#الثائر
- " د. ناصر زيدان "
ستولد حكومة الرئيس نجيب ميقاتي مهما حصل من عراقيل، ولا يوجد خيار آخر، بمعنى أنه يستحيل العثور على شخصية تحظى بتأييد من المرجعيات الإسلامية إذا ما اعتذر ميقاتي عن التأليف. والحكومة العتيدة بمنزلة الفرصة الأخيرة المتاحة لوقف الانهيار. وميقاتي لديه قدرة كبيرة على الصبر، ويتمتع بمرونة واضحة يمكنها التعامل مع التصلب والاستبداد، كما أن الفريق الآخر المعني بالتشكيل يتهيب الموقف بعد مسار طويل من المكابرة. وهذا الفريق أمام مخاطر عقوبات داخلية وخارجية موجعة قد تواجهه إذا ما استمر بإدارة البلد بذات الطريقة التي اعتمدت خلال السنوات السابقة.
آخر المعطيات تشير إلى أن الرئيس ميقاتي قطع شوطاً مهماً في مسيرة التأليف، والعقد التي وضعها فريق رئيس الجمهورية في طريقها للحل، ذلك أن الضغط الخارجي القوي الذي حصل في الساعات الأخيرة كان كافياً لإفهام الرسالة إلى من يعنيهم الأمر، أن عواقب تعطيل التشكيل ستكون وخيمة، وسيدفع المعرقلون ثمناً باهظاً بأشخاصهم وبمن يمثلون، كما أن الضغط الشعبي والسياسي الداخلي وصل إلى حدود لا يمكن تجاهلها، وهناك قوى وربما طوائف بكاملها أبلغت المعنيين بأنها تتخلى عن أي تمثيل وزاري من أجل إنقاذ الوضع المعيشي وتأمين الطعام والأدوية والمحروقات والكهرباء للمواطنين. هذه الأوراق الرابحة حملها الرئيس المحنّك نجيب ميقاتي في حقيبة التفاوض، ولا يمكن للطرف الآخر أن يتجاهل مفاعيلها، إلا إذا كان قد قرر الانتحار أو الموت السياسي المستقبلي نهائياً.
أوساط رئيس الجمهورية ساهمت في تعميم موجات التفاؤل، من خلال الإيحاء بأن الرئيس عون يقدّر مرونة الرئيس ميقاتي، وهو مهتم بإنقاذ ما تبقى من عهده، وميقاتي طمأن عون بقابليته للتعاون لتحقيق هذا الهدف، على اعتبار أن الأمر يتعلق بإنقاذ حياة اللبنانيين أيضاً، وهؤلاء دفعوا ثمن المناكفات السياسية التي حصلت، ويعيشون اليوم مأساة لم تحصل حتى في أيام الحروب المشؤومة.
الدور الفرنسي يواكب بقوة مراحل التأليف، ويجهد لولادة الحكومة قبل انعقاد المؤتمر الدولي لدعم الشعب اللبناني في 4 أغسطس بمناسبة ذكرى مرور سنة على تفجير مرفأ بيروت، لكي يتسنى لميقاتي ومسؤولين غيره المشاركة في مداخلات المؤتمر الذي سيحضره عبر الشاشة الرئيس الأميركي جو بايدن وقيادات عالمية وازنة أخرى. وقد اجتمع وزير خارجية فرنسا جان إيف لودريان مع نظيره السعودي الأمير فيصل بن فرحان في باريس لهذه الغاية، كما أجرى لودريان مع زميله وزير الدفاع الفرنسي مباحثات مع وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس في باريس أيضاً، بهدف الطلب من إسرائيل وقف أي عدوان يمكن أن يسبب خلط الأوراق في لبنان، لاسيما بعد أن صدرت مواقف في غاية السلبية عن نفتالي بينت رئيس وزراء إسرائيل تنذر بإرباك الساحة الجنوبية، وهناك ترابط بين بعض الأعمال العدوانية التي تستهدف الأراضي السورية وبين ما يجري في لبنان، وقد طلب الجانب الفرنسي من الوزير الإسرائيلي ضبط النفس وتخفيف اللهجة العدوانية. والجانب الفرنسي على تنسيق مع الولايات المتحدة الأميركية وروسيا في هذا الاتجاه، كما أن هناك أطرافاً عربية تساعد في تطويق أي تفاعلات، وإيران المنشغلة بالحراك المعارض في بعض مناطقها، لم تتعاط بسلبية تجاه هذا المسار، وحزب الله كان قد أيد تكليف ميقاتي تشكيل الحكومة ضمن هذا السياق.
تفاقم الأحداث في لبنان أصبح ينذر بانفجار معيشي وأمني وشيك، ولن تكون القوى المعرقلة التي يشار إليها في لبنان بمنأى عن الخطر، كما أن المتهورين من مجموعات الحراك الذين ساهموا في غرق السفينة، هم أيضاً في دائرة الخطر. والفوضى اللبنانية سينتج عنها «وجعة رأس» كبيرة لأوروبا بأكملها وللدول المحيطة بلبنان وللولايات المتحدة الأمريكية، بسبب وجود ما يزيد على مليوني لاجئ سوري وفلسطيني على أرض لبنان، والأحداث قد تدفع هؤلاء ومعهم الكثير من اللبنانيين للهجرة الى أوروبا تحديداً.
حكومة الربع الأخير من ساعة الاختناق، هي الفرصة الأخيرة المتوافرة قبل الولوج نحو الجحيم.
الانباء -