#الثائر
بقلم المستشار الاعلامي صموئيل نبيل اديب
قليلون من يعرفون أن محمود العربي مؤسس توشيبا العربي و المصنف الثالث والخمسون كأكبر مجموعة ( عائلية) صناعية على مستوى الوطن العربي، قد ترك المدرسة وهو في السنة الرابعة الابتدائي.. و اضطر أن يسافر إلى القاهرة ليعمل مع أخيه بسبب الفقر .. لينتقل من عمل إلى آخر حتى استقر مع عم (رزق) في منطقة خلف مسجد الحسين ،كبائع في محل خردوات و لعب أطفال…
الشاب محمود، الأسمر النحيف أحب العمل بالرغم من أسلوب عم رزق الجاف الذي ضايق الزبائن بسبب أسلوبه. ..أحبه لدرجة انه في يوم مولد سيدنا الحسين، حيث الزحام الشديد، ظل محمود يبيع حتى انتهت البضاعة فاغلق المحل ليذهب إلى تاجر الجملة ويحضر بضاعة أخرى و يبيعها حتى تنتهى.. و هكذا، أكثر من مرة طوال النهار و طوال الليل.. حتى أن عم رزق عندما رجع في ظهر اليوم التالي اكتشف أن محمود الذي لم ينم منذ يومين استطاع أن يبيع بمبلغ 40 جنيها ( ما يعادل 50 ألف حاليا) وهو مبلغ كبير جداً في ذاك الوقت
محمود الشاب القادم من الأرياف حيث الاحترام و التقدير توقّع أن عم رزق سيعطيه مكافأة على سهره و حمله البضاعة على كتفه من تاجر الجملة حتى المحل . و لكنه فوجئ أن عم رزق وضع النقود في جيبه و قال له " بالتأكيد انت متعب.. اذهب لترتاح الآن و ارجع لي بعد المغرب!!!"
لتكون صدمة و خنجر فى قلب الشاب الصغير.. الذي ذهب إلى منزله و لم يرجع إلى عم رزق مرة أُخرى بل ذهب إلى تاجر الجملة ليعمل معه ويتعرف عنده على عامل آخر ساعده في إنشاء أول محل جملة لبيع الخردوات و الذي كان أساس إمبراطورية العربي فيما بعد.. ليخسر عم رزق أهم موظف عنده حتى يقال إنه قد أفلس بعدها بفتره بينما نجح محمود ليكون توشيبا العربي..
ذكرتنى قصة محمود بقصة تاريخيه قرأتها منذ سنوات طويلة.. عن إنسان غني في مدينة مكسيكية طالها الجوع نتيجة الجفاف.. فأمر الطباخ أن يخبز كل يوم ( قفة) كامله من العيش الشمسي و يضعها أمام قصره ليحضر أطفال البلدة و ياخذ كل منهم رغيفاً واحداً يوميا..
لمدة أسابيع، شاهد الغني أطفال البلدة يحضرون إلى باب قصره و يتعاركون و يتشاجرون للحصول على أفضل خبز.. و لكن يظل طفل صغير واقفا بملابس قديمة حتى ينصرفوا ليحصل على أسوء رغيف.. ثم يذهب إلى الغني ليقول له " شكرا لك على محبتك" و ينصرف بعدها..
تكرر الأمر لأسابيع طويلة وتكرر حصول الطفل علي أسوء رغيف و يتكرر تقديمه الشكر للغني …
حتي جاء يوم لم يتبقَ للطفل الصغير سوى رغيفاً واحداً كبيراً و لكنه ناشف و محروق أسفله.. كان من السوء حيث لا يستطيع إنسان أن يأكله.. و لكنه أخذه و ذهب إلى الغني ليشكره و عاد به إلى أمه المريضة، و فيما هم يكسرون الخبز اكتشفوا وجود عملات ذهبية في داخله.. الأمر الذي أصابه بالدهشة كطفل فقير لم ير في حياته نقوداً ذهبية..
أخبرته والدته أن يسرع بالذهاب إلى الرجل الغنى.. فبالتأكيد سقطت منه النقود في عجان الدقيق الكبير… وربما سيتهم أحدهم ظلما أنه قد سرق النقود..
ذهب الطفل جرياً إلى المدينة ثم إلى قصر الغني…
الطفل الصغير الذي لم يأكل شيئا منذ الصباح و قطع المسافة ثلاث مرات كان متعباً جداً وهو يقف أمام الغني ليقدم له أربع قطع ذهبية كانت في الخبز
" سيدى وجدتهم في الرغيف.. أرجوك لا تظلم أحد"
ابتسم الغنى واحتضن الطفل.. أخبره أنه قصد أن يضع النقود في أسوء رغيف.. لكي يضمن أنه هو من سيحصل عليها.. فهو الوحيد الذي ظل يشكره طول أسابيع بالرغم من حصوله دائما على أسوء رغيف.. و يخبره أنه هو وأمه سيكونان في ضيافة بيت الغني حتى نهاية المجاعة ..
عزيزى القارئ
.. تعلمنا أن نكتب "من لا يَشكر لا يُشكر" و لكننا نكتبها عندما نشكر من هم أعلى منا.. فنحن لا نشكر من هم أقل منا درجة أو غنى.،، و لا نشكر الجدعان أو المخلصين أو العاملين معنا أو حتى اقاربنا و عائلاتنا.. و إلا أخبرني متى آخر مرة شكرت فيها أمك أو زوجتك على تعبهم..؟! أو شكرت موظف عندك على تعبه في العمل.؟
ربما خاف عم رزق أن يشكر لكي لا يطالبه محمود بزيادة.. وربما رأى الأطفال أنه من واجب الغني أن يوزع عليهم من ماله وإلّا سيكون بخيلا ..
وبين هذا وذاك .. . نفوق ذات يوم على خسارتنا .. فبين خسارة عم رزق و خسارة الأطفال الآخرين كانت قشة النهاية في كلمة " شكرا لك"..
ليتنا نتعلم أن نشكر