#الثائر
كتب مدير موقع أحوال مصر : سيد زهيري
سؤال بات من الصعب على أي محلل أو متابع أو باحث التصدي له بالبحث والدراسة للوصول الي نتيجة أو إجابة موضوعية, فتعقيدات المشهد اللبناني مزمنة, وتركيبته السياسية متفردة في تكوينها, وحدوده مستباحة, ومحيظه الاقليمي مترهل, ناهيك عن الانهيار المزري الذي يعانيه الاقتصاد اللبناني, وتهاوي عملته المحلية لأدنى مستوياتها, حتي باتت تفقد ما يقارب الـ 90% من قيمتها أمام الدولار, الأمر الذي ضاعف من معاناة المواطن اللبناني الذي بات أسيراً بين "سندان السياسة و مطرقة الاقتصاد".
لبنان واحة الجمال والطبيعة الخلابة, ذات الموقع الوسطي بين قارات العالم, وبموقعه المتميز بين الشمال الأوروبي والجنوب العربي والشرق الآسيوي والغرب الأفريقي, هذا الموقع الفريد الذي حبا الله به لبنان الحبيب, والذي ساهم في تعدد الثقافات وتنوعها وانفتاحها علي العالم, تحول الي نقمة, لأن هذا الموقع كان من أبرز الأسباب التي جعلت لبنان مرتعاً ومطمعاً للمستعمرين عبر التاريخ, وتسبب في النزاعات والصرعات والحروب الأهلية, الى أن كان الانتداب الفرنسي, الذي بدا مع بداية الحرب العالمية الأولى 1914م. ليهيمن المندوب السامي الفرنسي رسميا على مقاليد الأمور في لبنان عام 1920, بفرمان اتفاقية "سايكس بيكو" والتي تم تأييدها من عصبة الأمم عقب انتهاء الحرب العالمية الأولى, ليقبع لبنان تحت الاحتلال الفرنسي, حتي 1943, حيث أعلن استقلاله بعد صراع سياسي طويل اتحد خلاله اللبنانيون مسيحيون ومسلمون, فيما عرف بـ"الميثاق الوطني اللبناني", حيث أعلنوا استقلال لبنان تحت اسم "الجمهورية اللبنانية".
هل انتهت أزمات لبنان بجلاء المستعمر؟
لم تنتهِ أزمات لبنان بجلاء الانتداب الفرنسي, بل أستطيع القول أنها زادت وتفاقمت, وتعاقبت منذ احداث 1958 و الحرب الأهلية بين عامي 1975 و العام 1990, بالإضافة إلى الانقسام السياسي الحاد القائم في لبنان منذ 2005, مروراً بأحداث حرب تموز 2006 و الاعتصام المدني في وسط بيروت بين عامي 2006 و 2007 و 2008 وصولاً الى الأحداث السورية ودخول القوى الحليفة لسوريا بالحرب الدائرة هناك, كل هذه الأحداث الجسام والممتدة على مدى 71 عاما تظهر مدى هشاشة النظام السياسي اللبناني وحاجته الدائمة إلى حكم خارجي يحكم بين أطراف النزاع الداخلي, فالمذهبية والطائفية المقيتة, والتكتلات السياسية العقائدية التي تحكم وتتحكم في النظام السياسي اللبناني, ناهيك عما خلفته حقبة ما بعد الانتداب الفرنسي من نشأة و دعم لتيار سياسي جديد وهو "التيار العلماني" الذي نمي وترعرع داخل الجامعات اللبنانية لينتج جيلا جديدا يكفر بما خلفته الطائفية الدينية والأحزاب والتكتلات, فرغم استقلال لبنان وجلاء الانتداب الفرنسي, الا أن الثقافة والقوانين الفرنسية ما زالت تحكم وتتحكم في مفاصل الدولة اللبنانية, وكثير من المواطنين اللبنانيين يتمنون عودة الانتداب الفرنسي لينقذهم من فساد الساسة وطوائفهم و تكتلاتهم, فبرغم المشهد الصادم الذي تناقلته وكالات الأنباء وصور المواطن اللبناني الذي يرتمي في أحضان الرئيس الفرنسي "ماكرون" باكيا عقب تفجير "مرفأ بيروت", الا أنه كان مشهدا يعكس حالة اليأس والإحباط التي يعانيها الداخل اللبناني, وكان كاشفا أيضا لحالة
الوهن والضعف العربي.
من ينقذ لبنان...؟!
نقول في التراث المصري "المركب اللي ليها ريسين تغرق", لآن كل منهما سيسعي لانتزاع سلطته وسطوته وفرض نفوزه علي الأخر, فما بالنا عندما يتعلق الأمر بدولة, فقد قام النظام السياسي في لبنان علي المحاصصة والكوتة السياسية, بين الطوائف والمذاهب والتكتلات المختلفة, من خلال نظام جمهوري ديمقراطي توافقي طائفي, بحيث توزع المناصب الأساسية بنسب محددة بين أعلام الطوائف المختلفة, هذا النطام الذي حول لبنان إلى ساحة دائمة للنزاعات والصراعات المذهبية, فكل طائفة تحارب من أجل مصالحها ونفوزها وسيطرتها, ليضيع مفهوم الدولة, وتنهار المؤسسات, وينخر الفساد في مفاصلها ليزيدها هشاشة فوق هشاتها.
وهنا سأختلف مع من يقول أن إنقاذ لبنان واستعادة مفهوم الدولة لن يأتي إلّا من الخارج, لأن الرهان على الشعب اللبناني بما يمتلكه من وعي وحضارة وثقافة ووطنية, هو الرهان الرابح, فأي حل من الخارج ستكون فاتورته المستقبلية باهظة, لأنه لن يكون أبدا بلا مقابل أو بلا أجندة مصالح سياسية واقتصادية, فلبنان لن ينجو إلّا بإرادة وعزيمة أبنائه, وعلى جميع الفرقاء والنخب والساسة, إعلاء المصلحة الوطنية وسرعة العمل علي توحيد الصف ونبذ الخلافات لأن المركب اذ غرقت فلن ينجو أحد, ولبنان الحبيب الذي ندعوا الله له بالسلامة والنجاة ووحدة شعبة يستحق مزيد من الجهد والتضحية من أبنائه المخلصين قبل أن يتحول من "شبه دولة" الى "اللا دولة".