مقالات وأراء

أيُّ ذَنْبٍ اقتَرَفَتْ مَغْدوشِة؟

2021 آب 29
مقالات وأراء

#الثائر

- " د. ميشال الشمّاعي "

مغدوشة القرية الهانئة التي تربض على تلّة المنطرة، حيث العذراء مريم انتظرت ابنها يسوع في تلك المغارة ليعود بعدما نقل بشارة الملكوت إلى الصيدونيّين الصيّادين الأحرار الذين اصطاد تلاميذًا له فجعلهم صيّادي بشر. هذه هويّة مغدوشة ولن ينجح أيّ كائن بشري بتغييرها لا اليوم ولا في المستقبل البعيد. مغدوشة رمز لحوار وتلاقي الحضارات في الجنوب كما في لبنان كلّه. والذنب الوحيد الذي اقترفته أنّها آمنت بالوطن والدوّلة والجمهوريّة.

وما حدث في مغدوشة في اليومين الماضيين لا يعدو كونه إشكالا معيشيًّا اجتماعيًّا على خلفيّة طوابير البنزين، لكن ذلك كلّه لما حصل لولا الانتفاخ الذي يشعر به أهالي عنقون وبعض قرى الجوار بسبب تمايزهم بحمل السلاح غير الشرعي تحت ذرائع مختلفة، لعلّ أبرزها مقاومة العدوّ الاسرائيلي. ولقد سقطوا هم وسلاحهم لأنّ تحرير القدس ومزارع شبعا وتلال كفرشوبا لا يمرّ من مغدوشة.

من هذا المنطلق، تتجدّد الإشكاليّات الكيانيّة عند كلّ مفصل، وقد شهدنا بعضها في الأسابيع والأيّأم التي انقضت. مغدوشة التي تهجّرت وقرى شرق صيدا لن تتهجّر مجدّدًا بفعل السلاح غير الشرعي. ومخطئ مَن يظنّ أنّ إخافة بعض صغار وضعفاء النّفوس ستجعل من مغدوشة صحراء قاحلة يستسهل غزوها. زمن الغزو قد ولّى منذ زمن. أمّا أولئك الذين ما زالوا حتّى اليوم يحملون في ذهنيّتهم وخلفيّاتهم حضارة الغزو فلا يمكن التعامل معهم إلا بذهنيّة القانون والدّولة. وفيما هم يعملون على تذميم أهالي مغدوشة والجوار المطلوب تدجين هؤلاء كلّهم في صلب الدّولة وتحت القانون.

وما يميّز المنطقة ومغدوشة أيضًا هو وجود نوّاب ومنهم دولة الرئيس نبيه برّي والنائب الدّكتور ميشال موسى. وأمام هذا الواقع لم يستطيعا كلاهما ضبط الأمور كما يجب. والمعلوم أنّ النائب المغدوشيّ عضو في تكتّل التنمية والتحرير، والمعتدون من أبناء عنقون محسوبون على حركة أمل. ولقد اكتفى أبناء البلدة استعراضات أبو ملحميّة من بطولة نائب القرية للصلح بين أبناء البلدتين؛ فيما في كلّ مرّة لا يتمّ توقيف أيّ معتدٍ على كرامة أبناء مغدوشة. حتّى انسحابه من تكتّل الرئيس برّي لن يرضي أبناء بلدته الأحرار.

فحتّى ساعات متأخّرة من الليل بقيت الاشتباكات تتفاعل وتتجدّد. وهذا ما يطرح تساؤلا مُرِيبًا فيما إذا كان المقصود الدّخول إلى الحالة الفتنويّة من بوّابة مغدوشة وعنقون تفاديًا لدخولها من غير هذه البوّابة. والسبب من وراء ذلك كلّه الوصول إلى حالة من الفوضى العارمة، قد لا تصل حدّ الحرب الأهليّة، وبالطبع هذا ما يرفضه كلّ عاقل ووطنيّ وكيانيّ بامتياز، وهذا ما سيؤدّي حتمًا إلى سبب للبحث في تعديل دستوري قد يطال النّظام. ولا يستقلّ أو يستخفّ أيّ أحد بهذه الأسباب. فالمضمَر عند الكبار بات معلنًا من الصّغار. وذلك ترجمة للخلافات الدّستوريّة التي تتمظهر حينًا في صلاحيّات الرئاسات، وحينًا آخر في أحجام الديموغرافية الطائفيّة المتبدِّلَة، وليس انتهاء بالارتطام الإقتصادي الذي يقرع باب الدّولة وتركيبتها.

