#الثائر
- " اكرم كمال سريوي "
أوقع المسؤولون اللبنانييون أنفسهم في مأزق يصعب الخروج منه، فمنذ عام ٢٠٠٦ عندما انطلق ترسيم الحدود البحرية مع قبرص، حدد لبنان النقطة رقم ١ في المياه الجنوبية، متراجعاً مسافة كبيرة عن الحدود الحقيقية مع فلسطين المحتلة ، ثم تنبّه عام ٢٠١١ لهذا الخطأ، فأصدر المرسوم ٦٤٣٣ ورسم خطاً للحدود البحرية الجنوبية، من رأس الناقورة حتى النقطة ٢٣، مرتكباً بذلك خطأً تقنياً وسياسياً جديداً، بالتنازل عن مساحة واسعة هي من حق لبنان.
رسم الأسرائيليون خطاً للحدود البحرية، امتد من نقطة لبنانية في الناقورة ، إلى النقطة رقم ١ باعتبارها نقطة ثلاثية بين لبنان وقبرص وفلسطين. ثم رسم الوسيط الأمريكي فردريك هوف ، خطاً وسطياً في المنطقة المتنازع عليها منح لبنان نسبة ٥٥٪ منها.
عندما بدأت المفاوضات الثلاثية في الناقورة، تبين للوفد اللبناني أن هذه الخطوط الثلاثة لا تستند إلى أساس قانوني، ووفقاً للقانون الدولي واتفاقية الأمم المتحدة لترسيم الحدود البحرية ، واستناداً إلى الخرائط الفرنسية البريطانية لترسيم الحدود بين لبنان وفلسطين، فان الحدود البحرية الصحيحة، هي من رأس الناقورة إلى النقطة ٢٩، وهذا الخط يمر في حقل كاريش للغاز ، الذي قامت اسرائيل بتلزيمه إلى شركة يونانية ، وستبدأ الحفر فيه في مطلع حزيران المقبل .
طلب الوفد اللبناني المفاوض من السلطات اللبنانية، تعديل مرسوم الحدود، وإبلاغ الأمم المتحدة بذلك، وإطلاق المفاوضات الثلاثية غير المباشرة مع إسرائيل انطلاقً من الخط الجديد .
تحمس فريق رئيس الجمهورية لتعديل المرسوم، باعتباره حق للبنان ويستند إلى معطيات قانونية وتقنية صحيحة. تريث الفرقاء الآخرون بالموافقة، واعتبروا أن ذلك بمثابة مزايدة من فريق رئيس الجمهوري الذي استلم ملف المفاوضات على الحدود البحرية، بعد أن كان هذا الملف في عهدة رئيس مجلس النواب نبيه بري لسنوات.
بعد أن أثبت الوفد اللبناني المفاوض دقة وصحة معلوماته، وخرج الموضوع إلى الإعلام والعلن، بات المسؤولون جميعهم عاجزين عن رفض السير بتعديل المرسوم. لكن بعد وصول التهديدات الأمريكية، تحول هذا الأمر إلى كرة نار راحوا يتقاذفونها فيما بينهم، خاصة مع وصول السيد ديفيد هيل وجولته على المسؤولين، حيث أبلغهم بشكل علني وواضح، أن المفاوضات مع إسرائيل يجب أن تعاود الانطلاق من حيث توقفت، دون أي تعديلات جديدة على مرسوم الحدود البحرية، وأن على لبنان القبول بخط هوف لتسوية النزاع ، وإلا سيواجه المسؤولون عن عرقلة هذا الموضوع عقوبات وعواقب وخيمة.
ليس هذا هو المرسوم الجوال الأول الذي يصدر في لبنان في ظل حكومات تصريف الأعمال، لكن رئيس الجمهورية يرفض أن يتحمل وحده تبعات هذه الخطوة، ولذلك طالب بعقد جلسة لمجلس الوزراء لإقرار مرسوم التعديل باعتباره مرسوماً استثنائياً، والأمر ذاته فعله وزير الأشغال العامة الذي ذيّل المرسوم بتوقيع ملغوم، وبعبارة أنه يحتاج إلى مناقشة وإقرار في مجلس الوزراء.
سارعت القوات اللبنانية إلى استغلال الموقف، فعقد رئيس لجنة العدل النائب جورج عدوان مؤتمراً صحافياً، طالب فيه بعقد جلسة لمجلس الوزراء لأقرار مرسوم التعديل، وطالب رئيس الجمهورية بتوقيع المرسوم حتى ولو لم ينعقد مجلس الوزراء. وبالطبع ستبقى القوات خارج أي عقوبات أمريكية كونها غير مشاركة في الحكومة، وهكذا تكون قد سجلت نقطة رابحة لصالحها في مرمى الجميع.
يعلم رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب أنه في مأزق. فإذا لم يجمع مجلس الوزراء، سيتحمّل وزر عدم توقيع المرسوم والتفريط بحقوق لبنان، وإذا عقد جلسة للحكومة سيتحمل مخاطر التهديدات الأمريكية، وكل ما ينتج عن مرسوم التعديل من تبعات سيئة، هذا إضافة إلى اتهامه من قبل فريق كبير، خاصة رؤساء الحكومات السابقين، بخرق الدستور والقبول باستخدامه كورقة ضغط ضد الرئيس المكلف سعد الحريري.
لن يُقدّم الرئيس دياب على تلقّف كرة النار هذه ، وهو يعلم جيداً أنه إذا أقدم على عقد اجتماع لمجلس الوزراء لإقرار مرسوم التعديل، ستتم مطالبته لاحقاً بعقد جلسة لترشيد الدعم، وجلسة أُخرى لإقرار الموازنة، وغيرها من الأمور ، وسيتم بذلك إعادة تعويم وتفعيل حكومة تصريف الأعمال لصالح فريق ٨ اذار، الذي خذل الرئيس دياب عندما طلب مهلة ستين يوماً قبل الاستقالة لكنهم طعنوه في الضهر، ويريدون الآن استخدامه في محاولة للضغط، ومحاصرة الرئيس المكلف تشكيل الحكومة سعد الحريري.
لهذه الأسباب تُرجّح مصادر مطّلعة مقربة من الرئيس دياب، أنه لن يُقدّم على دعوة مجلس الوزراء للانعقاد، ويقول المصدر ل «الثائر» : أن المسؤولين جميعهم يعرفون ذلك، وبالتالي فان المرسوم سيبقى في الأدراج، ولن يغامر أياً منهم في إغضاب الأمريكي وفي هذا الظرف بالذات، ويجري البحث الآن في استبدال المرسوم برسالة، يبعث بها وزير الخارجية اللبنانيية إلى الأمم المتحدة، يُعلمها فيها بشكل تقني،عن حق لبنان بمياه الأقليمية الجنوبية، استنادا إلى الخط الجديد الذي رسمه الفريق اللبناني المفاوض، مع ذكر الحجج والمبررات القانونية والتقنية لذلك.