#الثائر
حلت رئيسة الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية السيدة كلودين عون ضيفة شرف في حفل إطلاق منظمة خبراء فرنسا Expertise France لدراسة بعنوان "تعزيز الوصول إلى العدالة للناجين من العنف الأسري أمام المحاكم اللبنانية - نهج عملي -" من إعداد الأستاذة جويل شويفاتي وعدد من المحاميات والمحامين، ضمن إطار برنامج الإتحاد الأوروبي لتمكين المرأة EU4WE.
وتأتي هذه الدراسة في إطار التحليل القانوني المقارن يستند إلى القوانين اللبنانية وأحكام الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان التي اعتمدها لبنان في ما يتعلق بالعنف الأسري حيث تسلط الضوء على الثغرات والتناقضات.
وألقت السيدة عون كلمة قالت فيها:" يتفق الناشطون في مكافحة ظاهرة العنف القائم على النوع الاجتماعي في لبنان، ومنهم أصحاب الدراسة التي يُسعدني أن أشارك في إطلاقها اليوم، على أن السبيل الأكثر فعالية للحد من تعرض النساء للعنف، هو اعتماد قانون مدني واحد للأحوال الشخصية لا يميز ضد النساء. مع ذلك لن يكون إقرار مثل هذا القانون كافياً، ولا بد لمعالجة قضايا العنف، من النظر في أسلوب تناولها من جانب القضاء.
يتناول قضايا العنف ضد النساء في لبنان بشكل رئيسي قضاة الأمور المستعجلة، الذي لهم أن يصدروا أوامر الحماية لصالح الضحية وأولادها، وقضاة المحاكم المذهبية والروحية الذين لهم أن يفصلوا في قضايا الأحوال الشخصية التي تثار ضمنها، في أحيان كثيرة، مسألة العنف الأسري."
وتابعت:" في هذا المجال لا يغيب عن أحد، أهمية الاجتهاد القضائي، إذ أن الأحكام التي يصدرها قضاة الأمور المستعجلة كما قضاة محاكم الأحوال الشخصية، تتوقف إلى حد بعيد على تفسير القانون بالصيغة التي يعتبر القاضي أنها الأنسب في القضية التي يتناولها. ومن هنا كانت أهمية إدراك القضاة لكافة الأبعاد التي ينطوي عليها وقع العنف بالنسبة إلى الضحية كما المعاني التي تحملها ممارسة العنف من جانب الجاني."
وأضافت:" جدير بالتذكير، هنا أن الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية أوردت في الاستراتيجية الوطنية للمرأة في لبنان منذ العام 2011، مناهضة كل أشكال العنف التي تطال المرأة والفتاة، من بين أهداف العمل، وتناولت ضمن مجالات التدخل لتحقيق هذا الهدف، الاطلاع على مدى تطرق الأحكام الشرعية والروحية إلى آفة العنف ضد المرأة والفتاة بغية نشر الوعي وتطوير الموافق.
وفي مناسبات عديدة، عمدت الهيئة بالتعاون مع وزارة العدل ومنظمة "كفى" إلى تنظيم لقاءات مع القضاة المعنيين، بغية البحث في الصعوبات التي تعترض تطبيق قانون حماية النساء وسائر أفراد الأسرة من العنف الأسري وبغية استعراض الآليات المعمول بها دولياً للقضاء على التمييز ضد المرأة. وجدير بالإشارة إلى أن هذه اللقاءات أتاحت التوصل إلى توصيات تم تضمينها في اقتراحات لتعديل القانون المذكور بغية توفير حماية أكبر لضحايا العنف الأسري، وقد اعتمد المجلس النيابي في أواخر العام الماضي معظم هذه التوصيات. ومن أبرزها تضمين تعريف العنف الأسري الممارسات الجرمية التي تقع أثناء الحياة الزوجية أو بسببها، وتضمين أنواع العنف المعاقب عليها، العنف الاقتصادي، وشمول أمر الحماية الذي يصدر لصالح الضحية، أطفالها الذين هم في سن الثالثة عشر أو ما دون، فيما كان أمر الحماية لا يشمل سوى أطفال الضحية الذين هم في سنّ الحضانة القانونية وفق أحكام قوانين الأحوال الشخصية. ونذكر من بين التعديلات المقترحة التي لم يعتمدها القانون المعدل، أن يكون قرار الحماية شاملا حكما للأولاد القاصرين للضحية، وإلزام مرتكب العنف بالخضوع لدورات تأهيلية".
