب العمالة، ووُظِّفَتْ دماء الضحايا للمزايدات السياسيّة. والمثير للسخرية فيما حدث كميّة الفيديوهات والتسجيلات الصوتيّة التي تمّ تسريبها من قبل رُعاة هذه التظاهرة، أي حزب الله وحركة أمل. وكلّها تظهر بوضوح وبما لا يقبل الشكّ مدى سلميّة هذا التحرّك. ومهما حاولوا قلب الحقائق إلا أنّ الوقائع المصوَّرة تدحض ذلك كلّه.
هنا مجموعة من المسلّحين بالكلاشينيكوفات تتبختر على الطرقات وتطرطق الزجاجات على البلكونات. وهناك خلف السيارات مجموعة من الأربيجيهات تُرمى على المنازل الآمنة في عين الرمانة. ناهيك عن العراضات في السيارات ذات الزجاج الداكن والتي تحمل على ظهورها المدافع الرشاشة ذات العيارات الثقيلة والمتوسّطة. وعندما دخلت شوارع عين الرمانة الآمنة تركت الجرحى من شباب المنطقة الآمنين الذين ينتمون إلى مختلف الأطياف السياسيّة، وبعضهم لا لونًا سياسيًّا له.
صحيح أنّ لحزب القوّات اللبنانيّة وجود لافت في منطقة عين الرمانة لأنّ هذه المنطقة لا تستطيع أن تنكر تاريخ وجوديّتها ومَن كان السبب في الحفاظ عليها حرّة وسيّدة طوال سنين الحرب البغيضة، لكن الأصحّ أيضًا أنّ معظم بنايات عين الرمانة بات تسكنها عائلات من الطائفة الشيعيّة الكريمة ومنهم أصدقاء شخصيّين لي وعند سؤالهم لماذا اخترتم عين الرمانة للسّكن؟ يجيبون: "لا نريد أن تُغسَلَ أدمغة أولادنا وهم في العاشرة من أعمارهم حتّى يرسلوا بعدها في ربيع العمر فيموتون في سوريا واليمن والعراق خدمة لمشروع حزب الله الأيديولوجي الذي لا يشبهنا إطلاقًا. "
إذًا عين الرمانة ليست بؤرة للهاربين من القانون، بل هي ملجأ للكيانيّين الأحرار من أينما أتوا، وهم وجدوا فيها بيئة تشبههم وتحضنهم بكلّ عزّة وكرامة. وهؤلاء كلّهم دافعوا عن عين الرمانة، لأنّها لم تعد فقط مسكنًا لهم، بل صارت ملجأ آمنًا، لا بل أكثر من ذلك بكثير، صارت عين الرّمانة الوطن الذي يشبههم، حيث فقدوا صورة الوطن الذي أرادوه ولم يجدوه في مناطق عزيزة ولدوا وتربّوا فيها.
للأسف أثبتت مدرسة طهران للإخراج والتمثيل بأنّها فاشلة، لا بل أكثر من ذلك، الجسم القوّاتي بات جسمًا منيعًا على كلّ المؤامرات ليس لأيّ سبب بل لأنّ هذا الجسم هو جسم حقيقيّ، هو جسم الحقيقة بحدّ ذاتها. فكلّ المحاولات الإعلاميّة لإظهار ما حدث بأنّه كمين مدبّر دحضتها الفيديوهات والتسجيلات التي تسرّبت ممّن ظنّوا بأنّها ستكون عاملا لإخافة الناس الآمنين في عين الرمانة فانقلبت على مصوّريها وأتت نتائجها عكسيّة. حتّى أنّ هؤلاء استعانوا بالعقول النيّرة لبعض حلفائهم، حيث حاول هؤلاء إلصاق شتّى التهم بالقوّات لتبرئة ساحة حلفائهم تكريسًا لولائهم لاتّفاق مار مخايل، حتّى وصلت مخيّلأات بعضهم إلى اتّهام القوّاتيين بالهتاف " شيعة شيعة". إلهي ما هي خطيئتنا لنحتمِلَ هذه الترّهات!
والأدهى من ذلك كلّه التحريض الإعلامي الذي سبق هذه الحوادث والذي يعود إلى أكثر من أربعة أشهر خلت. وتضمّنت هذه التحريضات إيحاءات إلى حادثة سيدة النجاة لكأنّ هؤلاء فضحوا نواياهم بذاتهم بتحضيرهم لمؤامرة سيّدة نجاة part 2 ففشلوا هم ومخططاتهم السوداء وانجلَت الحقيقة بعد مطالباتهم بحلّ الحزب وإحالة جريمتهم بحقّ أبنائهم إلى المجلس العدلي. يريدون تكرار تجارب الماضي. لكن نسيوا أنّ الحقيقة لا يمكن تحويرها في عهد وسائل التواصل الإجتماعي مهما ركّبوا من أفلام. لا سيّما بعدما تمّ الكشف عن مطلقي النّار على مسلّحيهم.
خلاصة ذلك كلّه، أنّ المأزوميّة التي باتت فيها هذه السلطة صارت كبيرة لا تحتمَل. فلن تألو جهدًا هذه السلطة بتشويه خصومها ومَن يواجهونها لا سيّما قبل الانتخابات النيابيّة التي باتت بحكم الواقع. ولا شيء يمنع بمَن يضحّون بأبنائهم في عين الرمانة بغرض تشويه صورة خصومهم من أن يعمدوا إلى تطيير الانتخابات برمّتها لا سيّما بعد الهشاشة التي ظهرت في احتفالات الهزائم لحلفائهم. فهل يتحمّل هؤلاء وزر جرّ البلاد إلى ما قد لا تحمد عقباه في سيّدة نجاة part 3 بعد مقاومة الجزء الأوّل وفشل الجزء الثاني؟