أيّ ذنبٍ اقترفت مغدوشة كلّها لتدفع هي وأبناؤها ضريبة الفوضى والدم عن أزمة اقترفها أهل السلطة والحكم بتجويع اللبنانيين وإيقافهم طوابير طوابير أمام المحطات والأفران والصيدليّات؟ المطلوب من القوى الأمنيّة والجيش اللبناني الضرب بيد من حديد لإرساء المن والأمان من جديد في المنطقة. ومن غير المطلوب ألا يحاسب المرتكب. وما هو أبعد من ذلك من غير المقبول ألا يتمّ متابعة الموضوع قضائيًّا. ومن غير المسموح التحايل على القضاء لدخول المعتدين من بابه وخروجهم من شبّاك ولائه الزعاماتي.

«يَا أُورُشَلِيمُ، يَا أُورُشَلِيمُ! يَا قَاتِلَةَ الأَنْبِيَاءِ وَرَاجِمَةَ الْمُرْسَلِينَ إِلَيْهَا، كَمْ مَرَّةٍ أَرَدْتُ أَنْ أَجْمَعَ أَوْلاَدَكِ كَمَا تَجْمَعُ الدَّجَاجَةُ فِرَاخَهَا تَحْتَ جَنَاحَيْهَا، وَلَمْ تُرِيدُوا!" هذه هي حال لبنان اليوم. يُرجَمُ فيه كلّ مَن يدعو إلى جمع أولاده، وهم باتوا اليوم في حالة افتراقٍ كيانيٍّ من غير المعروف متى أو أين قد يُتَرْجَمُ ميدانيًّا. الحلّ الوحيد يبقى باستعادة هيبة الدّولة من خلال استعادة سيادتها بالكامل، لا سيّما من حيث ازدواجيّة حمل السلاح، ووضعه باليد الشرعيّة، وكفّ اليدين الأخرى كلّها بعد انتفاء الذرائع. ويبقى السؤال الإشكالي الخطير الذي يطرح ذاته أمام انسداد آفاق العمل السياسي هو: هل صدر الأمر من أمراء السلاح والحروب بضرب مبدأ العيش معًا ؟

اخترنا لكم
عودةٌ إلى الوراءِ!
المزيد
هل نحن مقبلون على حرب شاملة؟
المزيد
خوفًا من الصراع... شركات طيران تعلّق رحلاتها إلى الشرق الأوسط
المزيد
"شُحنَت في صيف 2022".. شركة "البايجر" وهمية؟
المزيد
اخر الاخبار
"خطواتٌ جديدة" على الحدود!
المزيد
بزشكيان: ندعو إلى وحدة المسلمين لوقف المجازر الإسرائيلية
المزيد
تعليق للشركة اليابانية حول انفجارات أجهزة اللاسلكي
المزيد
الحزب ينعى مؤسّس قوة الرضوان ابراهيم عقيل وهيئة أركانها
المزيد
قرّاء الثائر يتصفّحون الآن
التقرير اليومي لمستشفى الحريري حول كورونا...
المزيد
طبيب تعافى من كورونا: اعتقدت أنني لن أعود للحياة أبداً
المزيد
المعارضة في لبنان تعلن خطة لمعالجة أزمات البلاد
المزيد
عدوان: ليضع بوريل القوانين التي تتعلق بالنزوح السوري في بلاده
المزيد
« المزيد
الصحافة الخضراء
اتفاقية تعاون بين جمعيّتي "غدي" و"الملكية الاردنية لحماية الطبيعة" الناصر: حماية الطبيعة لا تعرف حدود، فهي مثل الطائر الذي يطير وينتقل من مكان إلى آخر غانم: نؤمن أن التعاون هو أرقى أشكال التطور
بيان للدفاع المدني بعد الانتهاء من عمليات إطفاء مطمر برج حمود
شكوى بجرائم بيئية ضد الدولة اللبنانية امام مجلس حقوق الانسان الدولي
محمية أرز الشوف في المنتدى الإقليمي للحفاظ على الطبيعة لدول غرب آسيا، هاني: نعمل مع شركائنا لزيادة المناطق المحمية
لجنة البيئة تواكب حريق المكب وتدعو لإقفال المطامر الشبيهة.. وياسين يعتذر
فياض: تنظيف مجاري الأنهر بمزايدات لتفادي الفيضانات وحماية البنى التحتية