وقالت: " تأتي دراسة " تعزيز الوصول إلى العدالة للناجين من العنف الأسري أمام المحاكم اللبنانية - نهج عملي - " في سياق مكافحة ظاهرة العنف المبني على النوع الاجتماعي عن طريق ترسيخ انسجام الممارسات القضائية مع مفاهيم حقوق الإنسان. والميزة الكبرى لهذه الدراسة وللتوصيات التي توصلت إليها استناداً إلى تحليل 95 حكم قضائي صادر عن المحاكم الدينية والشرعية والروحية، هي أن هذه التوصيات قابلة للتطبيق مباشرة إذ انها لا تستدعي أي تعديل في القانون بل تدعو إلى العمل به وبروحيته. فالقوانين المدنية كما التشريعات الطائفية لا ترمي بالنهائية سوى إلى تحقيق العدل. والعدالة في أي تشريع كان تستوجب حماية الفرد المعرض للعنف ومعاقبة المرتكب. والميزة الأخرى لهذه الدراسة هي أنها تلقي الضوء على نقاط ضعف في بعض الاجتهادات القضائية تؤدي أحياناً إلى تحريف المقصد الأساسي من الترتيبات القانونية. من الأمثلة التي تناولتها الدراسة نذكر هنا: عدم التزام بعض قضاة الأمور المستعجلة باحترام قاعدة الإسراع، بإقرار أمر الحماية لضحية العنف في غضون 48 ساعة، وتشدد القاضي في طلب إثبات حصول جريمة العنف إلى حد يعيق إحقاق العدل أحياناً وعدم تطبيق القاضي للقاعدة المبدئية الثابتة في اجتهاد محكمة التمييز والقائلة إن السلامة البشرية تتقدم دائماً على أي اعتبار آخر. ونذكر أيضاً من بين التوصيات التي توصلت إليها الدراسة، ضرورة أن يكون القضاة الناظرين في الأحوال الشخصية من المجازين في الحقوق وضرورة تمكنّهم بمعرفة أحكام الاتفاقيات الدولية حول الحقوق الإنسانية وحقوق المرأة، وضرورة مبادرة السلطات القيِّمة على الزواج لدى الطوائف الإسلامية، على وجوب إطلاع النساء عند الزواج، على حقوقهن في تضمين عقد الزواج شروطٍ لصالحهن، وعدم تجاهل أهمية الأذية اللاحقة بالضحية أو التقليل من وقعها، حين يحاول بعض القضاة التوسط للحؤول دون متابعة الضحية للإدعاء ضد الجاني. فالعمل بهذه التوصيات وبالعديد غيرها، أوردتها الدراسة، من شأنه تحسين شروط توفير حقوق ضحايا العنف الأسري كما من شانه المساهمة في تغيير نهج التعاطي المجتمعي مع هذه الظاهرة".
واعتبرت: "أن الموضوع الذي نتناوله اليوم هو موضوع حقوقي بامتياز يعني من يتعاطون بوضع القوانين موضوع التنفيذ تطبيقياً في المحاكم المدنية كما في المحاكم الطائفية. لكن الخوض في هذا الموضوع من جانب النساء، حتى ولو كنَّ حقوقيات متمرسات، او ناشطات عارفات بآفات المجتمع وجذورها، يبقى عملاً مؤلماً بالنسبة إليهن، إذ أن النساء، مهما كانت صفتهن يلمسن من خلاله، ليس فقط الإحباط الذي يثيره عادة إفلات أي مرتكب للظلم من العقاب، بل أيضاً ازدراء المجتمع للإهانة التي تتحملها المرأة عند تعرضها للعنف. فتبدو الأمور سائرة وكأن ليس للمرأة كرامة كما لكل إنسان يُفترض وجوب صونها وعدم القبول بمسها. ويزيد الأمر ألماً والجرح عمقاً عندما يُبيِّنُ الواقع أن حتى القيمين على الفصل بالعدل، لا يعيرون الأهمية الكافية للمظالم التي تتعرض لها النساء من جراء معاناتهن من العنف داخل أسرهن".
وختمت:" نأمل أن تساهم هذه الدراسة في إلقاء الضوء على بعض الثغرات في تطبيق القوانين وإحقاق حقوق النساء وندعو إلى نشرها لتعميم الفائدة على جميع المعنيين. أخيراً أعرب عن تقدر الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية للخبيرة المحامية جويل شويفاتي التي أعدت هذه الدراسة ولفريق العمل الذي ساهم فيها، وأتوجّه بالشكر إلى الاتحاد الأوروبي الذي تندرج هذه الدراسة ضمن مشروعه لتمكين النساء في لبنان، وإلى مؤسسة Expertise France وفريق عمل هذا المشروع ورئيسته السيدة Elena Ferreras Carrerasعلى القيام بتنفيذ هذه الدراسة القيمة والمفيدة"