#الثائر
- " د. ميشال الشمّاعي "
=== خاص "الثائر"===
عمليًّا نجحت منظومة الفساد والسلاح بإخماد الثورة وذرائعها. وذلك بدءًا من الشرارة الأولى في 17 تشرين 2019 وحتّى اليوم، مرورًا بما اشتعل في هاتين السنتين من شرارات إجتماعيّة، ونقديّة، واقتصاديّة، وعملاتيّة، وحكومتيّة. كلّها لم تنجح باشتعال فتيل الثورة من جديد. حتّى انفجار الرابع من آب، أمام هول هذه الفاجعة، لم يتمكّن النّاس من إشعال فتيل الثورة من جديد. وعلى هذه الخلفيّة اليوم تجلّى عمل القاضي بيطار من خلال الاستدعاءات التي قام بها. فهل سيكون القضاء هذه المرّة بوّابة الخلاص نحو لبنان الغد؟ هل ستنتطلق شرارة الثورة من جديد عبر باب القضاء المشرَّع بعدما أقفل المشرِّع أبوابه؟
لا بدّ من التوقّف هنا أمام مسيرة القاضي روزاريو ليفاتينو الذي اغتالته المافيا في صقلية، وهو في الثامنة والثلاثين في 21 أيلول 1990، الذي اعتبر "شهيد" القضاء والعدالة. وهو الذي رفض الحصول على مواكبة مسلحة وقتل على بعد كيلومترات قليلة من منزله، قرب أغريغنتو في صقلية عندما كان يستعد لإصدار تدابير إقامة جبرية في حق أفراد من عائلات كبيرة في المافيا الصقلية المعروفة باسم كوزا نوسترا.
وعندما وصلت الشرطة إلى مكان الاغتيال كانت الاجندة الخاصة به إلى جانبه مع شعار "STD" مكتوبا على الصفحة الأولى على غرار كل ملفاته. وهذا الشعار دعاء قديم للرب "ساب توتيلا ديي" (بحماية الرب) كان يستخدمه القضاة في القرون الوسطى قبل اتخاذ القرارات الرسمية. ورفعه قداسة البابا فرنسيس في 9 أيّار من هذا العام طوباويًّا في الكنيسة الكاثوليكيّة واصفًا إيّاه بشهيد العدالة والايمان.
أمام هذه الوقائع المدويّة في سجلات القضاء العالمي، المطلوب اليوم من القاضي بيطار ألا يخاف من أيّ تهديد قد يطاله، وعليه متابعة مسار تحقيقاته في جريمة المرفأ، وعندها اللبنانيّون كلّهم سيقفون معه، ويكون هو ملهم ثورتهم الجديدة. وقد تأتي هذه الأحكام لتكون الشرارة الجديدة التي ستطلق الثورة القضائيّة التي ستنسحب على الميادين كلّها في الساحة اللّبنانيّة. والأمل كبير بالقضاء اللبناني الذي لا يخلو من الشرفاء، لا كما صرّح أحد أعمدة هذه السلطة بأنّ أكثر من 95 % من القضاة هم من الفاسدين فيما معروف مَن هو القاتل والفاسد.
"كوزانوسترا" لبنان يجب أن تنتهي. ولن تكون نهايتها لا بقوّة السلاح، ولا بفوضى الشارع المنظّمة من قبل قوّة أحزاب الأمر الواقع في المنظومة الحاكمة، بل النهاية الحتميّة لهؤلاء هي في القضاء اللبناني الذي وحده يستطيع أن يقول الحقّ. ولا خوف على قضاة يكونون بحماية الربّ. وشعارهم STD . ويبدو ألا أمل للبنانيين اليوم إلا بالقضاء. ولن يكون هذه المرّة القاضي بيطار وحيدًا في معركته مع المافيا اللبنانيّة؛ بل سيجد نفسه محاطًا باللبنانيّين الشرفاء كلّهم؛ ولن تنفع أيّ تهديدات له طالما أنّه بحمى الربّ.
ولو أنّ السلطة اليوم رضخت لمشيئة النّاس لما كنّأ وصلنا إلى هذا الدّرك بل كان التغيير حتمًا بأصوات النّاس في صندوقة الاقتراع. لكن اليوم لأنّ هذه المنظومة ترفض خيارات النّاس، وتحاول قمعهم عند أيّ استحقاق تغييريّ يخوضونه، ممّا دفعهم إلى اللجوء إلى المنظومات الحزبيّة البائدة والتي لفظتها دول العالم المتحضّر؛ تلك التي تنبذ الحرّيّة والديمقراطيّة وتدعو تحت ستار العدالة الاجتماعيّة إلى عدالة الفرد البشري بينما تقتل الشخص البشري الموجود في كلّ إنسان حرّ في هذا الكون.
من هذا المنطلَق، يُعتبَر القضاء اللبناني الذي نؤمن بقدرته، الباب الوحيد للتغيير السلمي قبل انحدار البلاد إلى الفوضى التي تريدها هذه المنظومة لمزيد من القمع الذي يؤمّن استمراريّـها في الحكم. فهل سيستطيع فجر الثورة أن يولد من جديد؟ أم أنّ المنظومة ستجهض هذا المولود بقوّة السلاح والتهديد والفوضى الأمنيّة أمام نزاع الكوزا نوسترا اللبنانيّة؟