متفرقات

أهالي ضحايا انفجار مرفأ بيروت لـ الشرق الأوسط: لن نسكت عامٌ والجرح مملح ملتهب والوقت وقح

2021 آب 03
متفرقات الشرق الأوسط

#الثائر

كتبت صحيفة الشرق الأوسط تقول: قلتُ للجرح اضبط نفسك وتشجع. عليك بالمواجهة. ما حدث شل الروح وخلف فجوة ضخمة، يملأها الخوف ويستلذ بظلمتها. كيف يمر عامٌ برغم تجمد الزمن؟ كيف تكمل الساعة دورتها المنتظمة، فيما كل شيء تخربط وتفحم وتفجم؟ وقحٌ الوقت. يجري فوق الجثث. ويتنزه بصحبة روائح الدم العالقة في الأنوف منذ الرابع من أغسطس (آب) 2020 السادسة وثماني دقائق بتوقيت بيروت المدمرة. ثم يختال مثل طاووس يتباهى أمام المجزرة. سنة على فاجعة المرفأ، وزيارة المكان كتحريك الملح في طعنة ملتهبة. لا يمكن الاختباء خلف تلك اللحظة إلى الأبد. ربما عليها التفكك خارج التكتل الرهيب المُسمى ذاكرة، فقد تغادرنا الصور والاستعادات الليلية المخيفة. وقد تتجرأ الأعصاب على رفض الاستجابة لأي هزة باعتبارها "لحظة انفجار أخرى"، فيحل هلع قبيح واضطراب لا يرحم.

الانفجار صديق عزيز، رفيق اليوميات وخصوصاً الليالي. يتخذ مكانه في المقعد الأيمن من السيارة، ولا يحتاج لحزام أمان، فمنذ التعرف إليه، والطمأنينة قتيلة. سنة على إفراغ الداخل من سكينته وحشوه بالوحش. يا لفظاعته وهو ينهش بلا توقف، تستهويه أجراس الإنذار فيُطلقها، محذراً بلا رحمة من انفجارات آتية، بالهول نفسه وربما أعظم، مغلقاً هذه المرة أبواب النجاة. طرْقٌ لا يهدأ، يهدد، مع كل خطوة ونَفَس، بالموت والخسائر. هكذا نحن منذ مأساة الصيف الفائت: ضحايا.

يمر عام، ودائماً ثمة احتمال الاشتعال من جديد، مع فارق أن شيئا في الداخل "تحصن" و"تأهب"، مترقباً الانقضاض عليه في أي وقت. تتغير العلاقات مع الأشياء، خصوصاً المصاعد، وتحديداً الهاتف. في المصعد، تتذكر كل شيء دفعة واحدة. وتنقبض دفعة واحدة، فتتشابك الأعصاب ككتلة صوف معقدة، مجهولة البداية والنهاية. المرة الأولى التي صعدتُ فيها المصعد بعد الصدمة كانت جحيماً.

والهاتف يصبح لصيقاً بالجيب أو اليد، لعل انفجاراً آخر وقع، فيمكن الاستنجاد أو الاتصال للصراخ. بعضنا منذ عصر ذلك الثلاثاء، لم يعد يجيد سوى الصراخ. وكلما خطر على البال إبقاء الهاتف في السيارة مثلاً، إن كان المشوار مجرد دقيقتين إلى الفرن، دوى صوتٌ آمر: لا! خذيه معكِ، لربما وقع انفجار! ضحايا الذعر والمجهول، والموت الجوال على هذه الأرض - المقبرة.

حارٌّ جداً الطقس ورطوبة بيروت مرتفعة. كان الداخل يرتجف، مع كل خطوة اقتراب من المرفأ. في المرء المهشم، وهو ارتجاف من نوع آخر، يغزو الجسد، ويحلو له أحياناً الاستقرار في القدمين، منتشياً بشلهما. هذا الارتجاف تولده خبطتان: موت عزيز أو النجاة شخصياً من الموت. فإن مات غالٍ، سكنكَ الارتجاف إلى الأبد، وإن نجوتَ قضمكَ لقمة لقمة.

بدت الطيور المحلقة حول الإهراءات مضطربة أيضاً. لا بد أنها تدرك ما جرى وتشتم بمناقيرها جنون الفجيعة. تكمل حافلات الشحن عملها، ومشهد الأنقاض يرفض مغادرة المكان. كل ما في "بور" بيروت مُخرب، يابس، كالعشب المُهمل على الأطراف، حيث لا يقوى اخضرار على التمادي، ولا تجرؤ حياة على إعلان النصر.

على عنق ابتسام حصروتي قلادة من أربعة أحرف: "LOVE". تقف زوجة الضحية غسان حصروتي وظهرها للإهراءات الشاهدة على الزلزال. يبيض الشعر، مُشكلاً مع الثوب الأسود لحظة تضاد لافتة. تخبر "الشرق الأوسط" أن الجرح لا يزال طازجاً، "كأنه اليوم". 38 سنة أمضاها غسان حصروتي في مرفأ بيروت، عاملاً لا يتعب، وقد ورث الاجتهاد من والده، هو أيضاً ابن الصوامع والعنابر. "أشعر كأنه سيعود. سيُنهي عمله ويطل من الباب". استيعاب الخسائر شاق. بالنسبة إلى الزوجة، فإن أحداً لا يكتوي بالنار المشتعلة داخلها، ولو تعاطف معها الكون. 14 يوماً حتى وُجدت جثة زوجها، ومنذ رحيله "تغير كل شيء". يعزيها الإيمان ويجعلها تتماسك: "مستمرون في هذه القضية، برغم أننا لا نعرف مسار التحقيق. يهزأون بنا. مر عام ولم تُكشف أي حقيقة. جميعهم يتسترون على بعضهم البعض. فضحُ المنظومة يعني إسقاطها، وهذا ما يخشون منه". وعلى وَقْع الدمع، تطرح الأسئلة القهارة: "من أحضر النيترات؟ من أفرغها في المرفأ؟ من علِم بخطرها ولم يتحرك؟ مجرمون".

تُدخِل ابنتها تاتيانا حصروتي بعض الأبيض على لباسها لقهر السواد الطاغي. شابة في بدايات العُمر، تؤكد لـ"الشرق الأوسط" أن "الانفجار باقٍ فينا، ولا نريد أن ننسى". ترفض الشفقة: "نحن أقوياء ولن نسكت". تخذلها دولتها، ومع ذلك "لن أستسلم. أستحق حياة أفضل".

نخجل من استنهاض المواجع والحركشة بالدمع. كلما بكى أهل ضحية، تحرك التمزق في الصميم. يحمل ميشال مرهج، شقيق الضحية قيصر مرهج صورة أخيه وذكرياتهما. 35 عاماً عُمر الراحل، ابن الأمن العام اللبناني. أب لولدين - طفلين - يتمتهما المأساة؛ الكبير (خمس سنوات) تُخفف أحماله معالجة نفسية. يقول لـ"الشرق الأوسط": "الغضب كبير". يطارد العدالة المعلقة في حسابات السياسة وحصانات أزلامها: "نريدها، ولو كلفتنا الكثير. فالانفجار لم يكن وليد ثانية. هو وليد سنوات من الإهمال والمؤامرة، ومع ذلك لا ندري ماذا حدث".

والد ووالدة الضحية أحمد قعدان تحت الشمس الحارقة يرفعان صورته. شدة الانفجار أوقعت عليه أكوام الحجارة في الجميزة (شارع بيروتي) فرحل بلا وداع. 30 عاماً هو عمر الابن الوحيد بين ثلاث فتيات. "يزيد الشوق كل يوم"، يقول الأب. يتهم الدولة بالمأساة، ويكرر الأسئلة: "كيف خُزنت النيترات؟ وكيف جُمعت مع الزيت والمفرقعات؟ من أدخلها وأهملها؟". صبر الله قلبك يا عم.

ترفض الوالدة هيام قعدان لفلفة القضية، وتقول لـ"الشرق الأوسط": "ستُحاسبون". لا ترضى بأقل من تعليق المشانق في العنبر رقم 12. ومن حرقتها تدعو: "فليدفنوا أولادهم كما دفنا أولادنا". كلمة لأحمد: "يا إمي اشتقتلك كتير. رح ضل أنزل وطالب بحقك". غالٍ دمعكِ، أنحني لكِ وله.

اخترنا لكم
الراعي بمناسبة الاستقلال: اللبنانيون أقوى من كل الحروب
المزيد
الانتظار الدامي للرد الإسرائيلي: الفجوات مستمرة
المزيد
خسارةٌ غيرُ معلنةٍ!
المزيد
قائد الجيش: لا خوف على الجيش والافتراءات وحملات التحريض لن تزيده إلّا صلابة
المزيد
اخر الاخبار
لاريجاني: رسالة خامنئي إلى الأسد وبري ستغيّر المعادلة.. و"الحزب" لم يستخدم أسلحته المهمة بعد
المزيد
الحصيلة ترتفع.. 92 قتيلاً باستهداف إسرائيل لتدمر
المزيد
إصابة 4 جنود إيطاليين باستهداف مقر قيادة لليونيفيل.. وروما: "حزب الله" على الأرجح وراء الهجوم
المزيد
"الخارجية" رحبت بمذكرتي اعتقال نتنياهو وغالانت: قرار يعيد الاعتبار للشرعية الدولية ولمفهوم العدالة
المزيد
قرّاء الثائر يتصفّحون الآن
"الهيكل العسكري لحزب الله وحده يضم 100 ألف مقاتل"... نصرالله يهاجم جعجع ويخاطب المسيحيين
المزيد
ترودو ندد بتحويل مسار الطائرة الأوروبية وبيلاروسيا أغلقت سفارتها في كندا
المزيد
لبنان حسم موقفه والترسيم حاصل واشنطن تضغط لإنجاز الإتفاق وسيكون بضمانتها.. خلف: لا يرتكز على أي سند قانوني
المزيد
أبي المنى اتصل بالراعي ودشن خلوة الخلوات
المزيد
« المزيد
الصحافة الخضراء
الحاج حسن: أضرار القطاع الزراعي هائلة ومسح جوي لتقييم الخسائر بالتعاون مع الفاو
بعد إخبار رازي الحاج... إلقاء القبض على ٤ أشخاص
إتّفاقيّة تعاون بين جمعيّة "غدي" والمركز التربوي للبحوث والانماء
هل تريد حياة أطول؟.. دراسة حديثة تكشف "السرّ"
رصد جسم فضائي طائر قبالة دولة عربية.. والكونغرس الأمريكي يبحث أمره
عينات تظهر التاريخ الجيولوجي للقمر.. إنجاز هام لمسبار صيني